فرص التجديد للمالكي تتراجع.. ومقربون يصفونه بـ«المنعزل والمستبد»

يعول على استقرار الأمن.. ولا يعتمد على الكاريزما ولا براعته في الحملة الانتخابية

نوري المالكي (رويترز)
TT

قبل أشهر قليلة، واعتمادا على شعبية حقيقية، بدا نوري المالكي على وشك الفوز بولاية ثانية لرئاسة الوزراء داخل العراق. ولكن، في الوقت الحالي وفي الوقت الذي يستعد فيه العراقيون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في السابع من مارس (آذار)، تزداد الشكوك حول إمكانية فوزه بولاية جديدة من أربعة أعوام. وتظهر أشياء غريبة في حملته الانتخابية، ويعتقد البعض أنها تواجه مشكلات كبيرة.

وبعيدا عن تعزيز النفوذ على الطريقة السلطوية التي سيطرت على تاريخ العراق، يواجه المالكي احتمالية خسارة منصبه من خلال صناديق الاقتراع. وفي منطقة يبدو أن الوسيلة الوحيدة فيها لترك السلطة هي «الانقلاب أو الموت»، على حد تعبير دبلوماسي غربي قريبا، أصبحت الانتخابات اختبارا هاما للنظام الديمقراطي داخل العراق بعد الغزو، كما ستكون اختبارا حقيقيا لمصير المالكي.

وسوف تحدد الطريقة التي يفوز بها، أو ربما التي يخسر بها، أكثر من أي شيء آخر اتجاه العراق خلال الأعوام المقبلة في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما على تنفيذ تعهده بسحب القوات الأميركية المقاتلة كافة من العراق. ويعترف حتى المقربون من المالكي بأنه يبدو حاليا منعزلا ومستبدا ومندفعا، وتؤثر على إمكانية إعادة انتخابه أشياء خارج سيطرته وأشياء من عمل يديه.

ويقول عزت شاهبندر، وهو نائب شيعي مستقل انضم إلى ائتلاف رئيس الوزراء خلال الانتخابات: «قلت له قبل أيام قليلة: (ليست لديك مواقف، ولكن لديك ردود أفعال)».

ولا يحتمل حتى الآن أن المالكي، الذي يبلغ الستين من عمره في يونيو (حزيران)، يمكنه تحقيق الفوز. ووفقا لما ذكره سياسيون وما أظهرته استطلاعات أجرتها أحزاب ومسؤولون أميركيون، ولكن لم يتم الكشف عنها علنا، فإنه من المحتمل بدرجة كبيرة أن يفوز ائتلاف المالكي بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الجديد، الذي يحتوي على 325 مقعدا. ولكن من غير المحتمل أن يقترب عدد المقاعد التي يحصل عليها الائتلاف من تشكيل أغلبية داخل البرلمان.

وللحفاظ على منصبه، سيكون على المالكي تشكيل ائتلاف بعد الانتخابات بين الأحزاب التي يبدو قادتها قادرين على التوحد فقط من أجل انتخاب زعيم جديد.

ويقول كينيث بولاك مدير «مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط» التابع لـ«مؤسسة بروكينغز» داخل واشنطن: «لم تكن القضية تكمن في الفوز وحسب ولكن في عدد المقاعد التي سيحصلون عليها»، وأشار إلى نبرة الثقة التي كان يستمع إليها خلال نقاشات أجريت هنا العام الماضي مع مساعدين للمالكي. ولكنه أضاف: «في هذه المرحلة، نجدهم يقاتلون من أجل حياتهم».

