تركيا: اعتقالات الضباط تتواصل والمخاوف بشأن المستقبل تتعمق

حبس ضابطين جديدين ومحاكمة 35 عسكريا تلوح في الأفق

TT

وجه القضاء التركي الليلة قبل الماضية إلى ضابطين تهمة الضلوع في مؤامرة الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية، وأمر بتوقيفهما، ما يرفع عدد الموقوفين في هذه القضية إلى 35. وأمرت محكمة في اسطنبول بحبس الكولونيل حسين أوزجوبان قائد قوات الدرك في مدينة كونيا واللفتنانت كولونيل يوسف كيليلي، إلى حين محاكمتهما فيما حكمت بالإفراج عن 8 مشتبه فيهم تم توقيفهم مؤخرا، بحسب وكالة أنباء الأناضول.

وأوقفت الشرطة الأسبوع الماضي نحو 70 عسكريا بينهم ضباط متقاعدون في إطار تحقيق حول مؤامرة تهدف إلى إشاعة الفوضى تمهيدا لانقلاب عسكري يطيح بحكومة حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية. وبين الضباط الموقوفين الجنرال المتقاعد جتين دوغان القائد السابق للجيش الأول المتمركز في اسطنبول، الذي يشتبه بأنه مدبر الخطة التي أعدت عام 2003 بعيد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة. وكانت صحيفة «طرف» الليبرالية أول من كشف معلومات عن هذه الخطة في يناير (كانون الثاني) الماضي. وعرضت الصحيفة بشكل مفصل مخططات تهدف إلى تنفيذ اعتداءات بالقنابل ضد مساجد لدفع الأوساط الإسلامية إلى التظاهر بعنف، وإلى إسقاط مقاتلة تركية أثناء اشتباك مفتعل مع الطيران اليوناني لزيادة التوتر بين البلدين.

ووصف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اعتقال عشرات الضباط وتوجيه الاتهام لهم بأنها عملية مؤلمة لكنها ضرورية لدعم الديمقراطية. ويرى مسؤولون أن الجيش، الذي ينظر إليه عادة كحام للديمقراطية العلمانية، لا يمكنه أن يظل خارج نطاق سيطرة الحكومة والقضاء بعد الآن، خاصة أن محاكمات الضباط صارت تلوح في الأفق. وقال جنكيز أخطر الكاتب والمعلق التركي: «نجتاز حقا فترة تاريخية. لم يسبق أن واجهت سلطة الجيش تحديا مماثلا في هذا البلد. لم تحاسب القوات المسلحة على ما تقوله أو تفعله. تجري محاسبتها لأول مرة».

لكن ثمة مخاوف متزايدة من أن المؤسسة العلمانية والهيئة القضائية العليا والقوات المسلحة لن توافق على فقد مزيد من السلطة لصالح طبقة سياسية جديدة من المحافظين متمثلة في حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.

وفي عام 2007 تدخل الجيش في انتخابات الرئاسة بنشر بيان على موقعه على شبكة الإنترنت انتقد فيه الحكومة وهو ما أطلق عليه اسم «انقلاب إلكتروني»، لكن قيادة حزب العدالة والتنمية أبدت موقفا أكثر تشددا تجاه الجيش وردت على كل أسانيده. ويمثل القضاء أو عناصره محورا ثانيا لمقاومة حزب العدالة الذي انتخب بأغلبية ساحقة عام 2002 مع انهيار أحزاب علمانية راسخة لوثتها اتهامات فساد وسوء الحكم. وهناك تكهنات بمحاولة جديدة لحظر الحزب مرة أخرى بعد أن اجتاز بصعوبة دعوى قضائية رفعت عام 2008 لإغلاقه بزعم قيامه بأنشطة مناهضة للعلمانية.

ويعكس الجيش صورة البلاد إلى حد كبير، فالخدمة العسكرية إجبارية وتوجد قواعد عسكرية على مرأى من الجميع في وسط المدن ليس أقلها أنقرة واسطنبول. ويمكن أن يكون لأي تغيير مفاجئ في دور ووضع الجيش تبعات على الهيكل الاجتماعي بأسره. وقال هيو بوب من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات وهي مجموعة بحثية: «هناك صراع بين الجانبين وهو يدور في العلن منذ عام 2007 على الرغم من أنه كان دائرا في الخفاء قبل ذلك. الموجة الأخيرة من الاعتقالات شملت عددا من أرفع الضابط تعليما، والبعض كان حتى فترة قريبة في وظائف رفيعة جدا».

ويوم الخميس الماضي اجتمع رئيس الوزراء أردوغان والرئيس عبد الله غل ورئيس هيئة أركان الجيش الجنرال ايلكر باشبوغ، لنزع فتيل الأزمة، لكن في اليوم التالي للاجتماع، كانت هناك موجة ثانية من الاعتقالات. واجتمع أردوغان الذي ينفي أن لديه أي تطلعات إسلامية والجنرال باشبوغ مرة أخرى أول من أمس.

ويقول بعض المعلقين إن حقيقة استمرار خطوط الاتصال مفتوحة بين الجانبين دليل على أن العلاقات لن تتدهور مرة أخرى إلى المستويات المتدنية التي بلغتها في العقود الماضية. وأطاح الجيش بأربع حكومات في تركيا في الأعوام الخمسين الماضية ولكن «الانقلاب الإلكتروني» أتى بنتائج عكسية وأدى لزيادة شعبية حزب العدالة والتنمية.