زلزال تشيلي يشرد مليوني شخص ويسبب تسونامي في المحيط الهادئ

سانتياغو تتردد في قبول المساعدات الدولية.. والخسائر 15 - 30 مليار دولار

رئيسة تشيلي باشليه تتفقد من على متن طائرة آثار الزلزال (إ.ب.أ)
TT

ضربت أمواج تسونامي منطقة المحيط الهادئ أمس مما أجبر مئات آلاف الأشخاص إلى الفرار إلى مناطق مرتفعة، وذلك بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تشيلي وأسفر عن سقوط 700 قتيل على الأقل ونحو مليوني مشرد وتدمير مبان وجسور وطرق. وصرحت الرئيسة ميشال باشليه أن أكثر من مليوني شخص في تشيلي تأثروا بالزلزال الذي بلغت قوته 8.8.

وواصل عمال الإنقاذ أمس البحث عن الناجين بعد أن ضربت عشرات الهزات الارتدادية مدينة كونسبسيون الرئيسية قرب موقع الهزة، إلا أن آثار الزلزال الهائل الذي يعد واحدا من أقوى عشرة زلازل تسجل خلال القرن الماضي، انتشرت إلى مناطق أوسع. فقد ضربت أمواج بارتفاع مترين سواحل تشيلي وأدّت إلى انجراف القوارب إلى داخل المدينة قرب كونسبسيون. وأدى تسونامي إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل وفقدان 11 آخرين في جزر روبنسون كروزو النائية قبل أن تمتد عبر المحيط الهادئ إلى هاواي وبولينيزيا وغيرهما.

وأعلنت حالة التأهب في نحو 50 بلدا ومنطقة على طول السواحل من نيوزيلاند إلى اليابان بعد خمس سنوات من التسونامي المدمر الذي وقع في المحيط الهندي وأدى إلى مقتل أكثر من 220 ألف شخص. وأمرت اليابان أكثر من 320 ألف شخص بمغادرة الساحل الشرقي بعد أن ارتفعت الأمواج نحو 1.2 متر وضربت الشواطئ أمس، وأغرقت المياه ميناء نيمورو. وحذر رئيس الوزراء يوكيو هاتوياما في كلمة للشعب: «الرجاء أن لا تقتربوا من أي من الشواطئ». إلا أنه عند وصول الأمواج إلى روسيا وأستراليا، كانت قوتها قد خفّت، وألغت الحكومة الأميركية التحذير من حدوث تسونامي في الدول كافة الواقعة على المحيط الهادئ.

وفي مدينة كونسبسيون بوسط تشيلي، أعلنت رئيسة بلدية المدينة جاكلين فيان ريسلبرغي أن ما لا يقل عن مائة شخص كانوا أمس عالقين داخل مبنى من 14 طابقا انهار بسبب الزلزال الذي ضرب البلاد أول من أمس. وفي المدينة نفسها قال تلفزيون محلي إن المتاجر تعرضت للنهب. وعرض التلفزيون صورا لأشخاص يحملون صناديق من الطعام وغسالات ملابس وتلفزيونات بلازما من متاجر في مدينة كونسبسيون قبل أن تتدخل الشرطة. وقالت امرأة للصحافيين: «يجب أن نحصل على شيء نأكله». وانتشرت الشرطة لمنع المئات من نهب مخزنين في المدينة.

وبعد جولة على أكثر الأماكن تضررا في البلاد، قالت الرئيسة باشليه في كلمة للشعب إنها تجد صعوبة في وصف حجم الكارثة. وقالت في الكلمة إن «قوة الطبيعة ضربت بلادنا مرة أخرى»، معلنة ستا من مناطق تشيلي الـ15 «مناطق كوارث».

