دعوة كرزاي لطالبان تخلق حالة انقسام واضطراب في أفغانستان

شائعات حول منح كبار المتمردين مناصب حكومية بارزة

TT

أثارت الدعوة العامة التي وجهها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي إلى طالبان لحضور مؤتمر سلام هذا الربيع خلافات واضطرابا في صفوف الكثير من العناصر الفاعلة داخل أفغانستان حول شكل وسرعة المفاوضات والهدف الذي ينبغي أن ترمي إلى تحقيقه في نهاية المطاف.

في الوقت الذي لا تزال القوات الأميركية والأفغانية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عملية كبرى بإقليم هلمند بجنوب البلاد وتستعد لشن أخرى في قندهار المجاورة، أعربت إدارة أوباما عن اعتقادها أن عقد محادثات مهمة ينبغي أن يرجئ حتى يتحول التوازن العسكري بصورة أقوى لصالح التحالف.

إلا أن الحلفاء البريطانيين للإدارة يبدون رغبة حثيثة في بدء المفاوضات عاجلا بدلا من آجلا، في ظل مواجهتهم معارضة داخلية قوية تجاه الحرب المستمرة منذ أمد بعيد. ويشارك بريطانيا هذا الموقف عدد من كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين الذين يتوقعون أن تشرع المفاوضات مع المتمردين في أخذ مسار جدي هذا العام.

وقال أحد المسؤولين العسكريين، رفض الكشف عن هويته: «لن أكون دهشا إذا ما شهدنا انضمام أعضاء من طالبان بالجنوب إلى البرلمان، وهو أمر ليس سيئا بالضرورة».

قد يرمي مثل هذه التعليقات إلى زرع الشكوك وإثارة الانقسام في صفوف الخصم، الأمر الذي يعد دوما أولوية لدى الطرفين في أثناء الحروب. من ناحية أخرى، هناك القليل من المؤشرات الملموسة التي توحي بأن أعضاء طالبان على استعداد للتفاوض، أو أنهم قد يقدمون على الانفصال عن نهج زعيم الجماعة محمد عمر. نفى المتمردون علانية أي اهتمام من جانبهم بالمفاوضات حتى رحيل القوات الأجنبية «الكافرة».

من ناحية أخرى، أشعلت دعوة كرزاي، التي أطلقها في أواخر يناير (كانون الثاني) خلال مؤتمر دولي حول أفغانستان انعقد في لندن، تكهنات واسعة النطاق حول أن الحديث عن المصالحة - الأمر الذي كان يُنظر إليه في ما مضى باعتباره إحدى أدوات حرب نفسية ووسيلة لممارسة ألاعيب سياسية - يمكن أن يثمر محادثات جادة، أو أنه ربما أدى إلى ذلك بالفعل. وقد ذاعت في كابل شائعات على هذا الصعيد، مع تحذير منظمات حقوق الإنسان الأفغانية من أن كرزاي ينوي إصدار عفو بشأن أعداد لا تحصى من جرائم طالبان وأن يولي كبار المتمردين مناصب حكومية بارزة.

من جانبها، علقت سيما سمر، التي تترأس «لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة»، بالقول: «أعتقد أن هذا إضفاء لطابع قانوني على الحصانة ضد المساءلة، فلا أحد يحاسب، لا عن الجرائم الماضية ولا عن الأخرى المستقبلية. وبذلك يصبح في مقدور أي شخص الانضمام إلى الحكومة والتمتع بالحماية».

من ناحية أخرى، لمّح بعض كبار المسؤولين الباكستانيين إلى أن مسؤولين أميركيين أو أفغان كانوا على اتصال بالملا عبد الغني بردار، القائد العسكري الثاني في طالبان، قبل إلقاء القبض عليه الشهر الماضي خلال عملية استخباراتية باكستانية - أميركية بمدينة كراتشي. في المقابل، نفى مسؤولون أميركيون عقد أي اتصالات بطالبان، مؤكدين أنه لو كان هناك من يجري مثل هذه الاتصالات، فإنهم الباكستانيون الذين عُرف عنهم التلاعب بطرفي الحرب بما يخدم مصالحهم.

وقد اشترط هؤلاء المسؤولون وغيرهم عدم الكشف عن هويتهم، تجنبا لإثارة اعتقاد بأن التحالف يتدخل في ما وُصف بأنه شأن داخلي أفغاني.

وأعلن بعض أعضاء التحالف، انطلاقا من خشيتهم أن يسفر الاندفاع نحو الحوار في زعزعة استقرار الحكومة الأفغانية الهشة، أن بريطانيا ضغطت على كرزاي للتحرك على ما هو أبعد عما كان ينويه خلال مؤتمر لندن، وهو اتهام نفاه مسؤول بريطاني «بصورة قاطعة»، وأردف موضحا أن «ما كنا نبغيه استغلال هذا المؤتمر في خلق مساحة سياسية لعقد محادثات حول المصالحة»، وأعرب عن اعتقاده أن الاضطلاع بدور للمساعدة في عقد هذه المحادثات أيسر بالنسبة إلى بريطانيا منه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لأن الرأي العام البريطاني أكثر رغبة في الانسحاب من أفغانستان وأقل اهتماما بـ«أمور مثل حقوق المرأة». بعد أسبوع واحد من مؤتمر لندن، شرع كرزاي، على ما يبدو، في التحرك في هذا الاتجاه بالفعل. في رده على سؤال طرحته عليه مجلة «شبيغيل» الألمانية حول ما إذا كان يتصور إمكانية استقباله زعيم بـ«طالبان» في القصر الرئاسي، أجاب كرزاي: «يعد الملا عمر أفغانيا أولا وأخيرا، ونحن نرغب في عودة جميع الأفغان إلى أحضان الوطن... ونرحب بعودة جميع الأفغان إلى بلادهم، شريطة أن لا يكونوا أعضاء في (القاعدة) أو أي شبكة إرهابية أخرى». وأضاف كرزاي أن «نسبة ضئيلة» فقط من طالبان على اتصال بـ«القاعدة»، مضيفا أنه «حتى في المستويات العليا من القيادة، هناك أفراد لم يروا أسامة بن لادن قط ولا يدركون حتى ما تسعى وراءه (القاعدة)». ومثلما هو الحال مع غالبية حروب العصابات، يخوض الصراع الأفغاني مقاتلون تربطهم صلات عرقية وقبلية. وتعني هذه الروابط حتما اتصال الجانبين. وفي هذا الصدد، شرح ريتشارد سي هولبروك المبعوث الخاص لإدارة أوباما في ما يخص أفغانستان وباكستان، خلال زيارة لكابل الشهر الماضي أن «كل أسرة بشتونية في الجنوب لها أصدقاء أو أقارب في طالبان... بما في ذلك قيادات هذا البلد. هذا ليس سرا، وهم دوما على اتصال». إلا أنه شدد على أن الاتصال لا يعني حوارا جادا يجري.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»