الأسد ردا على كلينتون: نحن أدرى بمصالحنا ولا نريد دروسا من أحد

نجاد: واشنطن تريد مسافة بين دمشق وطهران.. وأنا أقول إنه لا توجد أي مسافة بيننا وليموتوا بغيظهم

الرئيسان السوري والإيراني مع مفتي الديار السورية خلال زيارة أحمدي نجاد لسورية أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمس، متانة العلاقات الثنائية التي توجت بالتوقيع على اتفاق يقضي بإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، مشددين على تعزيزها في كافة المجالات «كطريق وحيد للوصول إلى القرار المستقل».

وأعرب الأسد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني في دمشق أمس عن «استغرابه» من الدعوة التي وجهتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أول من أمس إلى دمشق أن «تبدأ بالابتعاد في علاقتها عن إيران التي تتسبب في اضطرابات للمنطقة وللولايات المتحدة». وقال الرئيس السوري «أستغرب كيف يتحدثون عن الاستقرار والسلام في المنطقة وعن كل المبادئ الأخرى الجميلة ويدعون للابتعاد بين دولتين، أي دولتين؟». وتمنى الأسد على الآخرين «ألا يعطونا دروسا ونصائح عن تاريخنا ومنطقتنا فنحن أدرى بمصالحنا ونحن نحدد أين ستذهب الأمور». وعلق الرئيس السوري على طلب كلينتون متهكما «نحن التقينا اليوم لنوقع اتفاقية ابتعاد بين سورية وإيران»، وتابع ضاحكا «لكن بما أننا فهمنا الأمور خطأ ربما بسبب الترجمة أو محدودية الفهم فوقعنا اتفاقية إلغاء التأشيرات لا نعرف أكان هذا يتوافق مع ذاك».

ووقعت سورية وإيران اتفاقية إلغاء تأشيرات الدخول بينهما لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والخدمة والعادية. ووقع الاتفاقية عن الجانب السوري وزير الخارجية وليد المعلم وعن الجانب الإيراني نظيره منوشهر متقي.

وأكد الأسد الحاجة إلى «تعزيز العلاقات إذا كان فعلا الهدف هو الاستقرار»، متابعا «أنا كنت أتحدث عن القرار المستقل وعن التواصل بين الشعوب وعن تعزيز المصالح وعن الدروس التي تعلمناها.. نتمنى من الآخرين ألا يعطونا دروسا عن منطقتنا وعن تاريخنا.. نحن نحدد كيف ستذهب الأمور ونحن نعرف مصلحتنا ونشكرهم على نصائحهم». ونبه الأسد إلى أن «ما سمي بالشرق الأوسط الجديد وما طرح من مشاريع لتقسيم المنطقة لن يبدأ من الخرائط ولن يبدأ من الحدود بل سيبدأ من العقول ومن القلوب ولاحقا بعد أن تكتمل هذه الخرائط في قلوبنا وعقولنا سوف يقومون بعملية إسقاط لها على الخرائط وعلى الأرض».

واعتبر أحمدي نجاد من جهته أن كلام كلينتون مثل «كلام أم العروس» كونه ليس في محله، مضيفا «ليس هنا من مسافة تفصل بين سورية وإيران.. ولم يطلب أحد من كلينتون أن تبدي وجهة نظرها». وتابع «كل الحكومة الأميركية لا تؤثر على علاقات المنطقة وشعوبها، لقد انتهى العهد الذي تدار به الأمور من وراء البحار، إنهم يريدون الهيمنة ويشعرون أن سورية وإيران تحولان دون ذلك»، مقترحا عليهم «أن يغادروا ويريحونا».

وأكد أحمدي نجاد «إن ساروا على نهجهم السابق فنحن سنبقى جنبا إلى جنب ولا يوجد أي عائق يمكنه أن يخلق أي مسافة بيننا». وقال «إنهم يشعرون بالغضب فليشعروا بالغضب وليموتوا بغيظهم». وحول العلاقات الثنائية بين دمشق وطهران قال أحمدي نجاد «على الجميع أن يعلم أن العلاقات الثنائية علاقات أخوية عميقة متطورة متسعة ومستديمة ولا يوجد أي عامل يمكن أن يمسها» وأضاف أن دائرة التعاون بين البلدين «تتسع يوما بعد يوم في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والسياسية وآفاقها واضحة وبناءة وباهرة».

وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، دافع الأسد عن حق إيران في الطاقة النووية المدنية، معتبرا أن «ما يحصل هو عملية استعمار جديد في المنطقة وهيمنة من خلال منع دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وموقعة على اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتسعى لامتلاك الطاقة النووية السلمية بناء على هذه الاتفاقيات، من أن تمتلك حق التخصيب».

وأضاف «وما سيطبق على إيران سيطبق على كل الدول الأخرى لاحقا وبالتالي موقفنا في سورية ينطلق من فهمنا لهذا الموضوع ومبادئنا ولكن أيضا من مصالحنا كدولة نعتقد بأنها ستسعى ككل الدول الأخرى في المستقبل في يوم من الأيام لامتلاك الطاقة السلمية وأعتقد أن كل الدول الأخرى من مصلحتها أن تسعى بهذا الاتجاه».

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد السبت الماضي تمسك بلاده بحقها وحق إيران في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، مشددا على أن هذا البرنامج يجري بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن دمشق لن تسمح للوكالة بتجاوز اتفاق الضمانات الذي أبرمته معها.

وفي معرض كلامه عن إسرائيل، قال أحمدي نجاد إن «الكيان الصهيوني في طريقه إلى الزوال وأن فلسفة وجوده انتهت والوقت يمر لغير صالح المحتلين والصهاينة. لقد وصلوا إلى طريق مسدود بالكامل». وأضاف «هذه المرة سيقف بوجههم كل شعوب المنطقة وفي مقدمتهم سورية ولبنان وإيران والعراق وسيقتلعونهم من جذورهم، وعلى العالم أن يعرف أن الشعب الإيراني يقف إلى جانب الشعب والحكومة في سورية والمقاومة الفلسطينية».

وتابع «إن المقاومة اللبنانية والفلسطينية والشعب الإيراني والسوري واقفون وصامدون حتى النهاية، نحن نؤمن أن التطورات ستكون لمصلحة سورية وإيران والشعوب الحرة ولن يكون بوسعهم فعل أي شيء».

وكان الرئيس الأسد قد قال خلال المؤتمر الصحافي «بالرغم من الإحباطات والعثرات الكبيرة التي أصابت المنطقة وشعوبها فإن المحصلة خلال المرحلة الماضية كانت لمصلحة قوى المقاومة في المنطقة التي قاومت ودافعت عن حقوقها والتي آمنت بهذه الحقوق وآمنت بقضايا شعوبها وبخبراتها وبإمكانياتها» مضيفا أنه وبالمقابل «كان الفشل مصير القوى التي وقفت في الخندق المقابل، ومع كل محطة وكل عيد نرى أنها تنتقل من فشل إلى فشل آخر ونتمنى أن يأتي اليوم الذي نحتفل فيه بأحد أعيادنا الدينية ونحتفل بنفس الوقت بفشلهم الكبير ولا شك بأن هذا اليوم آت».

واعتبر الأسد لقاءه مع نجاد يوم عيد المولد النبوي «له معان خاصة» وقال «هذه المناسبة هي مناسبة مباركة ولكن أردنا أن نضيف على بركتها بركة العمل والتواصل». ووصف اللقاء بأنه «من اللقاءات الدورية والروتينية بين البلدين المستمرة منذ سنوات».

لكن أراد الجانبان أن يشهد هذا اليوم «إنجازا» على صعيد العلاقات وهو توقيع اتفاقية إلغاء تأشيرات الدخول، وأكد الأسد أن هذه الاتفاقية «ستؤدي إلى المزيد من التواصل والمزيد من تكريس المصالح المشتركة بين الشعبين السوري والإيراني» وأن العلاقة بينهما «لا يمكن أن تبقى لعقود مقتصرة على الجانب السياسي». وأضاف موضحا «عندما نتحدث عن الجانب الاقتصادي لا يمكن أن تبقى مقتصرة على المشاريع والشركات الكبرى، فالعلاقة الحقيقية بين بلدين وشعبين تبدأ من الفرد ومن القاعدة باتجاه القمة وليس العكس».

