رئيس الوزراء الهندي: تعزيز علاقتنا بالسعودية لن يكون على حساب دول أخرى

قال إن مباحثاته مع خادم الحرمين الشريفين اليوم ستشمل مجالات الدفاع والأمن والطاقة

رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ (أ.ف.ب)
TT

قال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، الذي يبدأ اليوم زيارة رسمية للسعودية، إنه سيبحث مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سبل تعزيز الاستقرار والأمن بالمنطقة، مضيفا في حوار مع الشقيقة «عرب نيوز» وينشر بالتزامن في «الشرق الأوسط» أن هناك أجندة ضخمة ستطرح في مباحثات البلدين من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بمجالات متنوعة، مثل التجارة والاستثمار والطاقة والدفاع والأمن والتعاون الاجتماعي والثقافي والتفاعلات بين الأفراد.

ونفى رئيس الوزراء الهندي أن يكون تعزيز علاقة بلاده مع السعودية على حساب دول أخرى، وقال: «أعتقد أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، ذلك أن علاقاتنا مع دولة ما لا تأتي على حساب علاقاتنا بأي دولة أخرى. في الواقع، توفر لنا علاقاتنا بدول غرب آسيا فرصة التفاعل عبر سبل متنوعة مع هذه المنطقة المهمة».

وقال رئيس وزراء الهند إنه يتطلع نحو التعاون مع قطاع الأعمال في السعودية ودعوتهم للمشاركة في التحول الاجتماعي - الاقتصادي السريع الذي تشهده الهند من خلال مشروعات تتعلق بالبنية التحتية والطاقة والصناعة والخدمات.

وبشأن توقيع اتفاقيات تعاون بين البلدين خلال هذه الزيارة، قال الدكتور مانموهان سينغ، إنه من المحتمل أن توقع الكثير من اتفاقيات التعاون أثناء هذه الزيارة، «وهي اتفاقات تمثل نطاقا واسعا من التعاون الهندي - السعودي في قطاعات التعاون الاقتصادي والثقافة والعلوم والتقنية وتقنية المعلومات. وأنا على ثقة من أن هذه الاتفاقات من شأنها إثراء علاقاتنا الوثيقة على نحو أكبر».

ويقول المسؤول الهندي: «إننا نشهد تطورات جيوسياسية مهمة ستؤثر مباشرة على السلام والاستقرار في المنطقة. وهناك حاجة لتناول جميع هذه القضايا من خلال جهود مستمرة. وأعتقد أن الهند والسعودية، باعتبارهما دولتين كبيرتين بالمنطقة، لديهما مصالح كبرى وتتحملان المسؤولية على هذا الصعيد». وأضاف أن المباحثات مع خادم الحرمين الشريفين ستشمل مراجعة السيناريو الإقليمي، ومناقشة السبيل لأن نعمل معا على تناول القضايا المعقدة المطروحة أمامنا.

واعتبر رئيس وزراء الهند أن الإرهاب «يظل التهديد الأكبر للسلام والاستقرار وللتقدم الذي نحرزه. وعليه، فإن هناك حاجة لبذل جهود عالمية للدفاع عن قيم التعددية والتعايش السلمي وحكم القانون. الملاحظ أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تشارك الهند مخاوفها المرتبطة بالتطرف والإرهاب. من جهتنا، نرفض فكرة أن أي دين أو قضية يمكن استغلالها في تبرير العنف ضد الأبرياء. وقد حرصنا على إضفاء الطابع المؤسساتي على تعاوننا مع الدول الخليجية من خلال إقرار الكثير من اتفاقات التعاون الأمني، بما في ذلك معاهدات لترحيل المطلوبين».

وبحسب الدكتور مانموهان، فقد أعلن «اتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي» التزامه بمحاربة الإرهاب. وتمخض اجتماع مجلس الوزراء التابع للاتحاد في فبراير (شباط) 2009 عن «إعلان وزراي للتعاون بمجال مكافحة الإرهاب». «وبالنظر إلى حقيقة أن النشاطات المتطرفة والإرهابية تنتشر اليوم بين جنوب وغرب آسيا وتشكل تهديدا خطيرا لشعوبنا، أتفق مع وجهة النظر القائلة بضرورة تحقيق تنسيق أكبر بين جهود اتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي ومجلس التعاون الخليجي بمجال مكافحة الإرهاب».

