السكن وليس السياسة والأمن.. الأزمة الحقيقية التي تؤرق العراقيين

كبير أسرة من 14 فردا: إذا ما توفر المزيد من السكن سيفتقد بعضنا بعضا، لكننا سنكون أكثر ارتياحا

TT

عندما يتحدث واثق حطيب (31 عاما) عن الأزمة في العراق، فإنه لا يعني بذلك الأزمة السياسية أو العنف الطائفي، بل أزمة السكن التي أرغمته على إسكان أفراد أسرته الستة في حجرة واحدة في منزل يجمع 5 أسر. ويقول حطيب، وهو جالس إلى جوار بعض من أفراد الأسرة الأخرى التي يبلغ عدد أفرادها 13، الذين يقاسمونه المسكن ذاته: «في كل يوم نعاني من أزمة سميناها (أزمة الحمام صباحا)، وأحيانا ما نتأخر على أعمال لأننا نضطر إلى الانتظار ساعة لدخول الحمام». وعلى الرغم من القضايا التي يعاني منها العراق، كقدوم الانتخابات العامة أو استمرار مسلسل العنف، تأتي الحياة اليومية للعراقيين كأحد أهم عوامل القلق، فقد أجبر نقص التيار الكهربائي والفساد المستشري في الدوائر الحكومية وعدم توافر الوحدات السكنية عائلتين أو 3 أو ربما 4 على تقاسم بيت واحد.

ويقال هنا إن نصف العراقيين يعيشون مع النصف الآخر، فتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن متوسط عدد الأفراد في الحجرة الواحدة في بعض مناطق العراق ارتفع إلى 4.

ويقول حطيب: «تدور بيننا حرب يومية وعنيفة على المطبخ والحمام. وها قد انقضت 7 سنوات الآن على الغزو ولم يتغير حالنا، بل إن الأمر يزداد سوءا لأن الإيجارات تزداد ارتفاعا».

في منزل حطيب، المكون من 5 غرف والواقع في مدينة الصدر، يسكن 4 من إخوته المتزوجين وزوجاتهم وأبناؤهم في 4 غرف أما والدتهم و3 إخوة وابنة فيسكنون في الغرفة الخامسة، التي تستخدم أيضا كغرفة جلوس وهو ما يكون أيضا سببا آخر لنزاعات العائلة.

ويوضح إستبرق الشوك نائب وزير الإعمار والإسكان أنه وفق تقديرات الأمم المتحدة توجد في العراق 208 ملايين وحدة سكنية لعدد سكان يبلغ 30 مليون نسمة، وهو ما يشكل نقصا في عدد الوحدات السكنية يبلغ 1.3 مليون منزل. ومع استمرار الزيادة السكانية ستكون البلاد بحاجة إلى بناء 3.5 مليون وحدة سكنية بحلول 2015. وقال: «هذه مشكلة قديمة تعود إلى 3 عقود سابقة، ففي أواخر الثمانينات في أعقاب الحرب العراقية - الإيرانية أعلن صدام حسين عن برنامج حكومي ضخم لبناء وحدات سكنية لكن المشروع نتيجة غزو الكويت وحرب الخليج والعقوبات الدولية والغزو الأميركي عام 2003. وفي أعقاب سقوط نظام صدام حسين في 2003 أعلن مستشار وزير الإسكان في الحكومة الانتقالية عن خطة حكومية لبناء مليون وحدة سكنية بحلول عام 2010 لكن السنوات السبع الماضية لم تشهد سوى بناء 7 آلاف وحدة سكنية فقط. وتستطيع الحكومة الآن بناء ما بين 10 إلى 15% من المنازل اللازمة، أما الباقي فسيبنى من قبل مستثمري القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين.

