مواجهات داخل ساحات الأقصى.. والسلطة الفلسطينية تطلب تدخلا أميركيا فوريا

حماس تنتقد الصمت العربي والإسلامي والدولي

عناصر من الشرطة الإسرائيلية يحاولون منع فلسطينيين من دخول المسجد الأقصى في القدس خلال المواجهات التي اندلعت أمس (رويترز)
TT

شهدت مدينة القدس الشرقية المحتلة أمس مواجهات واسعة في منطقة المسجد الأقصى وضواحيها وبقية أحياء المدينة، بين المواطنين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية، وذلك احتجاجا على اعتداءات المستوطنين، وردا على سلسلة ممارسات لتهويد القدس، في مقدمتها الإعلان عن مشروع لتهويد 331 منطقة جديدة في المدينة. وتم في غضون ذلك اعتقال عشرات المواطنين الفلسطينيين وإصابة نحو عشرين شخصا بجراح.

وكانت هذه الصدامات قد بدأت في ساعات الصباح الباكر، عندما أعلنت مجموعة من المصلين الاعتصام داخل الحرم القدسي الشريف احتجاجا على قرار مجموعة من المستوطنين اليهود الوصول إلى المسجد الأقصى، وعلى قرارات إسرائيلية توسعية لتهويد القدس، كشفها المحامي قيس يوسف ناصر، المحاضر في قانون التنظيم والبناء، الذي قال إنه عثر على وثائق لمشروع تنوي بلدية الاحتلال تنفيذه في شوارع وممرات البلدة القديمة في القدس.

وحسب وثائق المشروع فإن بلدية الاحتلال تنوي تنفيذ أعمال إنشاء في طريق باب العامود وأغلبية شوارع وممرات البلدة القديمة التي يبلغ عددها 361 طريقا وتشغل نحو 85 دونما أي نحو 10% من مجمل مساحة البلدة القديمة.

ويهدف المشروع الذي تحركه بلدية الاحتلال تحت عنوان «تنظيم تجديد وحفظ البلدة القديمة» إلى تنفيذ أعمال إنشاء وتطوير للحفاظ على طابع البلدة القديمة، ويعتمد في الأساس على وثيقة أعدها طاقم تخطيطي من قبل بلدية الاحتلال، وثّق بها كل شارع وممر في البلدة القديمة، وضعه الحالي والإجراءات التي يجب اتخاذها لحفظه كما تزعم بلدية القدس.

ويقول المحامي ناصر إنه «حسب وثائق المشروع فإن أعمال التطوير ستطال أماكن هامة للمسيحيين والمسلمين في البلدة القديمة مثل طريق باب العامود، وسوق خان الزيت، وطريق الواد، وسوق العطارين، وطريق حارة النصارى، وطريق القديس متري، وساحة عمر بن الخطاب، وطريق الآلام، وطريق الرسل، وباب الغوانمة، وعقبة دير الحبشة، وطريق مار مرقص».

ويشتبه الفلسطينيون في الأهداف الحقيقية وراء المشروع، لكون الاحتلال لم ينسق حوله مع أي من الفلسطينيين في البلدة القديمة، كما لم تمنح لسكان وتجار البلدة القديمة أي فرصة للاعتراض على هذه المخططات مع أن تنفيذ هذا المشروع سيغير البلدة القديمة بصورة كاملة، لتصبح بلدة إسرائيلية جديدة.

ويربط الفلسطينيون بين هذا المشروع وسلسلة المشاريع التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية في جلستها قبل أسبوع والتي تقرر فيها حماية وترميم 150 أثرا يهوديا تراثيا، بينها الحرم الإبراهيمي في الخليل وقبر راحيل في بيت لحم (باحة مسجد بلال بن رباح) وأسوار القدس. ورد الفلسطينيون على هذا المشروع بسلسلة مواجهات انتفاضية مع الاحتلال ولكن من دون استخدام السلاح. ورأى الإسرائيليون فيها بداية انتفاضة فلسطينية جديدة «على طريقة (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن ورئيس حكومته سلام فياض».

وردت قوات الاحتلال بشراسة على الاعتصام في الحرم القدسي، أمس، لأنها لا تريد أن تمتد الانتفاضة إليها. فقامت قوات كبيرة من شرطتها باقتحام المسجد الأقصى وإلقاء قنابل صوتية وغازية على المصلين والاعتداء عليهم. وأغلقت أبواب الجامع القبلي المسقوف في المسجد الأقصى على مئات المصلين الموجودين داخله، وفي ما بعد أغلقت جميع أبواب المسجد الأقصى ومنعت الدخول إليه. وتمكن المستوطنون في ظل محاصرة الفلسطينيين من دخول باحة الأقصى كما خططوا.