وأشار إلى أنه لا يتوافر لدى الهند اتفاق دفاعي مع السعودية، «إلا أنه منذ زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز للهند منذ 4 سنوات، تنوعت الروابط الدفاعية بين بلدينا وازدادت أهمية. إضافة إلى ذلك، تبادلنا الزيارات على مستوى رؤساء الأركان وبين سفن حربية، وشارك ضباط سعوديون في برامجنا التدريبية، بما في ذلك الخاصة بكلية الدفاع الوطني العريقة. ونحن نتطلع قدما لتعميق التعاون الدفاعي مع السعودية». وفيما يتعلق بدعم الهند لفلسطين، قال رئيس وزراء الهند: «إن إيماننا بهذه القضية لا يتزعزع. ويعود تاريخ تضماننا مع الشعب الفلسطيني إلى ما قبل استقلالنا. وتساند الهند حلا سلميا يثمر دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقادرة على البقاء وموحدة تعيش داخل حدود آمنة معترف بها، وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك جنبا إلى جنب مع إسرائيل، حسبما أقرت خطة خارطة الطريق الصادرة عن اللجنة الرباعية، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعنية بالقضية. أيضا، نؤيد خطة السلام العربية».

واعتبر أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز السابقة للهند «باعتباره الضيف الأول خلال الاحتفال باليوم الوطني للجمهورية في يناير (كانون الثاني) حدث تاريخي. وتعد تلك الزيارة الأولى من نوعها لحاكم سعودي للهند منذ 50 عاما. ونص (إعلان دلهي) الذي حمل توقيع جلالة الملك عبد الله وتوقيعي على التزامنا على اتباع رؤية استراتيجية مشتركة لتعزيز السلام والأمن الإقليميين وتعزيز علاقاتنا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية». ويضيف رئيس وزراء الهند «وقد أحرزنا بالفعل تقدما كبيرا نحو تحقيق رؤيتنا لتعزيز الشراكة الثنائية بين البلدين، حيث جرت لقاءات وزارية رفيعة المستوى على نحو منتظم بين الجانبين، علاوة على تكثيف التفاعل بين عناصر القطاعات التجارية والأكاديمية وغيرها».

وبحسب المسؤول الهندي الأول، فإن السعودية تعد رابع أكبر شريك تجاري لبلاده، مع تجاوز إجمالي حجم التجارة المتبادلة 25 مليار دولار. في حين يزيد عدد المشروعات المشتركة بين البلدين داخل السعودية على 500 مشروع، مع استثمارات تقدر بأكثر ملياري دولار. في الوقت الذي يرحب رئيس الوزراء الهندي بزيادة الاستثمارات السعودية في الهند، خاصة قطاع البنية التحتية حيث تتوافر فرص لتحقيق النفع المتبادل. ويعتبر الدكتور مانموهان أن السعودية والهند «تنتميان إلى نفس المنطقة الممتدة. وفي (إعلان دلهي)، تعهدنا بالعمل معا ليس فقط من أجل تحقيق مصالحنا المشتركة، وإنما كذلك لتعزيز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة والعالم. ويرفض الملك عبد الله وأنا كذلك فكرة وجود أي قضية تبرر العنف الوحشي ضد الأبرياء. في الواقع، إننا حليفان قويان في مواجهة بلاء التطرف والإرهاب الذي يؤثر بالسلب على السلام والأمن العالميين».

ويتطلع رئيس الوزراء الهندي إلى تعزيز التكامل بين اقتصاد البلدين، وتدفق التجارة والاستثمارات بينهما بدرجة أكبر، وتحسين مستوى الارتباط بينهما وتوفير حرية أكبر لانتقال الأفكار والأفراد. مضيفا «في الواقع شكل هذا تراثنا التاريخي، وينبغي علينا العمل على إحياء هذا الإرث، من جانبنا، ليست هناك عوائق أمام توسع سريع ومستمر وشامل في العلاقات بين الهند والعالم العربي».

ويشير إلى أن بلاده تمثل حضارة عمرها 5 آلاف عام، «وتتميز اليوم بضمها مزيجا من الديانات واللغات والثقافات. ونحن نثمن عاليا مبادئ التعايش السلمي والتناغم بين الدول. وسنستمر في العمل مع الدول ذات التوجهات الفكرية المشابهة من أجل خلق نظام دولي يقوم على العدل والتكافؤ، وقادر على التصدي لتحديات الفقر والأمية والجوع».

