رشاد حسين.. جسر يربط بين عالمين

مبعوث أوباما للعالم الإسلامي فقيه في القرآن الكريم.. ومشجع متعصب لفريق كرة سلة

رشاد حسين أمام البيت الأبيض (واشنطن بوست)
TT

كان رشاد حسين، المبعوث الخاص الجديد للرئيس أوباما إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، أحد المناظرين النشطاء في المدرسة العليا ببلانو بولاية تكساس التي نشأ بها.

وكان رفيق حسين في المناظرات، وصديقه المقرب، هو زميل له في الصف يدعى غوش غولدبرغ؛ مما يعني أنه في نهاية العديد من المناظرات كان المحكم يخرج ليعلن فوز الثنائي، المفارق ثقافيا «غولدبرغ – حسين»، بالحجة. فيقول حسين في حوار أجري حديثا معه: «يستنكر الناس ذلك للغاية، ولكننا كنا نمزح قائلين إننا نستطيع في يوم من الأيام أن نجد حلا لقضية السلام». يذكر أن حسين وغولدبرغ ما زالا صديقين مقربين حتى وقتنا الراهن.

ووفقا لمقتضيات منصبه الحالي، فإن حسين، الفقيه في القرآن، والمشجع المتعصب لفريق كرة السلة «كارولينا تار هيلز»، سوف يكون مسؤولا عن بناء الجسر الذي يستهدف رأب أحد الصدوع الثقافية؛ وهو الصدع في العلاقات الأميركية الإسلامية، سواء داخل حدود الدولة أو خارجها.

ومنذ توليه المنصب، تبنى أوباما مقاربة لتوسيع نطاق السبل التي تتواصل عبرها الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي، منتقلا من السياسة، التي ترتكز بشكل أساسي على مواجهة الإرهاب، إلى السياسة التي تعتمد على الشراكة مع الدول الإسلامية والمجتمعات في التعليم والصحة والعلوم والتجارة.

وسوف يكون حسين (31 عاما) هو الوجه المعبر عن تلك السياسة في جدة بالمملكة العربية السعودية، التي يقع بها المقر الرئيسي للمؤتمر الإسلامي، وغيرها من العواصم الـ56 للدول الأعضاء بالمؤتمر.

ويعد حسين الشاب الملائم لتمثيل أميركا في العالم الإسلامي الذي يبلغ 1.6 مليار نسمة، معظمهم أصغر منه سنا.

وفي الوقت الذي تحارب فيه الولايات المتحدة في بلدين إسلاميين، وتحاول الدفاع عن نفسها ضد التهديد الإرهابي المستمر، سوف يستغرق تغيير التوجهات بعض الوقت. فيقول حسين: «إن التحدي الذي يواجه عملية التواصل هو أنها عملية طويلة الأمد. وأحيانا يصبح التحدي هو أن الناس يريدون التركيز على القضايا السياسية، والقضايا التي تعمل هذه الإدارة جاهدة على حلها».

جدير بالذكر، أن والد حسين، مهندس تعدين، كان قد انتقل من بيهار بالهند إلى وايومينغ في أواخر الستينات. وبعد ذلك بعدة سنوات، وخلال زيارة إلى الهند تزوج من والدة حسين التي تعمل حاليا طبيبة أمراض نساء.

وكانت الأسرة تواظب على الصلاة في المسجد الذي يقع على مقربة من المدينة التي تعج بالكنائس. وعندما وصل حسين إلى المدرسة الإعدادية، كانت حرب الخليج قد اندلعت. وعن ذلك يقول حسين: «لم يكن ذلك أفضل وقت يكون فيه اسمك حسين». ولكنه أضاف، في الوقت نفسه، أنه لا يتذكر أنه تعرض لاضطهاد ديني خلال طفولته التي كانت تمتاز بالمذاكرة والصلاة وممارسة كرة السلة - الشغف الذي يشارك فيه الرئيس. ويقول حسين إن «حلمه» أن يشارك في إحدى المباريات التي يشارك فيها أوباما.