ويذكر المالكي سببا بسيطا لإعادة انتخابه، وكرره مرة بعد أخرى خلال حملته الانتخابية: «إخوتي الأعزاء، عراق اليوم ليس عراق 2005 و2006»، هذا ما قاله خلال تجمع انتخابي في بغداد، مشيرا إلى الدماء التي انهالت خلال صراعات طائفية مريعة كادت تفترس البلاد برمتها. إنه فخر بما أنجزته حكومته (بمساعدة أميركية نادرا ما يعترف المالكي بها) وتحذير مما يمكن أن يعود (عندما يغادر الأميركيون البلاد). ولا يعد المالكي زعيما كاريزميا ولا شخصا بارعا في الحملات الانتخابية، ولكن داخل بلد أتت عليه الفوضى والمذابح، يجد صدى لرسالته وإنجازاته حتى بين منتقديه. وتقول سميرة علي، وهي مدرّسة من البصرة تبلغ من العمر 56 عاما: «أعتبره مخلّص هذه البلاد». ويشار إلى أن المالكي أمر بعملية عسكرية داخل البصرة خلال 2008 أدت إلى إخراج الميليشيات الشيعية التي كانت تعيث فسادا في جنوب العراق وداخل بغداد نفسها.

وفي البداية، بدا المالكي شخصية طائفية سهلة المراس عندما ظهر مرشحا توافقيا لمنصب رئيس الوزراء بعد الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة عام 2005، ومنذ ذلك الحين برهن المالكي على استعداده للعمل بجد باسم الوحدة والقومية العراقية، حتى ضد طائفته الشيعية. وأجرى تعديلات على حزبه، الدعوة، وحوّله إلى ائتلاف أطلق عليه «دولة القانون»، مع حملة انتخابية تتعهد خلالها بإحلال الأمن والنظام، وأضعف من الجذور الدينية لحزبه الشيعي. وخلال الانتخابات المحلية العام الماضي، التي جرى خلالها انتخاب المجالس التشريعية داخل 14 محافظة، كان لائتلاف «دولة القانون» حظ أفضل من الجميع، وجعل سعي المالكي إلى إعادة انتخابه أمرا لا مناص منه تقريبا. ولكن، قوضت سلسلة من التفجيرات داخل العاصمة العراقية خلال الأشهر الستة القليلة، بالإضافة إلى موجة من العنف في مختلف أنحاء العراق، بدرجة كبيرة، من مزاعمه بخصوص إحلال الاستقرار داخل العراق. وتجاوزت التحديات التي تواجه المالكي قضية الأمن وحسب. وتمكن معظم منافسيه من التعامل مع استراتيجيته المعتمدة على تشكيل ائتلاف سياسي واسع يمثل مختلف الأطياف والأعراق العراقية المختلفة، وحقق ائتلاف يقوده رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، الذي حشد قيادات قوية من الأحزاب السنية وراءه، نجاحا أفضل.

ومن بين الشخصيات التي سعى المالكي إلى ضمها إلى ائتلافه خلال الخريف الماضي الشخصية السنية الأكثر بروزا التي شُطبت بعد ذلك من قائمة المرشحين صالح المطلك.

ورفضته قيادات بارزة أخرى، ومنها المتحدث السباق باسم البرلمان ورئيس حركة الصحوة في محافظة الأنبار التي انضمت إلى الجيش الأميركي وحكومة المالكي في الحرب ضد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.

وقال حليفه السني الأكثر بروزا الشيخ علي حاتم السليمان إن الكتلة الانتخابية التي مثلها في الأنبار لن تدلي بأصواتها مباشرة لصالح المالكي. وفي الواقع، ينأى المرشحون هناك بأنفسهم عن المالكي، الذي وصفه بأنه أفضل الخيارات غير الجذابة. وقال الشيخ علي حاتم في مقابلة أُجريت معه: «آمل أن لا يفوز أحد منهم». وحيث إنه رئيس الوزراء الحالي، تؤثر أوجه القصور داخل الحكومة عليه، مثل قلة التنمية والوظائف والفقر المدقع والفساد والخدمات المتردية التي يعانيها العراقيون في كل يوم. ويقول علي الوردي مزعل، وهو حرفي نادرا ما يجد فرصة عمل داخل البصرة: «صحيح أنه وفر الأمن، ولكننا نعيش وسط أكوام من الزبالة وفي حالة من التخبط». وأشار إلى أنه لا يخطط للإدلاء بصوته لصالح المالكي مرة أخرى.

