الكوريات يسيطرن على العمل في القطاع الحكومي

الحكومة في سيول تضطر للتدخل.. وتخصص حصة 30% للرجال

TT

عندما التحقت كيم هيو أيون للعمل في وزارة الخارجية بكوريا الجنوبية عام 1992، ضمت البيانات الشخصية خانة «الزوجة»، لكن لم تكن هناك خانة باسم «الزوج»، وذلك في القسم الذي يكتب فيه الدبلوماسيون معلومات عن أزواجهم. لم يكن هذا الأمر ليثير الدهشة، بالنظر إلى أنه آنذاك، لم يكن يقدم على امتحان العمل بالوزارة، ناهيك عن النجاح فيه، سوى القليل للغاية من النساء. وعن تجربتها، أوضحت كيم، التي تعمل حاليا مديرا لفريق العمل المعني بالتغييرات المناخية في الوزارة، أن «العام الذي خاضت فيه امتحان الانضمام إلى الوزارة شهد نجاح عدد غير مسبوق من النساء - ثلاثة - وحاز هذا الأمر اهتمام كثيرين».

وحسب كيم سانغ جين، رئيس إدارة شؤون الموظفين في الوزارة، فإن هناك حاليا تغييرا ملموسا في وضع الدبلوماسية لكوريا الجنوبية، إذ على مدار السنوات الخمس الماضية، شكلت النساء 55 في المائة من إجمالي 151 شخصا نجحوا في اختبار الالتحاق للعمل في وزارة الخارجية - الذي ينضوي على قدر بالغ من التنافس، ويعد البوابة الرئيسية للانضمام إلى البعثات الدبلوماسية للبلاد.

ويعكس الوضع في وزارة الخارجية ما يجري في الوزارات الحكومية الأخرى. فخلال العام الماضي، بلغت نسبة النساء من بين الناجحين في الامتحانات التي تنظمها الدولة لاختيار مسؤولين في مراتب متوسطة، يجري إعدادهم للتحول إلى قيادات كبرى في وكالات بخلاف وزارة الخارجية، 47 في المائة، وفي المقابل، كانت النسبة عام 1992 نحو 3.2 في المائة.

وقد التحق بالعمل لدى الحكومة في السنوات الأخيرة أعداد غفيرة من السيدات، لدرجة أجبرت الحكومة، عام 2003، إلى تعديل نظام الحصص الخاص بها.

في عام 1996، شرعت الحكومة في فرض أن يكون 30 في المائة، على الأقل، من المعينين الجدد لدى جميع الأجهزة الحكومية، فيما عدا الشرطة والمؤسسة العسكرية، من النساء. أما الآن، ونظرا لنجاح كثير من النساء في التنافس للوصول إلى هذه الوظائف، فقد أصبحت الحكومة تطبق نظام حصة الـ30 في المائة على الرجال أيضا.

وقالت كيم، العاملة بوزارة الخارجية: «يأتي إلينا المديرون يطالبون بتعيين رجال، ويشتكون من أن أقسامهم تضم أعدادا ضخمة للغاية من النساء! لم يعد هناك عدد كاف من الرجال بالجوار، وبات هناك نقص في المعروض منهم».

وواضح أن الارتفاع الشديد في أعداد النساء العاملات بالقطاع العام في الفترة الأخيرة، يعد نتاج جهود حكومية ترمي إلى توسيع نطاق الديمقراطية بعد عقود من الحكم العسكري، ومحاربة الجمود الاقتصادي من خلال الاستعانة بمزيد من النساء المتمتعات بقسط جيد من التعليم في قوة العمل وكبح جماح التراجع في معدلات المواليد في البلاد، الذي تتمثل أحد الأسباب وراءه في الصعوبات التي تجابهها نساء كوريا الجنوبية في الجمع بين الحياة المهنية والأمومة، إلا أن الأوضاع الجديدة تعكس أيضا العقبات الكبرى التي لا تزال تواجهها النساء داخل القطاع الخاص.

في كوريا الجنوبية، تهيمن أربع مؤسسات تجارية ضخمة، وهي «سامسونغ» و«هيونداي» و«إل جي» و«إس كيه»، على الاقتصاد. وتحتل النساء أقل من 2 في المائة من مقاعد مجالس إدارة هذه المؤسسات. ولا تكاد توجد مسؤولة تنفيذية واحدة في المصارف بكوريا الجنوبية.

وعلى الرغم من تمتعها باقتصاد يأتي في المرتبة الـ13 من بين أكبر اقتصاديات العالم، تأتي كوريا الجنوبية في المرتبة 115 من بين 134 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين، الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي». ولدى مقارنتها بدول صناعية أخرى، يتضح أن النساء اللائي تلقين مستوى رفيعا من التعليم في كوريا الجنوبية يعانين من تمثيل ضعيف في قوة العمل مدفوعة الأجر في كوريا الجنوبية، حيث لا تزال للتقاليد الكونفوشيوسية، التي تحمل المرأة المتزوجة المسؤولية الأولى عن إدارة شؤون المنزل وتربية الأطفال، سطوة كبيرة.