وحتى الآن يبدي المستثمرون الأجانب قلقهم من قطاع العقارات العراقي، بسبب العنف وصعوبات التعامل مع البيروقراطية التي تدير غالبية أراضي العراق. ويقول الدكتور سامي العراج رئيس لجنة الاستثمارات الوطنية، على الرغم من وجود عدد من مواقع البناء حول بغداد ومن بينها مدينة الصدر، فإن الشركات الخاصة لم تبن سوى «بضعة آلاف» منزل في عام 2009. وأن اللجنة تخطط الآن لبناء 500 ألف وحدة سكنية خلال العامين أو الثلاثة القادمة بتكلفة تبلغ 25 مليار دولار وستطلب من المستثمرين ومقاولي الإنشاءات البدء في عمليات الإنشاء. إضافة إلى عدد من المشاريع الضخمة التي يبلغ تكلفتها مليارات الدولارات ولا تزال في مراحل التخطيط الأولى.

وبناء منزل في العراق ليس بالأمر اليسير، فالعراق يفتقر إلى الخدمات الأساسية للإسكان الموجود به الآن. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة التي تعمل مع وزارة الإنشاءات أن 89% من منازل العراقيين تفتقر إلى مصادر للمياه، و73% منها غير متصل بأنظمة الصرف الصحي، وأن معدل الإضاءة في المنازل انخفض إلى 8 ساعات، ولذا فإن بناء المزيد من المنازل سيزيد الطلب على هذه الخدمات.

وقال الشوك: «عندما نبني مشروعا نتسلم الأرض كاملة الخدمات فالخدمات عمل الوزارات الأخرى. وإذا سألتني إذا كانت هذه الخدمات تكفي متطلباتنا فسأرد عليك بالنفي، فنحن بحاجة إلى المزيد من البنية التحتية، لكن كل الوزارات تعاني لأنها لا تملك التمويل الكافي، وهذه معضلة لا يمكن حلها الآن فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت. إضافة إلى ذلك فإن غالبية الأراضي المتاحة مخصصة للاستخدامات الزراعية وإعادة تخصيصها لعمليات البناء عملية بطيئة». وبالنسبة لعائلات مثل عائلة حطيب، فإن غياب الخصوصية هو سمة حياته اليومية والقيود السكنية تحدد كل شيء: متى يأكل أحدهم أو يتزوج وما يقوم به مع أصدقائه بل حتى إن نومهم موضوع حسب جدول ومن يستيقظ أولا يتمكن من الحصول على حمام ساخن.

كمال حطيب (20 عاما) قال إنه أجبر على تأجيل زواجه، لأنه لا توجد غرفة له كي يتزوج فيها، كما أنه لا يستطيع توفير مسكن آخر. ويقول إن الفتاة نفد صبرها، وقالت له: «تقدم شخص آخر لخطبتي» وهددته بأنه إن لم يتقدم لخطبتها فستوافق على المتقدم لها. وأضاف، رجوتها الانتظار بعض الوقت، وربما تنتظر 6 أشهر أو عاما.

بالنسبة للإخوة المتزوجين وزوجاتهم، فإن السكن المشترك يعني أنواعا مختلفة من المشكلات. ويقول واثق وقد تعالت الضحكات من إخوته الذين يوافقونه الرأي: «دائما ما تقع المشكلات بين الزوجات، فنحن لا نملك سوى غسالة ملابس واحدة وكل واحدة منهن تريدها».

عندما لا تتشاجر زوجات الإخوة بعضهن مع بعض، يتشاجرن مع والدة أزواجهن التي تسيطر على هذه المساحة الصغيرة. وقال واثق: «دائما ما تسأل أمي: لماذا لم ينظفن المنزل، ولماذا لم يغسلن الملابس، ولماذا لم تحضر إحداهن الغداء لزوجها، ومتى أعدت الأخرى الطعام لزوجها؟».

وتقول هدية جبار (66 عاما) أم واثق: «أنا أقسم العمل بينهن وألاحظ أن إحداهن تعمل وأخرى لا تعمل. أنا أعلم أنهن يعشن في مكان ضيق وهناك الكثير من الضغوط لكن أحيانا ما تتكاسل إحداهن».

وكغالبية الأسر العراقية تحاول العائلة، في الوقت الحالي، الاستمتاع بتقاربها الذي فرضه عليها هذا المكان الضيق. ويقول واثق وهو لا يزال يواصل حديثه الساخر: «إذا ما توفر المزيد من الأماكن فسوف يفتقد بعضنا بعضا، لكننا سنكون أكثر ارتياحا».

* خدمة: «نيويورك تايمز»