المغرب: النازحون إلى مخيمات ضحايا السيول والأمطار يأملون حلا جذريا لمآسيهم

«الشرق الأوسط» تزور مخيم المنزه في منطقة الغرب الذي يضم سكان قرى جرفتها الفيضانات

TT

بلغ عدد المخيمات التي شيدتها السلطات المغربية في منطقة الغرب، شمال الرباط، 34 مخيما لإيواء سكان جرفت فيضانات الأنهر والأودية والسيول قراهم ومداشرهم، مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة. واضطر السكان، الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، إلى النزوح نحو هذه المخيمات، التي تقول السلطات إنها مؤقتة.

عندما زرنا مخيم المنزه في شمال مدينة القنيطرة، وجدنا أن سكانه بدأوا يتأقلمون مع هذا الواقع الجديد. يضم المخيم، الذي امتد على مساحة كبيرة، 792 خيمة، بمعدل خيمة لكل أسرة، نصبت بطريقة هندسية تسمح للسلطات المشرفة على المخيم مراقبة النازحين الذين جاؤوا من قرية يطلق عليها دوار ولاد بلخير، ومداشر أخرى مجاورة لها، وحمايتهم.

كما أن التصميم الهندسي يتوخى حماية المخيمة من الأخطار جميعها وبخاصة الحريق، كما تتيح هذه الهندسة سهولة التوزيع المنتظم للمواد الغذائية على الخيام جميعها. وتم تجهيز المخيم بما يلزم من أغطية وأثاث لحماية النازحين من برودة الطقس في المنطقة.

ينقسم مخيم المنزه الكبير إلى خمسة مخيمات فرعية، حيث يضم كل فرع سكان إحدى القرى التي جرفتها أو أغرقتها الفيضانات. وحتى أول من أمس، بلغ عدد النازحين المتضررين الذين انتقلوا إلى هذا المخيم ستة آلاف شخص، أصبحوا جميعا من دون مأوى بعد فيضانات الأسبوع الماضي، حيث حاصرتهم مياه نهر واد سبو الفائضة من كل جانب في قرية دوار ولاد بلخير.

كانت ميلودة الحواط من بين النساء القرية اللواتي نجون من الغرق بأعجوبة، وبعد ذلك اتجهت برفقة المئات من الأسر التي نزحت بدورها إلى مخيم المنزه. قالت لنا ميلودة في نبرة حزينة باكية: «رأينا الجحيم بأعيننا.. الماء كان في تلك الليلة السوداء من تحت أرجلنا ومن فوقنا. وبسبب حجم الكارثة أجهضت بعض النساء الحوامل» وبلغة حزينة قالت رحمة، التي كانت تقف إلى جانبها: «الحمد لله الذي أنقذنا وأنقذ أولادنا من مصيبة حقيقية».

وخلال جولتنا وسط الخيام، اعترضت طريقنا أم لستة أولاد تدعى ليلى شاهد، محتجة على طريقة توزيع المواد الغذائية، وقالت لنا إن الطريقة التي يتم بها توزيع المواد الغذائية لم تكن عادلة. مشيرة إلى أن السلطات المشرفة على توزيع هذه المواد لم تأخذ بعين الاعتبار عدد أفراد أسرتها، وقالت إن الكمية التي يتم توزيعها على كل متضرر لا تكفي أبناءها الستة، وقالت إنها تتلقى الكمية نفسها التي تتلقاها أسرة لا يتجاوز عدد أفرادها ثلاثة. لكن ليلى، وعلى الرغم من احتجاجها على تقسيم المواد الغذائية، ترى أن ظروف العيش في المخيم أفضل بكثير من الظروف التي كانت تعيشها برفقة أطفالها من قبل. وعندما سألناها حول ما إذا كانت ترغب في العودة إلى قريتها بعد انحسار فيضانات نهر سبو، قالت بوضوح: «لا أريد العودة إلى (الدوار). هذا المكان أفضل لي ولأولادي».

ومن بين المتضررين الذين التقيناهم، عباس الطاهري، 56 سنة، الذي ما كدنا نسأله عن أحواله حتى أجاب محتدا: «نحن اعتدنا هذا الوضع في ظل مماطلة السلطات لإيجاد حل لمشكلتنا». وقال إنهم يعيشون سنويا الظروف نفسها مع أمطار الشتاء، حيث تتكرر الأحداث والوقائع، ما إن تهطل الأمطار حتى تتهاوى بيوتهم المتداعية. وزاد الطاهري قائلا: «منذ عام 1996 ونحن نطالب بترحيلنا إلى مكان يضمن سلامتنا ويحمي ممتلكاتنا وماشيتنا، لكن من دون جدوى»، وأوضح أنه فقد هذه السنة منزله وأرضه، مصدر رزقه.

