أوباما يطور سياسة نووية.. تعتمد الخفض وتبقي على الردع

الخطة الجديدة تقضي بسحب أسلحة منتشرة في أوروبا وتتجنب إثارة الروس

TT

في وقت بدأ فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما اتخاذ قرارات نهائية بشأن استراتيجية نووية جديدة للولايات المتحدة، يقول مسؤولون كبار داخل إدارته إن الرئيس يعتزم خفض آلاف الرؤوس الحربية من الترسانة النووية الأميركية. لكن الإدارة رفضت مقترحات بأن تعلن الولايات المتحدة أنها لن تكون أول من يستخدم الأسلحة النووية.

وتأتي الاستراتيجية الجديدة لأوباما، التي ستلغي أو تناقض عددا من الخطوات التي اتخذها سلفه الرئيس بوش، ضمن وثيقة أوشكت على الانتهاء تحت اسم «مراجعة الموقف النووي»، التي يقوم بها الرؤساء الأميركيون. ومن بين تلك القضايا التي تناقشها الوثيقة، إمكان تضييق الظروف التي يمكن بموجبها للولايات المتحدة الإعلان عن احتمال استخدام الأسلحة النووية، العنصر الرئيسي للردع النووي منذ الحرب الباردة.

ويأتي قرار أوباما بشأن القضايا النووية في وقت تزداد فيه الضغوط بشأن سياسات الدفاعية. ويقول منتقدوه إن تبنيه حركة جديدة للحد من الأسلحة النووية حول العالم فكرة ساذجة وخطرة، وبخاصة أنها تأتي في وقت تتصاعد فيه التهديدات النووية من إيران وكوريا الشمالية. لكن الكثير من المؤيدين للرئيس يخشون من أن يكون الرئيس قد تحرك خلال العام الماضي بحذر مبالغ فيه، مما جعله محصورا داخل السياسة الأميركية القائمة، التي تترك الباب مفتوحا أمام الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية ردا على هجمات بيولوجية وكيماوية، ضد دولة ربما لا تملك ترسانة نووية. وقد كانت هذه واحدة من النقاشات الرئيسة التي يتوجب على أوباما حلها خلال الأسابيع القليلة القادمة.

ويقول مسؤولون بارزون في الإدارة، ومسؤولون عسكريون ممن شاركوا في أكثر من ست جلسات داخل غرفة الأزمات حول السياسة الجديدة، والخبراء الاستراتيجيون الذين استشارهم البيت الأبيض إن الكثير من عناصر الاستراتيجية الجديدة اكتملت بالفعل.

وحسب رأي هؤلاء المسؤولين، فإن السياسة الجديدة ستلزم الولايات المتحدة بعدم تطوير أسلحة نووية جديدة مثل الأسلحة النووية الخارقة للحصون التي دافعت عنها إدارة الرئيس بوش السابقة. لكن أوباما أعلن بالفعل أن سينفق مليارات الدولارات على تحديث معامل الأسلحة الأميركية، لضمان مصداقية ما ينوي أن تكون ترسانة أكثر صغرا. وقال نائب الرئيس جو بايدن في خطابه الشهر الماضي إن زيادة الثقة في مصداقية الأسلحة الأميركية ستعمل على التخلص من الأسلحة النووية «الزائدة على الحاجة». وقال مسؤول بارز في الإدارة، سمح له البيت الأبيض بمناقشة القضية هذا الأسبوع: «سيتضح في الوثيقة أنه سيكون هناك خفض كبير، بالآلاف، في المخزون النووي. وإن ذلك سيكون عبر التخلص من عدد من الأسلحة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة الآن».

من جهة أخرى، أشار مسؤولون، لم يصرح لهم بالحديث إلى الإعلام، إلى أن الولايات المتحدة ناقشت مع حلفائها في محادثات سرية حول إمكان سحب الأسلحة النووية الأميركية من أوروبا، التي يعتقد أنها موجودة في ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وتركيا وهولندا.

وفي الوقت ذاته، تدعو الوثيقة الجديدة إلى التوجه صوب الدفاعات غير النووية، التي تعتمد بصورة أكبر على الدفاعات الصاروخية التي استخدمت بفاعلية خلال الهجمات من بُعد في حرب الخليج، وتركز على التهديد الإيراني. وقد نشر أوباما مؤخرا الاستراتيجية الدفاعية التي تصدر كل أربع سنوات، وتضم أيضا دعم أصناف جديدة من الأسلحة غير النووية تسمى بـ«تعزيز الضربات العالمية»، التي يمكن أن تطلق من الولايات المتحدة، وتصيب أهدافا في أي مكان في أقل من ساعة.

