وثيقة أميركية ترصد تدخلات إيران في انتخابات العراق

مسؤول في البنتاغون: المعلومات تشير إلى زيادة نفوذهم في هذه الفترة.. ومسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: الاتهامات تعبر عن إفلاس ولقاءاتنا بالمسؤولين العراقيين علنية

أحمد الجلبي يستمع إلى مرشحة في تجمع انتخابي ببغداد (إ.ب.أ)
TT

الحديث عن دور إيراني مزعوم في العراق يختلف من طرف عراقي إلى آخر، لكن ما هو مؤكد ومحتوم من غالبية الأطراف والقوى السياسية بأن هناك تدخلا إيرانيا يتخذ شكلا سلبيا في الكثير من الأحيان، عكس ما يروج له الإيرانيون بأن تدخلهم إيجابي وفيه خدمة للعراقيين.

وفي أميركا، وبينما الحديث عن الدور الإيراني في العراق ليس جديدا في الأوساط السياسية الأميركية، فقد كثرت في الآونة الأخيرة التحذيرات من خطر التأثير الإيراني على الانتخابات.

وحصلت «الشرق الأوسط» على وثيقة أميركية تم إطلاع أطراف عراقية عليها تفيد بمعلومات استخباراتية حول الدور الإيراني في الانتخابات وجهود طهران للتأثير على سيرها. وبينما يتبع المسؤولون الأميركيون سياسة حذرة في التعليق على هذه القضية، شهدت الأيام الماضية تصريحات أميركية واضحة حول الدور الإيراني. وأطلقت تصريحات قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال راي أوديرنو، شرارة التصريحات العلنية الأميركية حول الدور الإيراني بإعلانه وجود «معلومات استخباراتية» تثبت التدخل الإيراني. وأكدت مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط» وجود مخاوف من التأثير الإيراني على الانتخابات، مع الإقرار بوجود تأثير من دول أخرى، ولكن يبقى الثقل الإيراني أكبر. وتعتبر واشنطن أن «الوطنية العراقية» هي الرادع الأول والأساسي لمواجهة محاولات إيرانية للتأثير على الانتخابات، بالإضافة إلى منع دول أخرى من التأثير عليها.

وقد قدم مسؤولون أميركيون معلومات لقادة سياسيين عراقيين حول التدخل الإيراني في الآونة الأخيرة لتسليط الضوء على خطر تبعات هذا التدخل. وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة من وثيقة تشمل تلك المعلومات التي تركز على التمويل والدعم الإيراني لبعض الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى العلاقة بين أحمد الجلبي، رئيس هيئة المساءلة والعدالة، وإيران.

وأفادت الوثيقة بأن الجلبي التقى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضمن سلسلة من الاتصالات التي قام بها مع مسؤولين إيرانيين. ورصدت الوثيقة التحركات الإيرانية الأخيرة، بما فيها احتلال حقل الفكة النفطي على الحدود العراقية - الإيرانية، التي «تضر بالسيادة العراقية» بموجب الوثيقة. وأضافت الوثيقة أنه بعد انسحاب القوات الإيرانية من الأراضي العراقية ظهر أن «أدوات حفر أقيمت على الطرف الإيراني من الحدود مما يظهر أن إيران كانت قد تقوم بعمليات حفر». وترصد الوثيقة أيضا إمكانية طلب إيران تعويضات حرب من العراق بعد تشكل الحكومة المقبلة، من جراء الحرب العراقية - الإيرانية. وأفادت الوثيقة بأن «المسؤولين الإيرانيين يشيرون إلى أن طهران ستطالب بتعويضات حرب بعد الانتخابات العراقية الوطنية».

وأوضح ناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لـ«الشرق الأوسط» أن «الإيرانيين يسعون إلى التأثير على العراق من خلال طرق مختلفة وهذا أمر معروف، ولكن من المهم أن لا يحدد التأثير الإيراني مستقبل العراق». وأضاف: «هناك معلومات استخباراتية في حوزتنا حول التدخل الإيراني ولكن لا نريد نقاش المزيد من المعلومات الاستخباراتية، يكفي القول إنهم يبذلون جهودا لفرض نفوذهم في أي مجال يستطيعونه»، مشيرا إلى أن «المعلومات تشير إلى زيادة نفوذهم خلال هذه الفترة».

وخلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين في واشنطن يوم 16 فبراير (شباط) الماضي، قال الجنرال أوديرنو إن جهود الجلبي وفيصل علي اللامي، المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة، لمنع مشاركة بعض المرشحين في الانتخابات تأتي بتأثير إيراني. وقال أوديرنو: «من الواضح أن اللامي والجلبي متأثران بإيران.. لدينا معلومات استخباراتية مباشرة تقول ذلك لنا ولقد أجريا لقاءات واتصالات في إيران». وأضاف: «نحن نؤمن بأنهما بالتأكيد يؤثران على الانتخابات». وتابع أوديرنو: «من الواضح أن هناك دولا كثيرة لديها الكثير من الاهتمام حول كيف تسير الأمور في العراق.. بعضها لا تريد نجاح العملية الديمقراطية.. كما أن دولا أخرى تريد التأثير على العراق وإحلال حكومة ضعيفة تستطيع السيطرة عليها والسيطرة على نمو العراق، كي لا تتحداهم». ويحاول المسؤولون الأميركيون إبقاء الانتخابات في إطار خيار الشعب العراقي مع إظهار نجاح سياساتهم في البلاد. وأوضح أوديرنو: «نريد الانتخابات أن تكون حول العراق لا حول دول أخرى.. والشعب العراقي يعرف ذلك ويريد ذلك، ولكن السياسيين ربما لا يعرفون ذلك بعد».

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالجلبي ولم تتلقى ردا وكان الجلبي قد نفى عبر البريد الإلكتروني، في مقال نشرته «الشرق الأوسط» يوم 26 فبراير (شباط)، الماضي للكاتب ديفيد أغناتيوس، اتهامات أوديرنو بأنه يعمل لحساب إيران، وقال: «تظهر مثل هذه الاتهامات من وقت إلى آخر على السطح، في كل مرة نتخذ فيها مسارا يتعارض مع الأجندة السياسية الأميركية.. مع ذلك نغفر للجنرال أوديرنو، لأنه من ألقى القبض على صدام».

وتأتي التصريحات الأميركية حول التدخل الإيراني في العراق، في وقت تسير السياسة الأميركية في اتجاه فرض المزيد من الضغوط على إيران، إذا كان في سياق برنامجها النووي أو الدور الإيراني في المنطقة. وأوضح الناطق باسم البنتاغون بأن الولايات المتحدة تبذل جهودا لـ«الضغط على إيران للسماح بتطور الديمقراطية في العراق». وأضاف أن المسؤولين الأميركيين أخذوا يسلطون الضوء بشكل مستمر على الدور الإيراني في العراق، مضيفا أن طريقة مواجهة هذا الدور من خلال التصريحات العلنية حولها بالإضافة إلى «تمكين الشركاء العراقيين وتقويتهم». وأوضح: «في النهاية الوطنية العراقية هي التي ستقاوم النفوذ الإيراني».

وتحدثت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مباشرة عن التدخل من دول جوار العراق في الانتخابات العراقية وليست فقط إيران، إلا أنها أوضحت في شهادتها أمام الكونغرس الأسبوع الماضي أن الدور الإيراني يثير القلق أكثر من دول أخرى. وقالت كلينتون: «من دون شك، إيران ليست الوحيدة بل دول جوار أخرى تحاول أن تؤثر على الانتخابات، لكننا قلقون أكثر شيء من التصرفات الإيرانية»، مشيرة إلى النفوذ الإيراني لدى عدد من الكيانات العراقية. ولكن اعتبرت كلينتون أن «العراقيين وطنيون ولديهم العزيمة للوقوف في وجه إيران، فيما عدا العراقيين الذين لديهم أجندة خاصة». ولفتت إلى أنه «من غير الممكن التكهن حول نتائج الانتخابات، ونحن نريد أن نضمن أكبر مشاركة ممكنة من أجل التخفيف من التأثير الإيراني».