وعلى الرغم من حالة الرضا السائدة في المخيم، فإن معظم النازحين يشتكون وجود نقص في الخدمات الطبية، وقالوا لنا إنهم يضطرون إلى السفر إلى أحد المراكز الصحية البعيدة عنهم لتلقيح أبنائهم على نفقتهم الخاصة.

غير أن الطاقم الطبي الذي التقيناه في المخيم، والذي يتكون من ثلاث وحدات طبية، نفى هذه المزاعم، وأوضحوا بأن معظم التلقيحات والعلاجات الضرورية توجد في المخيم وتقدم مجانا إلى النازحين، باستثناء الحالات الخاصة التي يتم نقلها إلى مستشفى الإدريسي القريب إلى مخيم المنزه لتلقي العلاج الضروري بالمجان.

وتقول مصادر حكومية محلية إنها توفر للفئة التي لم تستطع الحفاظ على ممتلكاتها وجبتين أساسيتين في اليوم، كما توزع على الأسر التي جلبت معها أمتعتها أكياسا وزنها يصل إلى 50 كيلوغراما، تحتوي على مواد غذائية هي الدقيق والسكر والحليب والأرز والفول والزيت، بالإضافة إلى التوابل مع مواد التنظيف.

وحرصا من السلطات على استمرار تعليم أبناء النازحين، تم تخصيص خمس خيام في مخيم المنزه للتعليم بمستوياته جميعها. ولمحاربة البطالة، تم توفير بعض الوظائف اليدوية المؤقتة لتشغيل العاطلين من سكان المخيم في أعمال التنظيف وتوزيع المواد الغذائية على النازحين مقابل تعويض مادي، بالإضافة إلى توفير التلقيح والعلف والكلأ للماشية.

وفي معرض تفسيره للأسباب التي تتسبب في انهيار منازل هؤلاء النازحين، يقول عبد الحميد الصيباري، وهو مهندس معماري يعمل في المنطقة وعضو الهيئة المغربية للمهندسين، إن سبب انهيار المساكن فوق رؤوس أصحابها يرجع في الأساس إلى تقصير في عمل لجنة اليقظة، التي كان من المفترض أن تتشكل من وزارات الداخلية والإسكان والعدل، حيث يفترض أن تحد هذه اللجنة من انتشار السكن العشوائي وبخاصة في الأراضي غير الصالحة للتعمير، نظرا إلى طبيعة تربتها. وقال الصيباري إن الحكومة المغربية أسهمت أيضا في تفاقم الكارثة، لأنه خلال السنة الماضية تم احتواء المشكلة بطريقة ارتجالية ومتعجلة غير مبنية على دراسة شاملة ودقيقة يسهر على تنفيذها مهندسون طبوغرافيون، ومهندسون في المياه والغابات، ورجح أن عدم القيام بذلك مرده إلى أنه قد يتطلب اعتمادات مالية كبيرة. وقال إن المسؤولية تقع على عاتق المجالس البلدية والقروية والوكالات الحضرية.

يشار إلى أن عدد المتضررين في منطقة الغرب وصل إلى 20 ألف متضرر، تعهدت الدولة بتعويضهم، كما بلغت مساحة الأراضي الزراعية التي غمرتها مياه الفيضانات نحو 112 ألف هكتار في المنطقة. وتقول المصادر المحلية إن الخسائر التي تسببت فيها فيضانات هذه السنة وسيولها أسوأ بكثير من حيث الخسائر المادية مقارنة بالسنة الماضية.

وفي انتظار انتهاء موسم الأمطار الحالي، يأمل سكان مخيم المنزه أن تحقق السلطات مطالبهم التي تتكرر كل سنة، وذلك بمساعدتهم على تشييد منازل في قراهم ومداشرهم، تكون قادرة على الصمود في وجه الأمطار، وكذلك أسوار تقيهم فيضانات الأنهار والأودية، في منطقة منبسطة لا توجد فيها تضاريس، وتعتبر من أخصب مناطق المغرب، لكنها أيضا من أكثر المناطق التي تعاني حين تهطل «أمطار الخير والنماء» كما تصفها وسائل الإعلام الرسمية، لكن بالنسبة إلى هؤلاء الذين يعيشون تحت خيام مخيم المنزه لم تجلب لهم خيرا قط.