فرنسا تبيع 4 سفن حربية متطورة لروسيا لإقناعها بعقوبات إيران

البيت الأبيض: موقف طهران مثير للقلق

الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف (إ.ب.ا)
TT

شكل إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن فتح «مفاوضات حصرية» مع روسيا لبيعها أربع سفن حربية متطورة من طراز «ميسترال»، وقوله إنه يتمنى أن تصنع اثنتان منها في أحواض سان نازير في غرب فرنسا والاثنتان الأخريان في أحواض روسية بعد جولة مطولة من المباحثات مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف، نوعا من المفاجأة لدى المراقبين في العاصمة الفرنسية، الذين لم يكونوا يتوقعون قرارا فرنسيا بهذه السرعة.

وكان هؤلاء يستندون في قراءتهم إلى المعارضة الأميركية من جهة، وإلى تحفظ أطراف أوروبية من جهة أخرى، فضلا عن معارضة شديدة من دول البلطيق ودول أخرى مثل جورجيا وبولندا وغيرهما، لبيع باريس موسكو ذلك النوع من الأسلحة المتطورة. وبرر الرئيس الفرنسي الإسراع في الاستجابة المبدئية للطلب الروسي بأن موسكو لم تعد خصما لحلف الناتو بل إنها «شريك استراتيجي» وأنه لا تجوز معاملتها بطريقتين مختلفتين: التعبير عن الثقة بها عند الحاجة إليها، ورفض الاستجابة لمطالبها والتشكيك بها عندما لا يكون هناك حاجة إليها.

وتربط مصادر فرنسية واسعة الاطلاع بين قرار ساركوزي وبين رغبته في كسب تأييد روسيا لفرض عقوبات إضافية على إيران عبر قرار في مجلس الأمن الدولي، وتؤكد تقارير صحافية أن واشنطن أعدت مشروع قرار للعقوبات وزع على الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن. وترى هذه المصادر أن ساركوزي «يريد أن يكون رأس الحربة» لمنع إيران من استكمال ما يعتبره برنامجا نوويا ذا هدف عسكري محض.

وتعتبر باريس أن اجتذاب روسيا لصالح عقوبات إضافية على طهران، اشترط ميدفيديف أن تكون «ذكية» وألا تتسبب في مآس إنسانية للمدنيين الإيرانيين، سيكون له تأثيره على الطرف المعارض حقيقة في مجلس الأمن الدولي، وهو الصين. وتقول المصادر الفرنسية إن إقناع روسيا سيؤثر على بكين التي «يمكن استرضاؤها»، والتي سيكون «من الصعب عليها» أن تستخدم حق النقض ضد العقوبات الإضافية بل يمكن عندها الامتناع عن التصويت. غير أنها تؤكد أن الصين صوتت في الماضي لصالح خمسة قرارات، منها ثلاثة تم بموجبها فرض عقوبات «مخففة» على إيران. كذلك تعتبر المصادر الفرنسية أن اجتذاب روسيا سيؤثر على الأعضاء غير الدائمين في المجلس. ويحتاج تمرير القرار إلى عشرة أصوات مؤيدة مع امتناع الدول الخمس الدائمة العضوية وخصوصا الصين عن اللجوء إلى الفيتو.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن اللجوء إلى العقوبات «سيكون بمثابة إجراء اضطراري»، إذ إن طهران «تتابع التهرب من تحمل مسؤولياتها»، كما أنها مستمرة في انتهاك القرارات الدولية مشددة على «القلق» الذي أعرب عنه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية من جهة عدم قدرة الوكالة على ضمان «سلمية» البرنامج النووي الإيراني. وقال برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية، إن فرنسا «تضم صوتها» إلى صوت المدير العام أمانو، وتدعو إلى العمل بقوة من أجل دفع إيران للتعاطي الإيجابي مع الوكالة من جهة ومع مجلس الأمن من جهة أخرى.

وفي سياق مواز، وتعليقا على حديث أمانو عن سورية، التي اعتبر أنها لا تتعاون كفاية مع الوكالة لتوضيح موضوع موقع الكبر، دعت باريس السلطات السورية إلى «التعاون التام» مع الوكالة الدولية لجلاء كامل نقاط الاستفهام الخاصة بالبرنامج السوري في إشارة خفية إلى حاجة دمشق لاستقبال مفتشي الوكالة.

إلى ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أمس في باريس إن الخيارات الدبلوماسية لتفادي فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي «لم تستنفد بعد».

وقال لافروف للصحافيين خلال زيارة للعاصمة الفرنسية باريس «سنركز كل جهودنا للتوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية. هذه الجهود لم تستنفد بعد». وأوضح لافروف أن تصريحاته تتفق مع تصريح للرئيس الروسي قال فيه إن موسكو ستؤيد فرض عقوبات جديدة على إيران طالما لا تتسبب في خلق أزمة إنسانية.

وعقب اجتماع مع ساركوزي قال ميدفيديف غنه ما يزال يأمل في تجنب إجراءات عقابية جديدة، بيد أنه أضاف أن روسيا لن تنتظر للأبد كي تبدي طهران التي يتهمها الغرب بتطوير أسلحة نووية تعاونا. ومن المتوقع أن يناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسودة قرار عقوبات رابع في غضون الأسبوع الحالي. وتوقع بعض الدبلوماسيين الغربيين أن تحتوي المسودة على تشديد «رمزي» للعقوبات ضد أصول تملكها الحكومة الإيرانية.

وفي واشنطن صرح المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس بأن الإيرانيين «لا ينوون على ما يبدو الوفاء بمسؤولياتهم» في ما يتعلق ببرنامجهم النووي، معتبرا أن موقفهم هذا «مثير للقلق». وقال غيبس أمس «الإيرانيون يظهرون للعالم أجمع أنهم لا ينوون الوفاء بمسؤولياتهم. وهذا أمر يدعو للقلق».

إلا أنه يبدو أن الصين لم تغير رأيها على الرغم من الضغط الغربي، إذ تمسكت الصين بموقفها القائل بأن الدبلوماسية هي أفضل الطرق لحل المواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي، في الوقت الذي وصل فيه أمس دبلوماسيان أميركيان إلى العاصمة بكين لإجراء محادثات بشأن الطموحات النووية لإيران وكوريا الشمالية. وأجرى جيمس ستاينبرغ نائب وزيرة الخارجية الأميركية وجيفري بايدر كبير مديري مجلس الأمن القومي لشؤون آسيا محادثات أمس مع المسؤولين الصينيين. وستاينبرغ هو أرفع دبلوماسي أميركي يزور بكين منذ توتر العلاقات بين البلدين إثر تفجر نزاعات حول التجارة والتيبت وصفقات أسلحة مع تايوان.

وتعتبر قضية إيران أيضا من القضايا الشائكة في العلاقات الأميركية الصينية.

وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشين قانغ أمس، إلى أن حكومته ستحرص على أن تأخذ كل الوقت الذي تحتاجه للتفاوض بشأن المسألة النووية الإيرانية.

وقال في مؤتمر صحافي معتاد في بكين «نعتقد أنه ما زالت هناك فرصة للجهود الدبلوماسية وعلى الأطراف المعنية تكثيف تلك الجهود». ولم تكشف وزارة الخارجية الصينية عما تريد أن تحققه من خلال المحادثات مع ستاينبرغ لكنها أشارت إلى أن الجانب الأميركي هو الذي طلبها واكتفت بالقول أن الجانبين سيبحثان «قضايا متعلقة بالعلاقات الصينية الأميركية».