الصوفية لا تزال تجد متنفسا في باكستان

لاهور تشهد تدافع الآلاف للاحتفال بالرقص ودق الطبول وطهي الطعام

TT

ربما يصاب الذين يعتقدون أن النهج السائد من الإسلام في باكستان هو النهج المتشدد بحالة من الدهشة خلال هذا الاحتفال السنوي للطرق الصوفية. فقد شهدت مدينة لاهور، الواقعة شرق باكستان، هذا الشهر، تدافع آلاف المسلمين الذين قدموا من جميع أنحاء البلاد للاحتفال بمولد شيخ الصوفية، بالرقص ودق الطبول وطهي الطعام.

ربما لا تكون هذه هي الصورة النمطية المرتبطة بأذهان الكثيرين عن باكستان، التي يسيطر إقليمها الحدودي الشمالي الغربي على عناوين الأنباء، لكنها مع ذلك مكون مهم من الصورة التي يمارس بها الإسلام هنا في باكستان، وتقليد يمتد بجذوره إلى ألف عام في جنوب آسيا.

إنها الصوفية، تلك الصورة الروحية من الإسلام التي انتشرت في جنوب آسيا عبر علماء رحالة من شبه الجزيرة العربية نشروا الدين في شرق آسيا وجنوبه، حاملين معهم قيم المساواة التي لاقت قبولا بين هذه المجتمعات الفطرية التي مزقتها الفرقة والفقر. وحتى اليوم لا تمنع النساء من دخول الأضرحة الصوفية.

لكن إذا كانت المسيرات والرقص والغناء ودق الطبول مؤشرا على أمر ما في باكستان فهي مؤشر على أن الصوفية لا تزال تجد أرضا خصبة.

يقول نجيب الله، 36 عاما ويعمل مصرفيا: «القنابل تنفجر من حولنا لكن الناس لا تهرب. فعندما تأتي الاحتفالات يجب على الأفراد الرقص».

قدم أنصار الصوفية من جميع أنحاء باكستان للاحتفال بذكرى الولي علي بن عثمان الحجويري العابد، الذي ولد في القرن الحادي عشر الميلادي والمعروف هنا بمانح الكنوز. ويشير رضا أحمد رومي، الكاتب الباكستاني والخبير في المذاهب الصوفية، إلى أن الحجويري الناسك الذي كان يتكلم الفارسية قدم إلى لاهور مع غزاة آسيا الوسطى، وأقام خارج المدينة على طريق التجارة إلى دلهي، وأنشأ دارا للعبادة وكتب كتابا عن ممارسة الصوفية.

قليلون هنا من كانوا يعرفون هذه الحقائق، لكن ذلك يبدو أنه لم يكن بالأمر المهم. فقد كان الرقص ودق الطبول جزءا من الإيقاع الطبيعي للحياة هنا، الذي تحول بعد ما يقرب من عشرة قرون إلى صورة تتعلق بالموروث أكثر مما تتعلق بالدين.

يقول محمد نديم، عن الاحتفالات، عندما سئل عنها: «إنه عيد للسعادة، فالناس تشعر بالراحة هنا».

خلال مراسم الاحتفال مرت حشود ضخمة من الرجال الذين ساروا حفاة أمام حواجز الشرطة والمتاجر التي تبيع الحلوى والأقمشة، وكانت اللافتات الضوئية تعلن عن بيع الدجاج في الدور الثاني وفي الدور الأرضي وقف أصحاب المكتبة يحملقون في الحشود.

دخل أحد أصحاب المكتبة، في حوار مع أجنبي في باكستان، وقال له: إن الغالبية العظمى من سكان باكستان يتبعون المذهب الصوفي وينبذون العنف الذي يمارسه أنصار المذهب المتشدد من المدرسة الفكرية التي دعمها الجنرال ضياء الحق.

وقد شهد العام الماضي أسوأ الهجمات التي شنها المقاتلون الإسلاميون في باكستان منذ عام 2001 حيث فاقت الخسائر في الأرواح ما كانت عليه في عام 2006. وقال رضوي: «الصوفيون لم ينشروا الإرهاب، فهم أول ضحاياه». وأشار إلى أن العنف لا يدمر باكستان وحدها بل يدمر صورة المسلمين ككل الذين باتوا موضع شكوك في العالم بأسره. وقال: «نحن ندين الإرهاب، لكن لا أحد يستمع لنا». على الرغم من أفكار رضوي المستنيرة فإنه كغالبية الباكستانيين يلقون بمسؤولية العنف عن الهجمات التي تشهدها البلاد إلى قائمة من المتهمين التي يحفظونها عن ظهر قلب: الولايات المتحدة والهند وبريطانيا. فالغرباء هم دائما محط الشكوك للكثير من نظريات المؤامرة الباكستانية لتجنب الحقيقة التي يصعب مواجهتها.

الأسوأ من العنف، كما يقول رضوي، كان ضعف الحكومة التي بدت عاجزة عن إنجاز الكثير من مهامها. ويرى أن الانقلاب العسكري لن يكون الحل، بل إن الحل يكمن في ثورة شعبية كتلك التي وقعت في إيران عام 1979.

لكن في باكستان، حيث تسود الأمية ويحتال القادة للحصول على السلطة أكثر من تكوين رؤية سياسية، فتلك أمنية بعيدة المنال.

وقال: «الجميع هنا هادئون. فهم لا يسمعون لأنهم نيام».

* شارك وقار جيلاني في إعداد التقرير - خدمة (نيويورك تايمز)