عمر كوندي من طبيب نابه إلى قلب «القاعدة»

الفقر والمستقبل المظلم يدفعان الشباب الباكستاني للانضمام إلى التنظيمات الجهادية

أحد ضباط الأمن الباكستانيين يتفحص ركاب حافلة في مدينة لاهور بحثا عن مشبوهين (نيويورك تايمز)
TT

كان عمر كوندي مفخرة والديه، فهو شاب طموح من مدينة صغيرة، تركها وانتقل إلى المدينة الكبيرة لدراسة الطب. وبدا أن حكايته ستكون قصة نجاح شاب من الطبقة الوسطى، حيث إنه والده عامل تليفونات بسيط.

ولكن، سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ، وفي داخل الحرم الجامعي سقط كوندي في يد تنظيم إسلامي متشدد. وعلى الرغم من حصوله على درجة عملية، فإنه لم يتمكن من الحصول على عمل، وانضم إلى العدد الكبير من الشباب في المناطق الريفية الذين يبحثون عن عمل. وساعد المنحى الراديكالي المبكر الذي اتبعه على تحول طموحاته إلى اتجاه أكثر سوءا.

وبدلا من علاج المرضى، مضى كوندي ليصبح أحد أمهر المسلحين داخل باكستان. وعمل تحت أحد عناصر تنظيم القاعدة، وكان جزءا من شبكة نفذت بعض من الهجمات الأكثر جرأة ضد الدولة الباكستانية وشعبها العام الماضي، حسب ما تقوله الشرطة. وانتهت أشهر من التعقب في 19 فبراير (شباط)، عندما قتل خلال تبادل إطلاق نيران مع الشرطة، ليموت عن 29 عاما.

ويمثل كوندي مع العناصر المحيطة به، وهم مسلحون متعلمون جاءوا من قاع الطبقة الوسطى، جزءا من جيل جعل من الشبكات المسلحة داخل باكستان أكثر تطورا وقدرة على القتل.

ويقول مسؤول بارز في شرطة إقليم البنجاب: «هؤلاء الفتية الذين يستخدمون خرائط (غوغل) للتخطيط لهجمات. لديهم تدريب أفضل من أكاديمية الشرطة الوطنية لدينا».

وكما هو الحال مع كوندي، بلغ الكثيرون منهم سن البلوغ في التسعينات، عندما كان الجهاد سياسة دولة يهدف إلى مواجهة السيطرة الهندية داخل كشمير، وكانت التنظيمات الجهادية تقوم بتجنيد أفراد في العلن داخل الجامعات. وتحت تأثير «القاعدة»، تحولت طاقاتهم إلى الداخل لتستخدم ضد الحكومة الباكستانية نفسها، والشعب الباكستاني.

ويقول طارق برويز، مدير هيئة مكافحة الإرهاب الوطنية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد: «يعد الموقف حاليا مربكا نوعا ما، فلم يعد في استطاعتنا الحديث من ناحية التنظيمات، فالأمر حاليا مرتبط بمسلحين متشابهين في الأفكار».

وقد كانت النتيجة صعبة، ففي عام 2009 تمكن المسلحون من قتل 3021 باكستانيا، ويزيد هذا الرقم بمقدار ثلاثة أمثال بالمقارنة بالعدد الذي قتل خلال 2006.

وتتوازى رحلة كوندي والطريقة التي غيّر بها اتجاهه مع تاريخ باكستان الحديث. وُلد كوندي لأبوين من البشتون، وترعرع في مدينة صغيرة جنوب غرب البنجاب. وكان دخل أبيه الشهري يبلغ 255 دولارا، ويعني ذلك أنهم كانوا في أسفل الطبقة الوسطى الباكستانية. وكانت اللحوم بالنسبة إلى العائلة من الرفاهية، ولم يتمكن والده من زيارته في كلية الطب سوى مرة واحدة فقط.

وجلب كوندي هذا الماضي معه إلى الكلية في فيصل آباد، ثالثة كبرى المدن الباكستانية. وكانت قد انتشرت في المدينة الكثير من عناصر الحداثة، مثل الازدحام المروري والمطاعم المترفة والنساء المتبرجات. ويقول معز الدين شيخ، عميد جامعة البنجاب في لاهور، ثانية كبرى المدن الباكستانية، إنه بالنسبة إلى الشباب القادمين من المدن الصغيرة الذين لم يألفوا حياة المدينة، يؤدي هذا المناخ إلى تبنيهم موقفا دفاعيا متزمتا.

ولتلطيف ذلك، ينضم الطلاب إلى التنظيمات الطلابية، التي هي مثل عصابات قوية داخل المدينة تساعدهم على الحياة، وتعرفهم كيف يستخدمون مصرفا، وأي المساجد يصلون فيها، كما توفر لهم الحماية.