في عام 2007، كان 60.9 في المائة فقط من النساء اللائي تلقين تعليما جامعيا هن اللائي يعملن، وهي النسبة الأدنى بين الدول الـ30 الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (بلغ المتوسط بين دول المنظمة 79.9%).

علاوة على ذلك، فإن النساء اللائي يعملن خارج المنزل عادة ما يتركزن في وظائف خدمية وتصنيعية ضئيلة المستوى، الأمر الذي كانت له تبعاته خلال فترة الركود الأخيرة. وفي الولايات المتحدة وأوروبا، فقدت أعداد أكبر من الرجال، عن النساء، وظائفهم بسبب الركود. في المقابل، ينتمي 90 في المائة ممن فقدوا وظائفهم خلال الركود إلى النساء، وذلك لأنهن يشكلن نسبة كبيرة من العاملين لبعض الوقت والمتعاقدين، ممن شكلوا أهدافا سهلة أمام جهود تقليص التكاليف.

في يناير (كانون الثاني) الماضي، كان ما يزيد قليلا على 45 في المائة من النساء في سن العمل لديهن وظائف، مقارنة بما يقرب من 70 في المائة من الرجال. وتعادلت دخول النساء (52%) من الأجور بالتي يتقاضاها الرجال، طبقا لمقياس تمكين النوع الصادر عن «البرنامج الإنمائي» التابع للأمم المتحدة، الذي وضع كوريا الجنوبية، العام الماضي، في المرتبة 62 بين 109 دول، من حيث الدخل والمشاركة السياسية والاقتصادية وصنع القرار، بالنسبة للمرأة.

في مواجهة كل ذلك، تولت الحكومة قيادة الجهود الرامية لتوسيع نطاق حقوق المرأة. ومنذ منتصف التسعينات، سنت الحكومة قوانين لتناول قضايا مثل العنف الجنسي والأسري. كما اضطلعت بتنقيح أكثر من 300 قانون قائم، بغية القضاء على التحيز على أساس النوع منذ عام 2005، وهو العام الذي قضت المحكمة الدستورية بإلغاء بنود في القانون المدني، تنص على أن الرجال فقط هم الذين يمثلون الرؤساء القانونيين للأسرة، وأن الأطفال يجب أن يحملوا لقب الأب، مما شكل تقويضا لأسس للمجتمع الكوري قائمة منذ قرون. ولا يزال أنصار حقوق المرأة يشيرون إلى هذا الحكم باعتباره واحدا من انتصاراتهم الكبرى.

من ناحيتها، قالت تشنغ بونغ هيوب، مدير عام لدى وزارة المساواة بين النوعين التي أنشئت عام 2001: «تمثلت استراتيجيتنا في تغيير القوانين والمؤسسات أولا، ثم يمكن لبقية قطاعات المجتمع اللحاق بركب تغيير التوجهات والثقافة لصالح المساواة بين النوعين». الآن، تحتل النساء 10.8 في المائة من المناصب الإدارية متوسطة المستوى في الحكومة، على الرغم من أن النسبة تتراجع بصورة حادة في المستويات العليا.

في البرلمان، حيث حصلت المرأة على مقعد لها للمرة الأولى عام 1949، لا تزال النساء أقلية (14%) لكن بينهن بعض من أكثر الأعضاء نفوذا. جدير بالذكر أن المنافس الأكبر للرئيس لي ميونغ باك الآن، ليست أحزاب المعارضة، وإنما أعضاء حزبه: بارك جيون - هي، التي تتولى زعامة مجموعة من المشرعين الرجال، الذين غالبا ما ينتقدون سياسات لي، بناء على توجيهات منها.

من جهتها، قالت بارك جيون هي، خريجة الجامعة الوطنية في سيول، التي كانت تستعد لخوض امتحان وزارة الخارجية على مدار العامين الماضيين: «أكبر ميزة للوظائف الحكومية، أننا لا نواجه تمييزا هناك. أما الشركات الخاصة، فلا تنتظر أن يكون كثير من موظفيها من النساء. وعلى ما يبدو، توظف الشركات النساء فقط كنوع من الاستعراض، ولإظهار اهتمامها بالمساواة بين النوعين». وأوضحت بارك (27 عاما) أنها لم تعان أي تمييز حتى تخرجها عام 2006 وشروعها في التقدم بطلبات للالتحاق بوظائف. وعلى الرغم من أن الدبلوم الذي حصلت عليها كفيل بفتح أبواب جميع الشركات الكبرى أمامها، فإن هذا لم يحدث، لكونها من خريجات الجامعة الإناث، اللائي تشكو بعضهن أن طلبات الالتحاق التي تقدمن بها قوبلت بالرفض عدة مرات، تصل إلى 20 مرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»