السفارة الأميركية في بيروت «آخر من يعلم» عن طلبها معلومات «حساسة» عن قطاع الجوال

حزب الله تخوف من إمكانية استعمالها في «تعقب» شخصيات لبنانية

TT

أثارت الاتهامات الموجهة إلى السفارة الأميركية في بيروت بالسعي للحصول على معلومات حساسة عن وضع شبكات الهاتف الجوال، شكوكا من حزب الله، حيث إمكانية استخدام هذه المعلومات في الدخول إلى شبكة الاتصالات، وتعقب شخصيات لبنانية من قبل الاستخبارات الأميركية، كما أثارت أسئلة نيابية عن نمط التعاطي بين السفارة والإدارات الرسمية اللبنانية، خلال اجتماع خاص عقدته اللجنة النيابية المختصة، التي استدعت جميع المعنيين بهذا الملف، ما عدا الجانب الأميركي، «لكونه خارجا عن نطاق صلاحياتها».

وبينما علمت «الشرق الأوسط» أن السفارة الأميركية تجهز لرد مفصل سيصدر اليوم، بدت السفارة «آخر من يعلم» في هذا الموضوع، الذي نال ضجة كبيرة منذ أن طرحته إحدى الصحف المحلية يوم الجمعة الماضي، وما تلاه، من حملة عنيفة لقيادات من حزب الله ضد السفارة الأميركية وسياستها، واكتفى الناطق بلسان السفارة، رايان كليها، بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «رأينا التقارير عن رسالة أميركية إلى قوى الأمن الداخلي في الصحف اللبنانية، لكننا لم نر هذه الرسالة». غير أن رئيس لجنة الاتصالات، النائب حسن فضل الله، نفى في اتصال مع «الشرق الأوسط» وجود «أي حسابات سياسية» في قرار لجنة الاتصالات بمتابعة هذا الملف، ووضعها اليد عليه». مؤكدا أن الموقف سيكون ذاته لو كانت السفارة المعنية «إيرانية أو سورية».

وقد عقدت لجنة الإعلام والاتصالات جلسة برئاسة النائب فضل الله، وحضور وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ووزير العدل إبراهيم نجار، ووزير الاتصالات شربل نحاس، ووزير الطاقة والمياه جبران باسيل، بصفته وزيرا سابقا للاتصالات، والمقرر الخاص زياد القادري، وأعضاء اللجنة، كما حضر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ومديرا شركة «ألفا» و«MTC »، وعدد من موظفي الشركتين اللتين تديران قطاع الهاتف الجوال. وقال النائب فضل الله لـ«الشرق الأوسط» إن اللجنة وضعت يدها على الملف، بعد ما أثارته وسائل الإعلام، وهي تعمل على التدقيق في المعطيات، من خلال وثائق طلبتها من الإدارات المعنية، معتبرا أنه «لو تم التثبت من صحة ما نشر رسميا، فإن هذا يشكل مساسا بالسيادة الوطنية على يد جهة أجنبية تطلب معلومات عن محطات الاتصال، بكل ما في ذلك من مخاطر على أمن البلد وسيادته»، مشيرا إلى أنه «من المفيد جدا إبقاء هذا الأمر في إطار المناقشة المسؤولة، وبعيدا عن أي حسابات سياسية، لأن الجميع معني بصون السيادة والأمن الوطني، وحماية حريات المواطنين».

وكان فضل الله قال بعد الجلسة: «إن النقاش تناول خلفيات الطلب الأميركي والأسباب التي أدت إلى هذه الملابسات حول كيفية هذا الطلب وعلاقة الشركتين والوزارات المعنية، وإذا ما كان هذا الأمر يمس بالسيادة الوطنية»، مشيرا إلى أن النواب سألوا مدير عام قوى الأمن الداخلي، وقال: «حاولنا في اللجنة أن نضع الأمور في سياقها القانوني الطبيعي، لأننا أمام معلومات خطيرة، ولا بد أن تكون هذه القضية في المكان الطبيعي لها، وهو هذه المؤسسة الرقابية التشريعية، أي مجلس النواب.. فموقفنا على مستوى المجلس النيابي وعلى مستوانا أيضا واضح وحاسم في منع أي محاولة للمساس بهذه السيادة، سواء جاء الطلب من السفارة الأميركية أو من السفارة الإيرانية أو السورية أو الفرنسية أو من أي سفارة أخرى، لأن السيادة الوطنية لا تتجزأ ولا نقبل أن يمس بها أحد».