وأمام الولايات المتحدة معضلة فيما يخص الحديث عن التدخل الإيراني في الانتخابات العراقية، فهي من جهة تريد أن تثبت نزاهة وشفافية الانتخابات من أجل ضمان الدعم للحكومة العراقية المقبلة، ولكن من جهة أخرى تريد تسليط الضوء على التدخل الإيراني للضغط على إيران. وقال الناطق باسم البنتاغون إن «تصريحات الجنرال أوديرنو المباشرة أثارت انتباه الكثير منا لأنه من النادر أن يتحدث مسؤول رفيع المستوى مباشرة عن المعلومات الاستخباراتية». وبعد تصريحاته الأولية حول علاقة إيران بالجلبي، أوضح أوديرنو في لقاء مع مجموعة من الصحافيين في واشنطن عبر دائرة تلفزيونية أنه «بناء على المعلومات الاستخباراتية من الواضح أن لديهم روابط مع إيران». وأضاف: «بسبب الموقع الجغرافي (للعراق) وبسبب مصادره الطبيعية وبسبب قدراته الفكرية كل الدول في الشرق الأوسط مهتمة بما يحدث داخل العراق»، موضحا: «نحاول أن نضمن للعراقيين خيار من يقود العراق، وأن لا تصل التدخلات الخارجية إلى درجة أن لا يكون لدى العراقيين فرصة اختيار قيادتهم». وحدد أوديرنو: «3 مجالات تستخدمها إيران لمحاولة التأثير على النتيجة في العراق» هي «الاستثمار في العراق والاستثمار في بعض المؤسسات والبنوك، وهم ما زالوا يعلبون دورا في دعم جهات داخل العراق تواصل هجماتها ضد القوات الأميركية والعراقية». وتابع: «ما زالت لديهم حركة دبلوماسية مهمة داخل العراق على مستويات عدة»، مما يثبت النفوذ الإيراني.

ومن اللافت أن الأميركيين يسلطون الضوء على الدور الإيراني في العراق في وقت يؤكدون عزم واشنطن على بناء علاقات طويلة الأمد في العراق ومصلحتها بعيدة الأمد فيه. وتشدد الإدارة الأميركية على أن استعدادها لسحب نحو نصف قواتها من العراق بحلول أغسطس (آب) المقبل ليصبح عددها 50 ألف جندي لا يعني تراجع نفوذها أو علاقاتها في البلاد. وقال السفير الأميركي في بغداد، كريستوفر هيل، خلال زيارته واشنطن: «نحن هناك على المدى البعيد، والذين يربطون اهتمامنا بالعراق مع وجود قواتنا فاتتهم النقطة بأننا مهتمون بعلاقة طويلة الأمد، والسفارة لدينا ترمز إلى هذه العلاقة».

وعبّر رئيس البعثة الأوروبية للعراق في البرلمان الأوروبي النائب ستروان ستيفنسون عن قلقه من التدخل الإيراني في الانتخابات النيابية العراقية، وقال: «لقد تلقيت عددا من الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية المثيرة للقلق بشكل كبير، وقد أكدت أسوأ مخاوفي. هناك تقارير أن الإيرانيين يرسلون بمئات الملايين من الدولارات لأماكن مختلفة في العراق لشراء الأصوات». وأضاف ستيفنسون، وهو من أسكوتلندا: «لقد نقل لي البعض أيضا أن هناك شاحنات تحمل صناديق اقتراع مملوءة من إيران وتنقل عبر الحدود إلى العراق». كما عبر عن قلقه من الأحداث الأخيرة التي حصلت حول منع نحو 500 مرشح من خوض الانتخابات، وقال إن هؤلاء هم «ضد الطائفية، ومن بينهم قادة أحزاب كبار مثل الدكتور صالح المطلك، والدكتور ظافر العاني».

وأضاف أنهم منعوا «بعد تلفيق اتهامات لهم بأنهم متعاطفون مع حزب بعثيي صدام حسين. في الواقع، الأمر الوحيد المشترك بين هؤلاء المرشحين هو معارضتهم الناشطة للتدخل الإيراني في السياسة العراقية». وأشار إلى أنه رفع القضية إلى وزيرة الخارجية الأوروبية الليدي كاثرين أشتون، وقال إن الاتحاد الأوروبي «لن يتساهل مع انتخابات ملفقة شبيهة بالمهزلة المخادعة التي حصلت في إيران في يونيو (حزيران) الماضي».

أوساط عراقية تؤكد من جهتها أن التأثير الإيراني في الانتخابات يهدف أساسا إلى إفشال العملية السياسية. ويقول النائب الليبرالي مثال الآلوسي، الذي يتزعم قائمة الأمة العراقية الانتخابية، إن عملية الانتخابات في بلاده إذا ما سارت بشكل هادئ ومن دون تزوير فسوف تحرج حكام طهران أمام شعبها الذي شكك منذ البداية في شرعية الانتخابات التي جرت في إيران العام الماضي، وتمخض عنها تجديد الولاية للرئيس الإيراني أحمدي نجاد». وقال الآلوسي لـ«الشرق الأوسط»: «إن إيران عاشت انتخابات قبل أشهر قليلة حصلت خلالها عملية تزوير قام بها الحرس الثوري الإيراني، ونتائج تلك الانتخابات أثارت الشارع الإيراني المعارض للحكومة الحالية، حيث خرجت المظاهرات المنددة بنتائج تلك الانتخابات وتم على أثرها اعتقال الكثير من المعترضين على نتائجها وتم إعدام البعض منهم»، مؤكدا أن نجاح الانتخابات العراقية سيضع الإيرانيين في موقف محرج أمام شعبها. وأضاف أن إيران «تستهدف الانتخابات» في العراق «من أجل إفشال العملية السياسية لكي لا يقال إن العراقيين خاضوا انتخابات أفضل»، مشيرا إلى أن «إيران مصدر للفتن والقلق وباتت تستثمر في العراق لدى ساسة يباعون ويشترون بسهولة».

