حادثة تحرش تثير غضب الهنود وتدفع الحكومة لتغيير قوانينها

ضابط تملص من العقاب لعقدين رغم إساءته لفتاة ودفعها للانتحار

جيروترا يحمل صورة ابنته روتشيكا
TT

كانت لاعبة تنس موهوبة، تبلغ 14 عاما، وتتخذ من شتيفي غراف قدوة لها، وتأمل في أن تصبح لاعبة محترفة. كان هو مسؤولا بارزا في الشرطة، ورئيسا لنادي التنس داخل الولاية. أغراها بالقدوم إلى مكتبه، إذ وعدها بمدرب يساعدها على تحقيق أحلامها، وبعد ذلك تحرش بها جنسيا. هددت عائلة الفتاة روتشيكا جيروترا بتوجيه تهم ضد المسؤول البارز في الشرطة. ولكن، شنّ شامابا براتب سينغ راثور، الضابط البارز في شرطة ولاية هاريانا، حملة ترويع ضد روتشيكا. كانت حملة قاسية دفعتها في النهاية إلى الانتحار، بعد أن اتُهم أخوها، أشو، زورا بسرقة سيارات، وقال إنه تعرض للضرب والتعذيب داخل السجن.

وخلال هذا الوقت، ترقى راثور، الذي له علاقات قوية مع الكثير من السياسيين البارزين داخل الولاية، في مناصبه. وتقاعد عام 2002 عندما كان يشغل منصب رئيس شرطة الولاية.

لا تعد محنة روتشيكا جيروترا حادثا فريدا من نوعه، حيث تتعرض الفتيات داخل الهند للتحرش الجنسي طوال الوقت، وغالبا، ما يستخدم المسؤولون البارزون مكاتبهم لتجنب الادعاء ضدهم، لا سيما أن الإجراءات داخل المحاكم تتسم بالبطء، وتعاني هذه المحاكم، في الأغلب، من الفساد. ولكن، تعد هذه القضية دليلا على رفض الطبقة الوسطى داخل الهند يوما بعد آخر قبول حقائق يبدو أنها غير قابلة للتغيير، وتكشف عن استعدادهم لمواجهة هذه الحقائق.

وتجبر المحاكم، ومعها الرأي العام، الحكومة على اتخاذ إجراءات ضد أسوأ صور استغلال السلطة. وأصبح السعي من أجل إحقاق الحق في قضية روتشيكا رمزا على ضيق الطبقة الوسطى بهذه المنظومة التي تعاني من المشاكل. وعندما تم الاتصال براثور في منزله عبر الهاتف رفض مناقشة القضية، وقال: «لا أتحدث إلى وسائل الإعلام، وستبت المحاكم في هذه القضية».

في 11 أغسطس (آب) 1990، ذهب راثور إلى منزل إس. سي. جيروترا في بانشكولا، وهو أرمل ومدير بنك، ليتحدث معه عن ابنته روتشيكا. وقال راثور إن الفتاة لاعبة موهوبة ويمكن أن تتقدم بدرجة كبيرة من خلال التدريب الجيد. وفي اليوم التالي ذهبت روتشيكا إليه في مكتبه، وكانت معها صديقتها أرادنا. طلب راثور من الفتاتين الدخول إلى مكتبه، وبعد ذلك أرسل أرادنا خارج الغرفة. وعندما عادت بعد دقائق قليلة رأت راثور يندفع بجسمه ناحية روتشيكا. وفوجئ راثور، وترك الفتاة لتجري إلى خارج الغرفة. وبعدها، نظر إلى أرادنا وقال لها: «اطلبي منها التزام الهدوء، وسأقوم بكل ما تقوله»، وذلك حسبما أفاد به تقرير للشرطة.

وجدت أرادنا صديقتها روتشيكا تبكي في الخارج، وبينما كانتا في طريقهما إلى المنزل، فكرتا فيما يجب عليهما القيام به. ورغم سنهما الصغيرة، كانتا تعلمان أنه يمكن لضابط شرطة بارز مثل راثور بما له من سلطة أن يلحق الضرر بعائلتيهما، حسبما قالت. وقررتا التزام الصمت. ولكن، في اليوم التالي، استدعى راثور روتشيكا إلى مكتبه مرة أخرى. وكان يخشى أن تكون الفتاتان أخبرتا والديهما. ذهب جيروترا والعديد من جيرانه إلى منزل راثور ليواجهوه. وقال جيروترا إن كل ما كان يريده هو الاعتذار. ولكن، انصرف راثور في خلسة.

