الوجه الآخر للهند المزدهرة تكنولوجيا واقتصاديا

الجوع يحصد 5 آلاف حالة وفاة يوميا.. والفقر يدفع البعض للانتحار جماعيا

TT

فقدت فارانازي جاهارونيسا أختار، قبل أشهر، ولدها الوحيد نتيجة الجوع. فقد توفي خوسبودين، ذو الأربعة أعوام، بسبب سوء التغذية، إذ صار هزيلا، وبلغ وزنه عند وفاته 6.5 كيلوغرام. وتقول الأم المكلومة: «مات بسبب سوء التغذية. لم أتمكن من توفير الطعام والدواء له. إن ألم فقدان طفل بسبب نقص المال لتوفير الطعام له أمر لا يحتمل».

وعلى بعد كيلومترات قليلة من قرية فارانازاي، يصارع الطفل شاميم البالغ من العمر ستة أعوام سوء التغذية هو الآخر، وتقول أمه زهرة: «إن سوء التغذية تسبب في إصابته بالسل والفشل الكلوي. أطرافه ووجهه ينتفخان، ويتنفس بصعوبة».

مولي كاجور (30 عاما)، التي لا تجد سوى اليقطين المر لتقتات منه هي وأولادها الثلاثة، تتمكن بالكاد من النهوض من سريرها لإطعام أبنائها الذين يعانون الجوع الشديد. وتقول: «إن طعمه سيئ ومر جدا. لكن هذه هي الطريقة الوحيدة كي أظل أنا وأولادي أحياء».

وتتكرر القصة أيضا في أماكن أخرى، فعلى بعد ألف كيلومتر في ولاية أوريسا، شاهد الطفل رام براساد باريها أمه وأخاه وأخته يموتون خلال شهر واحد، وتبعهم أبوه بشهر واحد. وكانت جدته قد توفيت قبل ثلاثة أشهر. وفي منطقة بنغالي في ولاية أوريسا توفي ما لا يقل عن 50 شخصا تتراوح أعمارهم بين 35 و40 عاما نتيجة الجوع وسوء التغذية على فترات طويلة. ويقول مستشار الولاية في «لجنة الحق في الطعام» التي أنشأتها المحكمة العليا في تقريره: «إن عدم الحصول على وجبات طعام كافية يتسبب في حدوث الكثير من الوفيات».

وعلى الرغم من أن أعدادا كبيرة من الهنود يتسيدون قطاع التكنولوجيا الرقمية، ويستفيدون من النشاطات الاقتصادية الجديدة، ويغذون صفوف المليونيرات والمليارديرات، فإنه وسط هذا الكم من الثروات المتراكمة داخل الهند، توجد هند أخرى يموت أبناؤها من الجوع وسوء التغذية، حيث يحصد الفقر المدقع وسوء التغذية أرواح كثير من الأطفال الهنود نتيجة تخلي الدولة عن أطفال مثل شاميم. وتعتبر معدلات سوء التغذية في الهند اليوم أكثر ارتفاعا منها في دولة جنوب الصحراء الكبرى.

وتشير الإحصاءات إلى وقوع ما يقرب من 5000 حالة وفاة يوميا في الهند نتيجة الجوع، ويزداد الوضع سوءا في 12 ولاية ترتفع فيها مستويات الجوع إلى حد يثير القلق. ووجد تحقيق آخر أعدته المحكمة العليا، العام الماضي، أن ما لا يقل عن 700 عامل من عمال زراعة الشاي توفوا نتيجة الأمراض المتعلقة بسوء التغذية في ولاية البنغال الغربية في أعقاب إغلاق مصنع الشاي، حيث أدى ضعف الإنتاج وضعف المحصول إلى إغلاق 16 مصنعا في منطقة جالباجوري النائية في ولاية البنغال الغربية المجاورة لمملكة بوتان تاركة عمال زراعة الشاي من دون مصدر دخل. ووجدت التحقيقات التي أجرتها المحكمة العليا واتحادات عمال الشاي أن ذلك أدى بصورة مباشرة إلى حالات الوفاة التي وقعت بينهم.

ويقول التقرير، الذي نشر العام الماضي كجزء من المؤشر العالمي للجوع، إن الهند تزرع ما يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. لكن السيئ في الأمر أنها تشكل أضخم تجمع للجياع في العالم، حيث يعاني ما يقرب من 300 مليون هندي من الجوع، وهو ما يفوق عدد سكان عدد من الدول مجتمعة. وقد واجهت الهند خسائر كبيرة في المحاصيل العام الماضي نتيجة الفيضانات والجفاف. وفي حادث أثار ذهول الكثيرين قام ما لا يقل عن 1500 مزارع بعمليات انتحار جماعي.

كانت الأمطار الغزيرة قد ضربت ولاية تشاتيسغار الزراعية ودفعت بالكثير من الفلاحين إلى الانتحار بعد أن تكالبت عليهم الديون نتيجة خسارة محاصيلهم. كان بيتوارم ساهو، الذي يمتلك فدانين من الأرض، من بين الذين أقدموا على الانتحار بعد أن تراكمت عليه الديون. وعلى الرغم من أن محصوله على وشك الحصاد، فإن ابنه لم يجد سوى أن يعمل عاملا يدويا، وستضطر عائلته إلى دفع 400 دولار، مع أن المحصول رديء جدا. ويقول ابنه: «ذلك هو السبب وراء انتحار لاخنو، حتى قبل أن يحصد محصوله، فلم يتبق شيء كي نحصده هذه المرة، وقد أصيب بحالة من اليأس، لأنه لن يتمكن من تسديد دينه».

حالة لاخنو ليست الوحيدة، إذ يعاني الملايين من الفلاحين في الهند من ضغوط كثيفة. فخلال الأعوام الاثني عشر الماضية أقدم 200 ألف فلاح على الانتحار في خمس من الولايات الكبرى هي: مهاراشترا، وآندر باراديش، وماذيا باراديش، وتشاتيسغار، وذلك في الفترة من عام 1997 إلى 2008.

ويقول البروفيسور بابو ماثيو مدير مؤسسة «أكشن أيد إنديا»: «الجانب المظلم للنمو الاقتصادي في الهند يتمثل في تعرض الطبقة المهمشة إلى المزيد من التهميش، مما زاد من أمراض الجوع وسوء التغذية والوفاة بسبب المجاعة». والمثير للدهشة أن الهند مصنفة من بين الدول الثلاث الأولى في مجال الضمان الاجتماعي، إذا تمتلك أفضل تشريعات بين الدول النامية في مجال التغذية، ووجبات الدراسة المجانية، وضمان التوظيف، وإعانات الغذاء للفقراء، والمعاشات.

وقال عمار جوتي رئيس حقوق الغذاء في مؤسسة «أكشن أيد إنديا»: «لا يزال تطبيق هذه التشريعات تحديا كبيرا في ظل غياب الاعتراف بحقوق الفقراء. يجب أن تطبق هذه التشريعات على الأرض عبر تمكين المجتمعات، وتنفيذها بإرادة سياسية أكبر من قبل الحكومة».