ولفت الأسد إلى أن شعوب المنطقة ليس لها سوى خيار البقاء مع بعضها «من خلال تعزيز التواصل وتمتين العلاقات وتوسيع شبكة المصالح بين بلداننا» وأن هذا هو الطريق الوحيد «إذا أردنا أن نصل بشكل فعلي وعملي إلى ما نسميه القرار المستقل الذي يحولنا من مستوردين للمستقبل إلى صناع له».

وعن مباحثاته مع الرئيس الإيراني قال الأسد إنها تطرقت، إضافة إلى العلاقات الثنائية، إلى بحث القضايا الأخرى على الساحة السياسية وموضوع الانتخابات العراقية المقبلة وتأثيرها على العملية السياسية وعلى الاستقرار وعلى انسحاب قوات الاحتلال لاحقا وعلى مستقبل المنطقة بشكل عام. كما تم الحديث عن «جرائم إسرائيل وعن إرهابها وكيفية مواجهة هذا الإرهاب»، إلى جانب بحث «وضع المقاومة في المنطقة وكيفية دعم هذه القوى المقاومة».

واعتبر الأسد أنه من البديهي القول «إن هذا الدعم هو واجب أخلاقي ووطني في كل وطن وواجب شرعي بما أننا اليوم في مناسبة دينية». كما تناولت المحادثات أيضا الملف النووي الإيراني. وفي هذا الخصوص وضح الأسد الموقف السوري وأنه لا يقول «كلاما الآن بناء على ما سمعته من الرئيس أحمدي نجاد ولكن بناء على ما سمعته من المسؤولين الغربيين خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية التي أظهرت بما لا يدع مجالا للشك بأن ما يحصل هو عملية استعمار جديد في المنطقة وهيمنة من خلال منع دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وموقعة على اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتسعى لامتلاك الطاقة النووية السلمية بناء على هذه الاتفاقيات، تمنع من أن تمتلك حق التخصيب بالرغم من المرونة الإيرانية الملحوظة خلال الشهرين الأخيرين تجاه هذا الملف».

وفي إجابة عن سؤال يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية لسورية قال الأسد: «بالنظر للتهديدات الأخيرة لإسرائيل، ما هو هدف التهديدات؟ وكيف تتناسب مع مزاعمهم حول السلام في الشرق الأوسط؟». ورأى أنها «لم تأت كحالة منعزلة» وإنما يجب النظر إليها في «سياق التاريخ الإسرائيلي المبني على الغدر والعدوان والاحتلال والهيمنة». وقال الأسد «من الخطأ أن نقيم هذه الحالة من خلال التصريحات» فهي «لا تعني بأن إسرائيل ستقوم بعدوان كما لا يعني عدم التصريح بأنها لن تقوم بعدوان». لذلك فإن سورية تفترض أنها «أمام كيان ربما يقوم بعمل عدواني بأي وقت ما دام تاريخه عدوانيا» وعلى هذا الأساس فإن سورية تستعد دائما لمواجهة «عدوان إسرائيلي سواء كان صغيرا أم كبيرا» لافتا إلى احتمال أن تكون هذه التصريحات تنطوي على رسالتين، «رسالة لسورية وللتيار المقاوم في المنطقة لكي يدفعه باتجاه الخضوع والخنوع، وربما رسالة للداخل الإسرائيلي من أجل رفع معنويات هذا الداخل بعد سلسلة من الإحباطات بعد الهزائم التي منيت بها». وأكد الأسد على أن ردة فعل سورية «ليست مبنية على التصريحات بقدر ما هي مبنية على نظرتنا، علينا أن نكون مستعدين في كل وقت لأي عدوان قد يقوم في أي وقت وتحت أي مبرر».

ويقول دبلوماسيون إن المبعوث الأميركي جورج ميتشل أثار مسألة مساندة سورية لحزب الله خلال اجتماع مع الأسد الشهر الماضي. وعين أوباما منذ ذلك الحين سفيرا لدمشق بعد غياب دام خمس سنوات وزار وليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية دمشق هذا الشهر. ويقول دبلوماسيون في دمشق إن الدعم السوري لحزب الله كان النقطة الشائكة الرئيسية في مساعي التقارب بين سورية والولايات المتحدة التي بدأت بعد فترة وجيزة من تولي الرئيس باراك أوباما السلطة في يناير (كانون الثاني) عام 2009.