وعندما وصل كوندي إلى كلية طب البنجاب في نهاية التسعينات، اختار مجموعة ذات توجه إسلامي، وذلك حسب ما يقوله صديق وزميل في الدراسة، طلب ذكر اسمه الأول، محمد، فقط لأنه يخشى من أن تكون له علاقة مع المسلحين. وكان ذلك خيارا نمطيا بالنسبة إلى الطلاب الذين ينتمون إلى عائلات تتسم بالورع، يريدون من أبنائهم البقاء خارج المشكلات في المدينة. وكانت حركة عسكر طيبة تدير جمعيات خيرية ودروس الذكر، وعرضت تدريب الناس على الجهاد في كشمير. وراق نهج «عسكر طيبة»، الذي يجمع بين المغامرة والوطنية، الشباب الطائش، وكان لديها مكتب داخل الحرم الجامعي: الغرفة 12 دي.

وكانت هذه التنظيمات الجهادية جزءا من الاتجاه الشائع داخل المجتمع في باكستان خلال الثمانينات، عندما كانت الولايات المتحدة تمول راديكاليين إسلاميين يقاتلون السوفيات في أفغانستان. وعندما مكَّن جنرال باكستاني تدعمه أميركا، وهو محمد ضياء الحق، لرجال دين متشددين وقام بنشر تعاليم الإسلام في الكتب الدراسية.

وبنهاية 1990، كان المجندون في الجهاد داخل كشمير يقيمون فعاليات علنية في الحرم الجامعي. وبعد 2001، اتجهت «عسكر طيبة» إلى العمل السري، ولكنها استمرت في العمل من خلال جناح خيري. ويقول مسؤولون أميركيون وهنود وباكستانيون إنها قامت بتنفيذ هجمات ضد فنادق وغيرها من المعالم البارزة في مدينة مومباي الهندية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008.

وانغمس كوندي في أنشطة «عسكر طيبة»، وكان يعمل خلال فصول الصيف داخل عيادة عيون في كشمير، حسب ما يقوله صديقه محمد. وكان ينظم جلسات لقراءة القرآن، وكوّن علاقات قوية مع الزعيم الروحي للتنظيم حافظ محمد سعيد.

وعلى الرغم من حماسه للجهاد، كان ذلك وقتا هادئا نسبيا في باكستان، فقد ولت الحرب ضد السوفيات منذ وقت طويل، وكانت معظم التنظيمات الجهادية تبعد عن مسارها. ولكن تغير ذلك كله عندما قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان في 2001، لتستثير الجهاديين الشباب داخل باكستان الذين يرون فيها حربا ضد المسلمين.

ويقول مسؤول أمني في كراتشي: «كانت هذه هي البداية، وتحولوا عن أهداف محلية صغيرة إلى هدف أكبر، هو الولايات المتحدة».

وعندما جاء تنظيم القاعدة إلى باكستان، لم يضطر كوندي إلى الذهاب بعيدا للعثور عليه. وكان الغزو الأميركي قد دفع الكثير من قياداته عبر الحدود، ومن بينهم أبو زبيدة، أحد أفراد الدائرة المحيطة بأسامة بن لادن. وفي عام 2002، ظهر داخل مستشفى في فيصل آباد، كان يعمل فيها كوندي. وكان أبو زبيدة يسعى للحصول على العلاج وكان ينتقد الحكومة الباكستانية لدعمها الولايات المتحدة. ويقول محمد: «كان الأطباء كافة داخل المستشفى ضد الحكومة، وكانوا يرون أبو زبيدة بطلا للمسلمين». وبدت أنشطة «عسكر طيبة» في هذه الآونة محدودة، وموالية للحكومة بصورة مخجلة. وبدا أن هناك خلافا بين كوندي وسعيد، زعيم التنظيم، وتجادل معه علنا عن رسالة «عسكر طيبة»، وقال إن الولايات المتحدة تقتل المسلمين، ولا تقوم «عسكر طيبة» بأي شيء من أجلهم.

وتصادف شعوره بالإحباط مع اكتشاف مرير. لم يستطع أبوه، الذي كان قد تقاعد، الإنفاق مقابل تعليمه في الدراسات العليا. ومن دون تخصص في شيء محدد، كان أمام كوندي العمل في مستشفى عام مقابل أقل من 100 دولار في الشهر.

ومن المعرف أن التنظيمات المسلحة تحتوي على هياكل تنظيمية محددة، ولكن في باكستان بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تلاشت هذه الخطوط. وانقسمت التنظيمات التي كانت تعمل في باكستان خلال التسعينات، وتنازعتها الخلافات حول الكثير من الأشياء منها حتمية الهجوم على الدولة الباكستانية.

وحسب ما تفيد به تحقيقات الشرطة، كان كوندي ضمن ثمانية جهاديين يعملون تحت رجل يدعى شيخ عيسى المصري. وجميعهم ولدوا في وقت قريب من عام 1980، وانضموا إلى الجهاد بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

* خدمة «نيويورك تايمز»