ويقول المسؤولون إن الفكرة تقوم على منح الرئيس خيار استخدام الأسلحة غير النووية، على سبيل المثال، لضربة كبرى ضد قادة «القاعدة» في جبال باكستان، أو ضربة استباقية في إطلاق صواريخ محتمل من كوريا الشمالية. لكن وفق خطة الرئيس أوباما الجديدة، سيتم وضع الأسلحة في مواقع جديدة في الولايات المتحدة، ربما تخضع للتفتيش حتى يعلم الروس أن الأسلحة التي ستطلق من هذه المواقع ليست نووية، لتجنب وضع قواتهم النووية في حالة تأهب.

لكن التساؤل الكبير الذي يواجهه أوباما هو: كيف سيشرح هدف الترسانة النووية الأميركية إذا تخطى الأمر مجرد النقاشات الأكاديمية؟ فقد طلب بعض قادة الديمقراطيين، تتقدمهم السيناتور دياني فينستين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إلى الرئيس أوباما أن يوضح أن الهدف الوحيد من وجود الترسانة النووية هو الرد على هجوم نووي، وقال أحد مستشاري أوباما للأمن القومي: «تعرضنا لضغط كبير بشأن هذه النقطة داخل حزبنا خلال الآونة الأخيرة».

لكن مسؤولي البنتاغون والبيت الأبيض حثوا الرئيس على التمسك بصيغ مبهمة، كأن يعلن أن ردع هجوم نووي على الولايات المتحدة هدف رئيسي للترسانة النووية الأميركية، لكنه ليس الوحيد، وهو ما يترك الباب مفتوحا أمام خيار استخدام الأسلحة النووية ضد الأعداء الذين يهددون الولايات المتحدة باستخدام أسلحة بيولوجية وكيماوية أو نقل مواد نووية إلى الإرهابيين. بيد أن استخدام أي صيغ تبقي على أهداف سياسة عهد بوش الاستباقية، أو تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم الأسلحة النووية ضد خصومها غير النوويين سيحبط الكثيرين من اليسار في حزبه وبعض المدافعين عن السيطرة على التسلح.

ويقول داريل كيمبل، المدير التنفيذي لـ«اتحاد الحد من التسلح»، إن «أي إعلان بأن ردع هجوم نووي (هدف أساسي) للإبقاء على ترسانتنا النووية يبقي على إمكان وجود أهداف أخرى، وأنها لن تعكس أي خفض للاعتماد على الأسلحة النووية. ولن تتوافق مع ما قاله الرئيس في خطابه في براغ قبل عام، عندما طرح رؤية طموحة للانتقال نحو التخلص من الأسلحة النووية».

وعلى الرغم من أمر أصدره أوباما العام الماضي بوقف تمويل رأس حرب نووي جديد بدأت فيه إدارة الرئيس بوش، فإن الاستراتيجية الجديدة تذهب إلى أبعد من ذلك. وتلزم الاستراتيجية الرئيس أوباما بعدم تطوير أسلحة نووية جديدة من بينها رأس حربي خارق للحصون، سعى البنتاغون إلى تطويره لضرب أهداف مدفونة تحت الأرض، مثل المنشآت النووية في كوريا الشمالية وإيران. وقال مسؤولون في الإدارة إن أوباما مقتنع بأنه لن يستطيع إثناء الدول الأخرى عن امتلاك أسلحة نووية إذا قامت الولايات المتحدة بالشيء نفسه.

بيد أن بعض منتقدي أوباما داخل حزبه يقولون إن التغيير رمزي، لأنه ينفق بصورة أكبر على تطوير الأسلحة التقليدية. وتجدد الاستراتيجية الجديدة التركيز على الحد من التسلح واتفاقات منع الانتشار النووي التي تخلت عنها إدارة الرئيس بوش السابقة. وتتضمن محاولة تمرير معاهدة شاملة لمنع التجارب النووية، التي لم تنجح خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وتواجه عقبات كبرى في مجلس الشيوخ ومراجعات معاهدة منع الانتشار النووي للتخلص من الأسلحة النووية، التي يقول منتقدوه إنها استغلت من قبل إيران وكوريا الجنوبية.

ويتوقع أن يثير اعتماد أوباما على أسلحة تعزيز الضربات العالمية الكثير من الجدل. ويصف المدافعون عن هذه السياسة داخل البنتاغون والجيش الأسلحة الجديدة بأنها قادرة على تحقيق أهداف الأسلحة النووية من دون تحويل رأس تقليدي إلى نووي. ونتيجة لذلك، تعتقد الإدارة أنها قادرة على خلق نوع جديد من الردع، في محاولة لاحتواء الدول الأخرى التي تمتلك أو تأمل في امتلاك أسلحة نووية أو كيماوية من دون اللجوء إلى الخيار النووي.

*خدمة «نيويورك تايمز»