وحول مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإطلاق مبادرة الحوار بين أتباع الأديان، قال: «نقدر بعمق وندعم فكرة حوار الأديان. ولا شك أن التعرف على المعتقدات والممارسات الدينية للآخرين أمر مهم في حد ذاته، وبإمكانه تعزيز مستوى أعلى من التفاهم والتسامح. ولدينا بالفعل تجربة على هذا الصعيد داخل بلادنا. في الواقع، يعد الإسلام جزءا لا يتجزأ من الهيكل الديمقراطي العلماني الهندي. ويشكل المسلمون في الهند جزءا من نسيجنا الوطني، ولعبوا دورا في إثراء مجتمعنا. ومثلما الحال مع جميع الهنود الآخرين، يتمتعون بالحماية الكاملة من قبل قوانيننا، وكامل الحقوق التي يكفلها الدستور لكل مواطن هندي».

وبشأن العمالة الهندية في السعودية والخليج، قال رئيس الوزراء الهندي: «نشعر بفخر بالغ حيال إسهام الجالية الهندية في منطقة الخليج في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بها. يذكر أن المنطقة يعمل بها أكثر من 5 ملايين هندي، منهم نحو مليونين يعيشون ويعملون في المملكة. ونشعر بامتنان بالغ إزاء الاستقبال الحار الذي يلقونه بمختلف أرجاء المنطقة».

وأضاف «تمثل رفاهية هذه الجالية الهندية الضخمة خارج البلاد أولوية كبرى بالنسبة لحكومتي. وعملت وزارة شؤون الهنود بالخارج، التي استحدثنها منذ 6 سنوات، بلا كلل من أجل ضمان رفاهية هذه الجالية بالتشاور مع الحكومات المعنية. وأقرت الكثير من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي آليات، مثل كيانات للنظر في الشكاوى ومحاكم للنظر في قضايا العمال تتعاون بصورة وثيقة مع مسؤولينا. إلى جانب ذلك، وقعنا مذكرات تفاهم حول العمل والقوى العاملة مع غالبية دول المجلس».

وفي هذا السياق أيضا، قال إنه تم إقرار ترتيبات في جميع الدول الخليجية، بينها السعودية، للاستجابة لشكاوى العمال. وتتضمن هذه الإجراءات خط مساعدة يعمل 24 ساعة وملاذات مؤقتة ومراكز توفير استشارات وتعزيز أقسام «شؤون رفاهية الجالية» داخل بعثاتنا الدبلوماسية.

وحول العلاقات الهندية - الباكستانية، قال رئيس وزراء الهند: «ليس هناك تغيير في موقفنا، فنحن نسعى لإقامة علاقات سلمية وطبيعية مع باكستان، وينبغي أن تعمل الدولتان كجارتين رشيدتين. في إطار السعي لذلك، نسعى دوما للتعاون مع الباكستانيين الذين يبدون استعدادهم للتعاون معنا. ولا نرى بديلا للحوار لتسوية القضايا الخلافية بيننا. واليوم، تتمثل القضية الأساسية في الإرهاب»، وأضاف «كدولة مجاورة، لا يمكن أن نبقى بمعزل عن تداعيات صعود التطرف والإرهاب في باكستان، أو على الحدود الباكستانية - الأفغانية. في الواقع، يشكل التطرف والإرهاب تهديدات كبرى ليس للهند وحدها، وإنما أيضا لباكستان وجميع الدول الأخرى المجاورة. وعليه، فإن مصلحتنا المشتركة تقتضي معارضتنا ومقاومتنا للإرهاب والانتصار عليه وجميع من يأججونه ويعملون على استمراره ويوفرون الملاذ للعناصر الإرهابية والمتطرفة».

وفيما يتعلق بالقضية الكشميرية، قال: «عانى شعب جامو وكشمير مرارا على أيدي الإرهاب عبر الحدود، الأمر الذي عمل ضد مصلحة شعب الولاية، الذين صوتوا مرارا وتكرارا بأعداد ضخمة في انتخابات ديمقراطية معلنين رفضهم الحاسم للعنف.

من ناحيتنا، اتخذنا عدة إجراءات لتحقيق تنمية داخل جامو وكشمير، ولضمان عيش شعبها في سلام وتناغم، مثلما الحال في باقي أرجاء البلاد، وفيما يتعلق بحوارنا مع باكستان، نحن على استعداد لمناقشة جميع القضايا معها في مناخ خالٍ من الإرهاب».