وبشأن الاتهامات التي ساقتها واشنطن واتهمت فيها إيران بأن لها اليد الطولى في قرارات هيئة المساءلة والعدالة التي أبعدت مئات المرشحين من الانتخابات بدعوى صلاتهم بحزب البعث، قال الآلوسي: «هناك نفوذ أخطر لإيران وفي أماكن كثيرة ومنها المؤسسة الأمنية، وتحديدا في جهاز المخابرات، حيث تم مؤخرا نقل مسؤولين أمنيين تابعين لذلك الجهاز في مدينتي كربلاء والنجف من أجل التحضير لأجواء إثارة الفتن والفوضى عن طريق إصدار أوامر إلقاء القبض في حق أشخاص معينين». وأضاف: «لا نستغرب وجود أشخاص في مراكز مسؤولة قد وقع في شباك المخابرات الإيرانية.. لكن أخطر ما في الأمر أن تكون هناك نفوذا لا نستطيع تشخيصه، وهو أمر انتبه إليه العراقيون من خلال تشخيصهم الجهات التي تقع تحت هذا النفوذ». وعاد الآلوسي ليقول: «أقدم شكري الكبير إلى أحمدي نجاد وقاسم سليماني لأنهما شخصا الحقد من خلال استهدافهم الضباط والطيارين العراقيين».

لكن أطرافا وقوى عراقية أخرى، ترفض دائما الاتهامات التي تسوقها واشنطن حول وجود تدخل إيراني في الشأن الداخلي، ترد على مثل هذه الاتهامات ومن يطلقها من أطراف محلية وأركان في الإدارة الأميركية بالنفي القاطع، وتطالب الجهات التي تطلقها إلى إثبات ذلك بأدلة للرأي العام. ويرد علي اللامي على الاتهامات له وللجلبي بـ«تتنفيذ أجندات إيرانية» بالقول: «هذه الاتهامات كانت بدافع غرور القوة». وأضاف اللامي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأميركيين يعتقدون أنهم قاموا بتغيير النظام السابق واحتلال البلاد، وبالتالي فإنهم قادرون على تمرير أي مشروع على العراقيين.. لكن الذي حصل عندما منعوا من تمرير إرادتهم الأميركية على حساب القانون والدستور العراقي ثار غضبهم ظنا منهم بأنهم قوة لا يمكن لأي جهة الوقوف في وجهها»، نافيا «أن تكون له علاقة بأي شخصية إيرانية، أو أنه التقى بقادة إيرانيين مدى حياته، كذلك لم يرتبط بأي جهة إيرانية».

وطالب اللامي قائد القوات الأميركية «بتقديم الأدلة التي تشير إلى علاقته بإيران إلى القضاء العراقي وفي حال عدم تقديمه، أطالبه بسحب كل الاتهامات وخلافه فإنني سأقاضيه أمام القانون العراقي بتدخله السافر في الشأن العراقي وإطلاقه اتهامات باطلة في حق المسؤولين في هيئة المساءلة والعدالة».

وكان الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، قد قال في تصريح في 11 فبراير (شباط) الماضي رفضه العلني لعودة البعثيين ومشاركتهم في الانتخابات القادمة، رافضا محاولات الأميركيين بإعادة البعثيين للمشاركة في العملية السياسية في العراق، وهو ما دفع قيادات سياسية عراقية إلى انتقاد نجاد على تصريحاته.