ودعا رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري الدول العربية والإسلامية عشية انعقاد مؤتمر القمة العربية في طرابلس، إلى تحمل مسؤوليتها تجاه القدس والأقصى، ووضعه على جدول أعمالها دفاعا عن القدس والمقدسات فيها وإنهاء الاحتلال.

وأعلن العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أمس، أن حكومة بنيامين نتنياهو تستغل الصمت الدولي على جرائمها المتشعبة ضد الشعب الفلسطيني لتصعد جرائمها في القدس المحتلة، وفي سائر أنحاء الضفة الغربية المحتلة، ولتواصل حصارها التجويعي ضد قطاع غزة بأسره.

وقال بركة في بيان لوسائل الإعلام ردا على جرائم القوات الإسرائيلية، واقتحامها الحرم القدسي الشريف، إن حكومة نتنياهو «تعتبر الصمت الدولي ضوءا أخضر لاستمرار جرائمها، فهي تنتهك المقدسات الإسلامية والمسيحية دون توقف، وجريمتها اليوم في الحرم القدسي الشريف ليست الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، إلا أن شعبنا عرف دائما كيف يصد الاعتداء».

وتابع بركة قائلا إن «حكومة نتنياهو تمتهن اللعب بالنار وهي تقود المنطقة بأسرها نحو تفجير قد نعرف متى وكيف بدأ ولكن من الصعب معرفة كيف ومتى سينتهي، ففي الأيام الأخيرة تشن هجمات متواصلة على الخليل والحرم الإبراهيمي الشريف، وهي اليوم تستأنف عدوانها الإجرامي على الحرم القدسي الشريف». ودعا بركة العالم «المنخرس» للضغط على إسرائيل لوقف «نزيف الدم الفلسطيني»، كما دعا إلى «أوسع وحدة صف فلسطينية للتصدي لجرائم الاحتلال».

وفي سياق ذلك، أحبط مرابطون في المسجد الأقصى خططا للمتطرفين اليهود لاقتحام المسجد، مستغلين عيد المساخر اليهودي (بوريم). واندلعت مواجهات على نطاق واسع داخل ساحات الأقصى وفي شوارع البلدة القديمة في القدس، انتهت بإصابة 16 فلسطينيا واعتقال البعض، وإصابة 4 من رجال الشرطة الإسرائيلية. وتفجرت المواجهات بعدما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية ساحة المسجد الأقصى، وحاصرته، وأغلقت جميع أبوابه، وطالبت المعتكفين بداخله بالخروج وتسليم أنفسهم.

وقالت الشرطة الإسرائيلية إنها اقتحمت ساحة الأقصى بعدما تعرضت وسياح كانوا يزورون المكان لحجارة الفلسطينيين.

وادّعى الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية شمويل بن روبي أن الشرطة اقتحمت ساحة المسجد الأقصى عندما رشق نحو 30 فلسطينيا الشرطة والسياح بالحجارة واحتموا داخل المسجد.

لكن الشيخ عزام الخطيب، مدير الأوقاف الإسلامية في القدس، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المعتكفين أمضوا ليلة السبت في المسجد بعد أن هدد المتطرفون باقتحامه، ونفى أن يكون أحد من المعتكفين هاجم الشرطة الإسرائيلية من داخل ساحات الأقصى.

وزاد من حدة التوتر سماح الشرطة الإسرائيلية بدخول السياح إلى الأقصى، وقال الخطيب إنهم أدخلوا أكثر من ألف سائح كان بينهم بعض المستوطنين.

وحذر الخطيب من محاولة اقتحام الأقصى، في أي وقت، وقال إنه لا يتوقع أن يقدم المستوطنون على حماقة اقتحام الأقصى «لأن الجميع هنا بالمرصاد».

وامتدت المواجهات أمس، إلى باب العامود وباب حطة ووسط البلدة القديمة، بعد إطلاق استغاثات من داخل الأقصى، إلا أنها انتهت بانسحاب الشرطة الإسرائيلية من ساحات الأقصى، وفتح ثلاث من بوابات المسجد: باب المجلس، وباب السلسلة، وباب حطة. وفرضت الشرطة الإسرائيلية طوقا مشددا حول البلدة القديمة، ومنعت كل من هم تحت سن الـ50 عاما من دخول الأقصى.