تخرج حسين في جامعة «نورث كارولينا» بشابيل هيل، ثم التحق بجامعة هارفارد للحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية والدراسات الإسلامية. وقد عزز حصوله على تدريب من خلال عمله المؤقت مع النائب ريتشارد غفاردت، الديمقراطي عن ميسوري، اهتمامه بالعمل الحكومي، ثم عاد حسين بعد حصوله على الدرجة للعمل باللجنة القضائية بمجلس النواب الأميركي، وكان هناك صبيحة هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

فيقول حسين: «لقد خضت تجربة الإخلاء المباشر من المبنى، ولم أكن أعرف ما الذي يحدث بالضبط. ثم شاهدت بعد ذلك البرجين وهما يشتعلان على شاشات التلفزيون، وأنا لم أكن أدري إذا ما كانت هناك طائرة متوجهة صوب مبنى الكونغرس أم لا. لقد خبرت ذلك الرعب بنفسي».

ويقول حسين إنه في الأيام التالية للهجمات كان يشعر «بمشاعر متضاربة» بدءا من الرعب الذي خلفته الهجمات ذاتها، إلى القلق بشأن التمييز الذين يمكن أن يتعرض له المسلمون الأميركيون إثر تلك الهجمات. ولكنه أكد أن المسلمين كانوا يتجاهلون التعاطف - الذي يجد أنه كان يفوق الاضطهاد هنا - سواء في الداخل أو الخارج.

فيقول: «لقد تم اتخاذ العديد من الإجراءات بشأن سوء فهم الأميركيين للمجتمعات الإسلامية، ولكن هناك الكثير من سوء الفهم لدى المجتمعات الإسلامية أيضا بشأن الولايات المتحدة». ولمواجهة مثل تلك المفاهيم الخاطئة في الثقافة الإسلامية، استشهد حسين بزوجته التي قال إنها «تتحدى العديد من المفاهيم الخاطئة حول النساء في الإسلام»، إسراء باتي، طالبة القانون في جامعة ييل، وحاصلة على منحة رودز، وترتدي الحجاب، وهي في الوقت نفسه أحد المشجعين المخلصين لفريق «شيكاغو بيرز».

ترك حسين كابيتول هيل من أجل الالتحاق بكلية القانون في جامعة ييل. وعندما كان هناك، انتقد محاكمة سامي العريان، الأستاذ بجامعة «ساوث فلوريدا» باعتباره «اضطهادا ذا دوافع سياسية». وكان العريان متهما بمساعدة حركة الجهاد الإسلامية الفلسطينية، وهي المنظمة التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية. وكان حسين، الذي لم يوجه انتقادات للتهم الموجهة للعريان، أحد المشاركين في هيئة حقوقية مدنية مع ابنة العريان عندما أدلى بتلك التعليقات. وقد برأت هيئة المحلفين العريان من بعض التهم، فيما أسقطت بعض التهم الأخرى، ولكنه أقر في النهاية بتهمة التآمر. فيقول حسين: «إن كتاباتي المستمرة حول تلك القضية توضح إدانتي الواضحة لكافة أشكال الإرهاب. وأتمنى لو كنت قادرا على وضع ذلك قبل جملة واحدة من 2004 أعتقد أنهم أخرجوها من سياقها».

وبعد انتخابات 2008، تم تعيين حسين في المكتب الاستشاري التابع للبيت الأبيض من خلال كاسندرا باتس، زميل أوباما السابق في كلية القانون بهارفارد. وكان يعمل هناك على قضايا الأمن القومي، والإعلام الجديد، كما كان يساعد على تشكيل جهود الإدارة الأميركية في التقارب مع العالم الإسلامي.

وقد استعان بن رودز، المسؤول عن كتابة الخطابات السياسية الخارجية لأوباما، بحسين خلال العام الماضي أثناء إعداده لخطاب الرئيس أوباما في القاهرة. ومن جهة أخرى، قال حسين إن الاستشارات التي قدمها كانت تخص المشاركات التي أسهم بها المسلمون في المجتمع الأميركي، والسياق الذي يحيط ببعض المسارات الدينية. يذكر أن حسين يحفظ القرآن، ويواظب على الصلاة، حيث يصلي غالبا بغرفة في مكتب أيزنهاور الإداري المخصص لكافة الأديان.

وبعدما أعلن أوباما عن تعيينه من خلال اتصال بالفيديو كونفرانس في 13 فبراير (شباط) في منتدى أميركا والعالم الإسلامي بالدوحة بقطر سافر إلى الشرق الأوسط. ويقول حسين إن مقاربته سوف تركز على توصيل القيم الأميركية للدول الإسلامية من خلال عقد شراكات معها.

فيقول حسين: «بالطبع لن نتفق على كل شيء. فمهمتنا أن نعمل على تعزيز نقاط الاتفاق بيننا، ونعمل على حل نقاط الاختلاف حتى نصل إلى السياسة المثلى».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»