«بريديتور» تهدد «إف 16»

طائرة دون طيار تثير جدلا حول مستقبل السلاح الجوي الأميركي

TT

بسبب نجاح طائرات «بريديتور» (دون طيار) وصواريخ «هيل فايار» (نار الجحيم) في أفغانستان وباكستان، يدور نقاش وسط كبار المسؤولين والخبراء العسكريين عن تأثير ذلك على السلاح الجوى الأميركي العملاق الذي ظل السلاح الأساسي في الحروب الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية.

وأمس نشرت صحيفة «واشنطن بوست» قول مستشار في مكتب الجنرال نورتون شوارتز، قائد السلاح الجوي: «هل تحتاج الولايات المتحدة إلى سلاح جوي مستقل؟ لأول مرة منذ تأسيس السلاح الجوى الأميركي قبل 62 سنة، لا توجد إجابة محددة لهذا السؤال».

وقال مراقبون في واشنطن إن جزءا من النقاش صار شخصيا، ويدور حول الجنرال شوارتز نفسه، وهو استمرار لنقاش بدأ قبل سنة ونصف سنة، عندما اختاره روبرت غيتس، وزير الدفاع. في ذلك الوقت قال خبراء عسكريون ومسؤولون عسكريون طلبوا عدم نشر أسمائهم، إن الجنرال شوارتز كان قائد طائرات شحن عسكرية، ولم يكن قائد طائرات مقاتلة، وإن هذا اثر على دعمه للطائرات المقاتلة والمهاجمة، وللطيارين الذين يقودونها. هذا بالإضافة إلى نقد آخر، وهو أن الجنرال لم يرتَح إلى ما يسمى «الطبقية العسكرية» التي جعلت من قائدي الطائرات المقاتلة والمهاجمة نخبة مميزة وسط بقية الضباط العسكريين.

وبعد نجاح عمليات «بريديتور» في أفغانستان وباكستان، بدأت احتجاجات من الطيارين العسكريين الذين يوجهون هذه الطائرات من قواعد عسكرية في الولايات المتحدة، وخصوصا من قاعدتين، واحدة في ولاية كاليفورنيا، والثانية في ولاية نيفادا.

واحد من هؤلاء، الكولونيل لوثر تيرنر الذي تقاعد مؤخرا، قال: «إنهم لا يحترموننا لأننا نجلس على مقاعد وثيرة وأمامنا شاشات تلفزيون ونوجه طائرات تطير على بعد سبعة آلاف ميل. لكننا نقوم بأعمال فعالة، وخلال السنوات القليلة الماضية تأكدت لكل العالم فعالية ما نقوم به».

وأشار تيرنر إلى أنه في سنة 2004، عندما فشلت طائرات السلاح الجوى الأميركي في العراق في قتل أبو مصعب الزرقاوي، من قادة تنظيم القاعدة هناك، تولت طائرات «بريديتور» البحث عنه. وبعد 630 ساعة من البحث عنه وجدته، وأبلغت السلاح الجوي، وخلال دقائق انطلقت طائرة «إف 16» وأسقطت قنبلة وزنها 500 رطل ووجهتها بأشعة «ليزر» نحو الزرقاوي، وقتلته.

ومؤخرا قال تيرنر: «كافأوا قائد (إف 16) بميدالية، وأرسلوا خطاب شكر إلى الذين كانوا يوجهون طائرات (بريديتور)».

غير أن اختيار الجنرال شوارتز قائدا للسلاح الجوي جاء في مصلحة الذين يوجهون طائرات «بريديتور»، ولكن انتقده قائدو الطائرات المقاتلة والمهاجمة.

وقال الميجور جنرال مارك غيبسون، مساعد الجنرال شوارتز، ومسؤول تدريب الطيارين: «كانت مشكلة حسابية: كم طيارا في هذا القسم، وكم طيارا في ذلك القسم؟ ثم صارت مشكلة فلسفية: هل هذا القسم أحسن من ذلك؟ لهذا، نحن الآن نناقش إمكانية تأسيس قسم جديد للطيارين العسكريين الذي لا يقاتلون في أرض المعركة».

وصار واضحا أن غيبسون يميل نحو تخفيض أهمية الطيارين الذين يقودون طائرات مقاتلة وهجومية، لكن لا يزال عدد هؤلاء أكثر كثيرا. واليوم في البنتاغون يوجد عشرة يشرفون على طياري «بريديتور»، مقابل مائة يشرفون على طياري الطائرات المقاتلة والمهاجمة.

لكن يستمر تركيز البنتاغون، تحت إشراف وزير الدفاع غيتس، على طائرات «بريديتور»، وعلى صناعة الجيل الثاني منها.

في السنة الماضية، نشرت مجلة «إيرفورس»، الناطقة بلسان السلاح الجوى، أن الجيل الثاني سوف يشمل طائرات دون طيار تحمل معدات ومؤنا، وتنقلها إلى قواعد حول العالم. هذا بالإضافة إلى زيادة تدريب الطيارين الذين يوجهون هذه الطائرات ليقدر كل واحد على توجيه أكثر من طائرة في وقت واحد، وذلك لأن توجيه طائرة لحمل مؤن وأغذية إلى قاعدة عسكرية صغيرة في شرق أفغانستان، مثلا، يبدأ بتوجيه الطائرة في اتجاه معين وبسرعة معينة، مما يعطى الطيار الموجه فرصة لتوجيه طائرة أخرى تراقب إرهابيين أو تسقط عليهم قنابلها. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» على لسان الكولونيل إريك ماثيوصن، كبير طياري «بريديتور»، قوله إن السلاح الجوي يحتاج إلى «إعادة النظر من الأساس» في نوع الطائرات التي سيعتمد عليها في المستقبل. وقال: «ستحتاج هذه الطائرة الجديدة إلى نوع جديد من الطيارين، والقواعد العسكرية والاتصالات. سيكون كثير من الطيارين من النوع الذي لن يطير في الجو».

وردا على انتقادات عن خطأ التركيز على طائرات «بريديتور» لأن الحرب ضد الإرهابيين قد لا تستمر إلى الأبد، قال ماثيوصن: «ليست الشجاعة وميداليات الشجاعة معناها أن الشخص يجب أن يضحي بحياته، أو يغامر بالتضحية. الشجاعة هي أن تقدم إنجازا فعالا. هي التصميم وتحديد الهدف وضربه».