وقالت الشرطة إنه لا يُسمح إلا للرجال في سن الـ50 وما فوق من حملة بطاقات الهوية الزرقاء بدخول الحرم، كما يسمح للزوار والسياح بدخول الحرم القدسي. ودعا الشيخ محمد حسين مفتى القدس والديار الفلسطينية، وخطيب المسجد الأقصى، منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عقد اجتماع عاجل لبحث الأوضاع في مدينة القدس. وقال حسين في بيان: «سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترعى الجماعات المتطرفة التي تعيث فسادا في الأراضي الفلسطينية، وهي تتحمل المسؤولية عن عواقب اقتحامها لباحات المسجد الأقصى المبارك الذي يتزامن مع دعوات جماعات يهودية متطرفة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك لإقامة شعائر وطقوس تلمودية في باحاته». وأضاف: «هذا الاعتداء هو استمرار لنهج سلطات الاحتلال بتهويد المقدسات الإسلامية التي كان آخرها ضم كل من المسجد الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي».

وطلبت السلطة الفلسطينية من الإدراة الأميركية التدخل السريع لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية.

وقال رئيس دائرة شؤون المفاوضات، صائب عريقات: «اتصلت اليوم مع الإدارة الأميركية وطلبت تدخلا أميركيا عاجلا من أجل إلزام إسرائيل وقف اعتداءاتها في المسجد الأقصى، وضد المقدسات الإسلامية في الحرم الإبراهيمي في الخليل، ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم، والتوسع الاستيطاني في القدس وعموم الأرض الفلسطينية».

وأدان عريقات إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتهم تجاه المواطنين الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس، محمّلا إسرائيل مسؤولية ونتائج وتبعات هذه الاعتداءات، واتهم عريقات إسرائيل بأنها تقوم بهذه الاعتداءات ضمن خطة إسرائيلية لتدمير أي فرصة لعملية السلام في المنطقة.

ومن جهتها، قالت حركة حماس إن «العدوان (على الأقصى) يأتي من أجل فرض السيطرة اليهودية على القدس والمسجد الأقصى المبارك، تمهيدا لقيام دولة يهودية عنصرية متطرفة، هي الأكثر خطرا على أهلنا ومقدساتنا».

وانتقد فوزي برهوم المتحدث باسم حماس «استمرار الصمت العربي والإسلامي والدولي على ما يجري من تهويد وتدمير للقدس والمسجد الأقصى المبارك»، كما انتقد «غياب النصرة الحقيقية للشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته».

ودعا برهوم المجتمع الدولي وصناع القرار الإقليمي إلى «مساندة الشعب الفلسطيني، والوقوف عند مسؤولياتهم تجاه لجم العدوان وحماية المقدسات». وجددت حماس الدعوة إلى «استمرار الانتفاضة وحالة الغضب التي بدأت في الخليل والقدس وعلى الأرض الفلسطينية»، ودعت الحركة إلى «هبّة جماهيرية شعبية عربية وإسلامية تتوازى مع هذه الجريمة الصهيونية النكراء».

وجاءت المواجهات في القدس أمس، بعد أيام من مواجهات مشابهة في الخليل احتجاجا على ضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة التراث اليهودي. ونظم مستوطنون من سكان الحي اليهودي وسط الخليل مظاهرة أمس نحو الحرم الإبراهيمي وهم سكارى.

وقالت صحافية «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، «إن المستوطنين كانوا يهتفون: في عيد البوريم ستسقط الخليل في أيدينا». وحسب الصحيفة الإسرائيلية ذاتها فإن المستوطنين كانوا يمشون في المسيرة وهم يحتسون النبيذ فيما تقوم الشرطة الإسرائيلية بحمايتهم.

وقررت الحكومة الفلسطينية عقد جلستها الأسبوعية اليوم في الخليل، في رسالة تؤكد السيادة الفلسطينية على المدينة، ورفض ضم المقدسات الإسلامية إلى قائمة التراث اليهودي.

وقال أمين عام مجلس الوزراء، نعيم أبو الحمص، إن المجلس سيعقد جلسته الأسبوعية الاثنين، في مدينة الخليل «للتعبير عن رفضه تهويد المواقع التراثية والدينية الفلسطينية، وليعبّر لأبناء شعبنا عن وقوفه الكامل إلى جانبهم، للتصدي لمخططات تهويد المواقع الأثرية والمقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية، خلافا للقانون الدولي».