قبيلة «العيسى» في القرن الأفريقي تتوج ملكها الـ19

يبلغ من العمر 17 عاما.. وتم اختياره بالانتخاب المباشر

TT

احتفلت قبيلة العيسي، إحدى كبرى القبائل الصومالية في منطقة القرن الأفريقي، بتتويج الزعيم التاسع عشر، وهو بمثابة الملك، ويعرف محليا بالـ«أوغاس»، لهذه القبيلة التي تقطن كلا من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا. وظل هذا المنصب شاغرا منذ وفاة الأوغاس الثامن عشر لقبيلة العيسي، الأوغاس حسن حرسي، عام 1994، ومنذ ذلك التاريخ كانت عملية إيجاد بديل له جارية على قدم وساق.

ويتم اختيار الأوغاس عادة من بين عدد كبير من الأطفال، تتم مراقبتهم لعدة سنوات حتى يتم الاستقرار على واحد منهم، ثم يجتمع المجلس القبلي، الذي يعرف أيضا بمجلس «الغندا» لاختياره، ويتم الإعلان عن تنصيبه بمدينة زيلع التاريخية، على الجانب الصومالي من خليج عدن. ويبلغ الأوغاس الجديد لقبيلة العيسي، مصطفى محمد إبراهيم أوغاس وعيس، من العمر 17 عاما، وهو من مواليد الإقليم الصومالي في شرق إثيوبيا، وكان رضيعا عندما توفي سلفه الأوغاس حسن حرسي، الأوغاس الثامن عشر لقبيلة العيسي، الذي تولى المنصب منذ 1933 وحتى وفاته في 1994. وقد اتفق وجهاء قبيلة العيسي المعروفون بمجلس «الغندا»، المتكون من 44 شيخ عشيرة، على اختيار الأوغاس مصطفى زعيما للقبيلة، في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، بعد سلسلة اجتماعات استمرت ستة أشهر لشيوخ ووجهاء وأعيان هذه القبيلة في منطقة وارف الواقعة على بعد 85 كلم شمال شرقي مدينة دريدوا الإثيوبية.

وبعد هذا الاتفاق، قام الأوغاس الجديد بزيارات متواصلة لمناطق محددة سلفا من المدن والقرى والبوادي التي تقطنها قبيلة العيسي، في كل من إثيوبيا، وجيبوتي، والصومال، في إشارة رمزية لاقتفاء آثار الزعماء الثمانية عشر الذين سبقوه في المنصب، إلى أن وصل أخيرا إلى مدينة زيلع التاريخية بشمال الصومال، حيث أقيمت فيها مراسم الحفل الرسمي لتتويج الأوغاس الجديد. وتوقف موكب الأوغاس في جيبوتي في مناطق علي صبيح ودنان وبيوعدي المدرجة ضمن المناطق المقرر أن يزورها الأوغاس الجديد قبل عملية تتويجه، حيث تعتبر هذه الزيارات، وفقا للعرف المتوارث للقبيلة، جزءا من المراسم التمهيدية لحفل التتويج الرسمي بمدينة زيلع. وفور وصول الزعيم الشاب الجديد لقبيلة العيسي إلى مشارف مدينة زيلع، بدأت المرحلة الأخيرة من مراسم التتويج، حيث تم حلق شعره على يد الوجهاء، وقراءة مئات الختمات من القرآن. وجلس تحت إحدى الأشجار لتمكين الآلاف من أبناء القبيلة، الذين توافدوا إلى مدينة زيلع خلال الأسابيع الماضية، من رؤيته والسلام عليه، بينما كانت تقام فعاليات متنوعة من الألعاب والرقصات التقليدية وحفلات المولد النبوي في أماكن مختلفة من المدينة وضواحيها. ويوفر أبناء القبيلة وجبات الطعام المجانية لجميع المشاركين في احتفالية التتويج.

وتوجه الأوغاس الجديد قبل تنصيبه، صباح الاثنين، إلى زيارة مسجد القبلتين في مدينة زيلع، حيث يعتقد أن المهاجرين الأوائل إلى أرض الحبشة من الصحابة شيدوه في مدينة زيلع، وقبلته متجهة إلى بيت المقدس، وسمي مسجد القبلتين بعد تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة. ثم قام الزعيم الجديد بزيارة إلى مزارات وأضرحة العلماء في مقبرة الأولياء، إلى أن عاد إلى الخيمة العملاقة التي أقيمت لاستيعاب 3 آلاف من المدعوين، وظهر الأوغاس الجديد وهو يتوسط 44 من شيوخ قبيلة العيسي، يعرفون بمجلس الغندا، ويمثلون فروع وبطون القبيلة المنتشرة في الصومال وإثيوبيا وجيبوتي، وبعد إلباسه اللباس التقليدي (رداء وإزار أبيض وعمامة، والخنجر المعقوف الذي يشتهر به أبناء قبيلة العيسي)، صب عليه حليب الإبل، ابتداء من رأسه حتى قدميه، وهو تقليد شائع عند تنصيب زعماء القبائل الصومالية في منطقة القرن الأفريقي. والأوغاس مصطفى، هو أول زعيم يتم اختياره من الحضر، خلافا لأسلافه الـ18 الذين كانوا جميعا من أبناء البادية.

ويقول وجهاء القبيلة إن الحكمة وراء اختيار قبيلة العيسي زعيمها من بين الشباب الصغار، تتمثل في أن يكون الأوغاس الذي يتم اختياره شخصا لم يرتكب جرما، أو أكل حراما بأي وجه كان ذلك، وما دام أنه من الصعوبة تحديد ما إذا كان الشخص الكبير يتسم بهاتين الميزتين، فإنه يتم اختيار الأوغاس دائما من بين الشباب الصغار، الذين يمكن الجزم بتوافر هاتين الميزتين فيهم، لتربيته على السمات والقيم النبيلة التي ينبغي أن يتسم بها زعيم القبيلة. وقد حرص ممثلو حكومات الدول الثلاث (إثيوبيا والصومال وجيبوتي)، التي تنتشر فيها قبيلة العيسي، على تجنب التعقيدات السياسية في المنطقة، وكان من بينهم وزراء ينتمون إلى قبيلة العيسي نفسها في الدول الثلاث أيضا. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي نفسه ينحدر من قبيلة العيسي.

ويتم اختيار الأوغاس في قبيلة العيسي، وهو لا يزال طفلا، ولا يأتي هذا المنصب بالتوارث، وإنما بالاختيار المباشر من قبل وجهاء العشائر الـ44، وبمواصفات معظمها سري لا يعلمه غير عدد محدود من الوجهاء المعمرين. أما الأوغاس، فهو رمز لوحدة القبيلة الكبيرة، لكنه لا يحكم إلا بعد وصوله إلى سن الأربعين، وقبلها يتدرب على الحكم وحل المشكلات، ويحضر جميع اللقاءات الدورية لمجلس وجهاء القبيلة، ويقوم بزيارات منتظمة إلى جميع مناطق القبيلة في دول القرن الأفريقي ليتعرف على أبنائها وتفاصيل حياتهم والعلاقات بينها وبين القبائل الأخرى في المنطقة، ويجد أبناء العيسي فرصة اللقاء معه والتبرك به وطلب الدعاء منه، حيث يعتقدون أن دعاءه مستجاب، ويستمر زعيم قبيلة العيسي في منصبه مدى حياته.