وتحطمت الطرق السريعة ودُمرت الجسور وانهارت المباني جراء الزلزال الذي وقع قبل الفجر. وقال وزير الداخلية إدموندو بيريز يوما: «هذه كارثة كبيرة ولذلك سيكون من الصعب إعطاء أرقام دقيقة». وقدر مسؤولون عدد المنازل التي تضررت أو دُمرت بنحو 1.5 مليون منزل. وفي سانتياغو على بعد نحو 325 كلم شمال غرب مركز الزلزال، كان بعض الناس لا يزالون في النوادي الليلية والحانات عندما وقع الزلزال بعد الساعة الثالثة صباحا بالتوقيت المحلي مما أغرق البلاد في شبه ظلام مع انقطاع الكهرباء والاتصالات وانهيار الأسقف. وأغلق مطار سانتياغو.

وقال سيباستيان (22 عاما) وهو يقف أمام منزله شرقي سانتياغو: «لقد كانت هذه أسوأ تجربة في حياتي». وقالت مارين أندريا جيميز الخبيرة الأميركية التي تعمل لصالح الأمم المتحدة والمقيمة في سانتياغو: «قال لي الأصدقاء الذين كانوا في النوادي إن حالة من الفوضى عمّت المكان». وبقيت شبكة الإنترنت المنفذ الوحيد للكثير من الأشخاص الذين لم تنقطع عنهم الكهرباء، وانتشرت أخبار وصور الزلزال عبر موقعَي «تويتر» و«فيس بوك».

وفي كوريكو على بعد 250 كلم شمال مركز الزلزال، دمر الزلزال نحو 90 في المائة من مركز المدينة التاريخية، حسبما أفادت إذاعة مارسيلو المحلية التي تبث في الهواء الطلق من طرف الساحة المركزية قرب مولد كهربائي بعد أن تضرر مقرها في المدينة التي يبلغ تعدادها مائة ألف نسمة وحُرمت التيار الكهربائي.

من جانبها، أكدت السلطة الفلسطينية أمس تضامنها مع تشيلي حيث تعيش جالية فلسطينية كبيرة. وذكر صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين أن الرئيس محمود عباس قال في رسالة بعثها: «أكدنا للرئيسة باشليه أن الشعبين التشيلي والفلسطيني متحدان من خلال الأخوة والتضامن». وأضاف: «نعلم من تاريخنا معنى المآسي». وذكر عريقات أن أكبر جالية فلسطينية خارج العالم العربي تقيم في تشيلي وعددها 300 ألف شخص في مدينتي سانتياغو وكونسبسيون.

وعرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعدد من الدول المساعدة على تشيلي التي تلقت كذلك تأكيدات بالدعم من كبرى المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن «المؤشرات الأولية تشير إلى أن مئات الأشخاص لقوا حتفهم في تشيلي كما أن الأضرار جسيمة. ونيابة عن الشعب الأميركي أرسل أنا وميشيل تعازينا الحارة إلى الشعب التشيلي». إلا أن وزير خارجية تشيلي ماريانو فيرنانديز طلب من الدول التي عرضت المساعدة الانتظار حتى تجري السلطات تقييما للاحتياجات الضرورية. وقال إن تشيلي لا تريد «أن تشتت المساعدات الانتباه من أي مكان» عن أعمال الإغاثة، مضيفا أن «أي مساعدات تصل دون أن تكون ضرورية لن تساعد كثيرا».

وعلى عكس هايتي التي دمرها زلزال تبلغ قوته 7 درجات في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي وقتل فيه 217 ألف شخص، تعد تشيلي واحدة من أغنى دول أميركا اللاتينية، ويرجح أن تبلغ القيمة الإجمالية للأضرار الاقتصادية ما بين 15 و30 مليار دولار، حسبما توقعت شركة «أكيكات» الأميركية لتقييم المخاطر. ويشكل هذا 10 - 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في تشيلي. وتقع تشيلي في واحدة من أنشط المناطق الزلزالية في العالم، على نقطة التقاء طبقتين تكتونيتين كبريين. وفي تشيلي سُجّل أقوى زلزال في التاريخ بلغت شدته 9.5 درجة في 22 مايو (أيار) 1960.