ويرجع آخرون موقف المالكي المتراجع إلى سلسلة من التحركات التي أثارت شكوكا بخصوص احترامه لتوازن القوة داخل البلاد.

واتهم قوات أمنية تعمل تحت قيادته المباشرة بتنفيذ عمليات اعتقال لها دوافع سياسية، فيما وُضع مشتبه فيهم آخرون مطلوبون لدى قادة أميركيين وعراقيين على قوائم «عدم استهداف» من جانب حكومة المالكي. وخلال الشهر الماضي، طلب من الجيش التدخل في نزاع سياسي حول فصل حاكم محافظة صلاح الدين. ويدافع مناصروه عن هذه التصرفات ويقولون إنها رد فعل ضروري للتعامل مع الساحة السياسية العراقية المتقلبة وغير الناضجة. ويقول جابر حبيب، وهو مرشح مع المالكي داخل بغداد: «يحب العراقيون الحاكم القوي».

ومع ذلك، فإن عدم وضوح عملية اتخاذ القرار لديه جعل بعض قراراته تبدو هوائية ومتناقضة. وقد دفعت عملية تشويه لحزب البعث تزعمها الشيعة وأفضت إلى شطب مفاجئ للعشرات من المرشحين الشهر الماضي، المالكي إلى تكثيف تصريحاته من أجل حشد الأصوات الشيعية التي يحتاجها، على الرغم من أنها تنفر السنة الذين كان يأمل من قبل أن يفوز بهم من خلال التأكيد على هوية وطنية عراقية.

وعندما رفضت محكمة استئناف عمليات الشطب مبدئيا، وصف المالكي القرار بأنه غير قانوني. ولكن بعد يومين تراجع عن موقفه عقب اجتماع مع كبير القضاة العراقيين، في ما انتُقد بأنه تدخل غير لائق. وقالت مجموعة الأزمة الدولية عن عمليات الشطب في تقرير نُشر يوم الخميس: «إنه تلاعب فاضح يتضمن إشارات طائفية وضحاياه الأبرز من العرب السنة. لقد نكأ ذلك جراحات قديمة وألقى ضوءا مقلقا على المالكي الذي فاز قبل عام فقط بالأصوات من خلال تجنب الكلام الطائفي وتعهد بتكوين ائتلاف واسع يتجاوز الأحزاب».

وقال شاهبندر، البرلماني، إن المالكي يؤمن بضرورة تجاوز الانقسام الطائفي داخل البلاد ودفعته السياسات المرتبطة باجتثاث حزب البعث إلى إخفاء انتماءاته الشيعية. وأضاف: «لم يكن رئيس الوزراء قويا، لأنه تراجع بسهولة». ومن اللافت أن المالكي أدلى بمعظم خطاباته خلال حملته الانتخابية داخل الجنوب، حيث يتنافس من أجل الحصول على الأصوات الشيعية ضد ائتلاف شيعي إلى حد كبير ساعد بعد انتخابات 2005 على اختياره رئيسا للوزراء. وعندما اجتمع مع قيادات قبلية من محافظة صلاح الدين يوم الجمعة، عقد الاجتماع داخل بغداد بدلا من السفر إلى المحافظة ذات الأغلبية السنية. وخلال تصريحاته حينها، أكد على مزاعمه بأنه استعاد الأمن وتعهد بتحسين نظام الحكم. وحينها تحدث بقوة وأدان الإرهابيين، أو البعثيين (وهما كلمتان يستخدمهما للإشارة إلى شيء واحد)، بالإضافة إلى سياسيين يريدون نشر أفكارهم من خلال وسائل ديمقراطية. ووصفهم بأنهم «خفافيش يعيشون في الظلام فقط». واستطرد: «في الوقت الحالي، يريدون العودة من خلال الشبابيك ومن خلال الأبواب ومن خلال الانتخابات».

ووسط ملصقات كبيرة تحمل صورته رافعا يده، تعهد المالكي بعدم السماح بعودة ذلك، وقال: «عمنا بجد من أجل بناء الدولة، ولن نتركها لنزوات وأهواء من يريدون الاستحواذ على السلطة».

* خدمة «نيويورك تايمز»