وأعلن أن اللواء ريفي سيقدم في الجلسة المقبلة الحيثيات القانونية التي فرضت مثل هذا التخاطب بين السفارة وقوى الأمن الداخلي، وقال: «سألنا اللواء حول ما إذا كانت هناك طلبات مماثلة من قبل السفارة الأميركية أو أي سفارة أخرى تتعلق بأمور أمنية تخص أمن المواطنين وحريتهم، وقد أجاب أنه ليس هناك مثل هذه الطلبات التي تتعلق بالأمن الوطني اللبناني». وأضاف: «سنستمع في الأسبوع المقبل مجددا إلى وزير الداخلية وإلى مسؤولي الشركتين وإلى مدير عام قوى الأمن الداخلي، وسنطلع على المستندات المتصلة بهذا الملف، فإذا كانت المعطيات التي ستردنا كاملة وصحيحة، فأعتقد أننا سنكون أمام أمر حساس وخطير يمس سلامة سيادتنا الوطنية، وسلامة أمننا.. ولا أريد أن أحكم على المعلومات قبل أن نطلع على كل جوانب هذا الملف من الجهات المعنية».

وفي المعلومات التي توافرت لـ«الشرق الأوسط» من خلال اجتماع اللجنة، أن اللواء ريفي أوضح للمجتمعين أن هذه الاستمارات لا تحمل طابعا أمنيا، بل هي من ضمن اتفاق تعاون أمني، انطلاقا من قرار لمجلس الوزراء في عام 2007، في إطار مكافحة جرائم المخدرات وملاحقة المتاجرين بها، مشيرا إلى أنه «ينفذ قرارا للسلطة السياسية التي من شأنها أن تخبره بمتابعة التعاون مع الجهات الأميركية في مجال التدريب من عدمه». وقد طلبت اللجنة من اللواء ريفي تزويدها بنسخ من هذا القرار لمناقشته ومعرفة أبعاده، خاصة أن الإدارة المعنية أكدت أن المساعدة التقنية الأميركية لا تتضمن طلب معلومات، بل تدريب القوى الأمنية على الحصول عليها.

وفي المقابل، اعتبر مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله، الشيخ نبيل قاووق، أن ما كشف عنه من أجهزة تجسس أميركية تتنصت على كل اللبنانيين، هو شاهد جديد على انتهاك أميركا للسيادة اللبنانية، مشيرا إلى أن شبكات التجسس الأميركية، التي تعمل في كل المناطق، إنما تتبنى أهداف الموساد الإسرائيلي. وطالب الشيخ قاووق بأن تعمل الأجهزة الأمنية اللبنانية على تفكيك هذه الشبكات، أسوة بشبكات التجسس الإسرائيلية، لأن «السي آي إيه» والموساد وجهان لعملة واحدة.

واعتبر عضو كتلة نواب الحزب، نواف الموسوي، أن طلب السفارة الأميركية «اختراق أمني خطير، ولو أن وزيرا آخر غير الوزير جبران باسيل، كيف كان بنا أن نعرف بالأمر؟! وهذه من حسنات حكومة الوحدة الوطنية»، ورأى الموسوي أن «المخابرات الإسرائيلية، حين كانت تبدأ في تجنيد العملاء، كانت تقدم نفسها على أنها مخابرات أميركية، تلك التي تنشط في لبنان بعشرات المرات عن المخابرات الإسرائيلية، التي تتشارك معها في المعلومات».