من جهتها تبدو بريطانيا أكثر حذرا في توجيه اتهامات مباشرة لإيران حول تدخلها في الانتخابات، على الرغم من أنها اعترفت بأن التدخل الإيراني في العراق منذ عام 2003 «ليس سرا»، بحسب ما قالت كاثرين أونيل، الناطقة باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط». وأكدت الخارجية البريطانية أن القيادات العسكرية الأميركية والبريطانية يعقدون اجتماعات دورية في بغداد والبصرة وأربيل لمناقشة القضايا الآنية، وأن النقاشات لا شك تطرقت إلى قلق الأميركيين من تدخل إيران في الانتخابات. لكن أونيل رفضت التعليق على مضمون النقاشات، أو على التقرير الاستخباراتي الذي تحدث عنه البنتاغون، وقالت إن لندن «لا يمكنها أن تعلق على معلومات استخباراتية».

وتراهن بريطانيا على «رفض أغلبية العراقيين للتدخل الخارجي لأن غالبية العراقيين غير مهتمين بارتباطات السياسيين في الخارج، بقدر ما هم مهتمون بما يمكن أن يقدمه السياسيون للعرق والسياسات التي سيعتمدونها لدفع البلاد إلى الأمام»، كما قالت أونيل. وأضافت: «من الواضح أن معظم العراقيين يعتبرون التدخل الخارجي غير مقبول، ولذلك لا أحد سيربح أصواتا إذا ربط نفسه بإيران مباشرة في هذه الانتخابات.. ويبدو أن معظم العراقيين قد اتخذوا قرارهم بالتصويت لهؤلاء السياسيين والأحزاب الذين يمثلون المصلحة الوطنية لا مصلحة آخرين».

وتعتبر لندن «العملية الديمقراطية التي تحصل في العراق اليوم هي أفضل طريقة لضمان عراق مستقل وسيد وحر من أي تدخل خارجي». وعلى الرغم من أنها لا تنفي أن التدخل الإيراني في العراق ليس سرا كبيرا منذ عام 2003، ولكنها تعتقد «أن تطور العملية الديمقراطية في البلاد، وانسحاب القوات الأجنبية من العراق، تقوض أي مبرر لمثل هذا التدخل». وترى أن السياسيين العراقيين «هم اليوم في وضع أفضل بكثير للابتعاد عن التدخلات الخارجية واعتماد طريق أكثر استقلالية». ولكن في المقابل تشجع بريطانيا على علاقات صحية بين العراق وبلدان الجوار. وتحدثت أونيل عن «علاقات قوية» موجودة أصلا بين إيران والعراق، وقالت: «هناك مئات الآلاف من الزوار يسافرون إلى العراق من إيران كل عام، نريد أن تكون للعراق علاقات قوية ومتعاونة مع جيرانها لأن هذا يفيد العراق.. ولكن يجب أن يتم ذلك عبر وسائل شرعية وشفافة، وهذا ليس فقط مع إيران ولكن مع كل الجيران».

وتفضل بريطانيا عوضا عن التركيز على التدخل الإيراني، التشديد على فرصة العراق اليوم لتعزيز استقلاله، وتعتبر أنه «في وضع جيد الآن ليقوم بذلك، والبلدان الأخرى التي تحاول التدخل قد تجد أن الأمر سينقلب عليها».

من ناحيتها ترفض إيران الاتهامات لها بالتدخل في الانتخابات العراقية أو دعم مرشحين قريبين منها بالمال أو بالضغط السياسي. وقال مسؤول حكومي إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتهامات لنا بالتدخل في الانتخابات لتقوية جناح على حساب جناح آخر تعبر عن إفلاس وهى ليست جديدة. نحن حريصون على أن تكون لنا علاقات جيدة مع الجميع. الكلام إننا ضد بعض السنة تروجه أطراف عراقية وأميركية للخروج من مآزق داخلي يريدون تحميل إيران مسؤوليته». ورفض المسؤول الحكومي الإيراني الحديث عن زيارات مسؤولين عراقيين لطهران، من دون أن يسميهم، واستخدام ذلك للتأثير السياسي على الانتخابات. وأضاف: «من قصر النظر استخدام تلك الزيارات دليل إدانة لأي سياسي عراقي أو لطهران. هذا شيء مضحك، فتلك اللقاءات علنية وهدفها معروف ولا تخدم إلا تحسين العلاقات العراقية - الإيرانية. وهناك سياسيون عراقيون يسافرون إلى كل العواصم ولا يستخدم ذلك ضدهم أو ضد الدول التي يسافرون إليها. على الأميركيين الذين يروجون لتلك الاتهامات سؤال أنفسهم عن حجم تدخلهم هم في الانتخابات والأموال التي توزع من طرفهم أو من قبل أطراف أخرى تتحرك بالنيابة عنهم».