كتب جيروترا إلى المسؤولين الحكوميين البارزين في ولاية هاريانا، وفي البداية بدا أن الجميع سيأخذون القضية على محمل الجد. وحثه مدير الشرطة العام داخل الولاية آر. آر. سينغ على توجيه تهم جنائية ضد راثور. ولكن، لم توجه هذه التهم رسميا، وطبقا للقانون الجنائي الهندي، هناك مساحة كبيرة للشرطة تقرر خلالها النظر في القضايا من عدمه. وفي المقابل، بدأت حملة ابتزاز ضد روتشيكا وعائلتها.

أولا، طردت الفتاة من المدرسة. وقال مدير المدرسة الرومانية الكاثوليكية التي كانت تذهب إليها إنها طردت لأنها لم تدفع الرسوم. وحاول جيروترا دفع المقدار الصغير التي تجاوز الموعد المحدد، ولكن المدير رفض قبول المال.

وكشف تحقيق أجري بعد أعوام أن فتيات كثيرات، بينهن ابنة راثور، لم يسددن الرسوم التعليمية في موعدها، ولكن لم يتم فصلهن من المدرسة. وتعرضت روتشيكا للمطاردة في كل مكان تذهب إليه، وبدأت تنعزل في حياتها. وتوقفت القضية التي كانت مرفوعة ضد راثور، واستمر جيروترا في الإجراءات القضائية، ولكنه وجد جميع الأبواب موصدة في وجهه.

وبعد مرور ثلاثة أعوام، ألقي القبض على شقيق روتشيكا أشو، الذي كان يبلغ حينها 19 عاما وكان طالبا جامعيا، للاشتباه في سرقة سيارات، وأودع الحبس. وتعرض للضرب ولم يقدم له سوى الشاي والخبز لثلاثة أشهر، حسبما قال. وفي النهاية، أطلق سراحه بكفالة، وبكي جيروترا عندما رأى ابنه وقد بدا عليه الضعف وبالكاد يمشي. وأثر هذا الموقف في روتشيكا كثيرا. وسرعان ما ألقي عليه القبض مجددا، وحبس لأسابيع من دون مبرر. وفي 25 ديسمبر (كانون الأول) 1993، أتت الشرطة بأشو في منطقة عائلة جيروترا وجابت به الشوارع ويداه مغلولتان.

وبعد ثلاثة أيام، وجد جيروترا ابنته فاقدة الوعي في سريرها بعد أن تناولت سما، ثم ماتت في اليوم التالي عن 18 ربيعا.

وأطلق سراح أشو في اليوم التالي بعد أن ووري جثمان أخته في الثرى. وبعد ذلك وجد قاض أنه لا يوجد دليل على التهم المرفوعة ضده. ولكن، كان ذلك بعد أن تلاشت أحلامه بأن يصبح ضابطا في الجيش أو موظفا حكوميا بسبب الأعوام التي قضاها في النزاعات القانونية.

وسريعا سعى جيروترا إلى بيع منزله مقابل قيمة بسيطة من قيمته، وانتقل مع ابنه إلى ولاية أخرى. وبينما كانت حظوظ عائلة جيروترا تتراجع، كانت مسيرة راثور المهنية في تقدم. وترقى في عمله أكثر من مرة، وحصل على المنصب الأعلى في شرطة الولاية عام 1999.

ولكن، لم تنته قضية روتشيكا، فصديقتها أردانا ضغطت مع عائلتها لإتمام التحقيق في القضية. ومرت الأيام. وفي يناير (كانون الثاني) 2000، وبعد مرور نحو 10 أعوام على الحادثة، وجهت اتهامات ضد راثور بالتحرش جنسيا بروتشيكا جيروترا. وبعدها، استمرت المحاكمة قرابة 10 أعوام أخرى. وتولت الدفاع عن راثور زوجته، المحامية البارزة لدى المحاكم العليا.

في النهاية، وبعد مرور قرابة عقدين على حدوث الجريمة، أدين راثور في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2009 بالتحرش الجنسي ضد روتشيكا. وخفف القاضي الحكم الصادر ضده إلى ستة أشهر حيث إنه يبلغ من العمر 67 عاما. كما فرضت عليه غرامة قدرها 1000 روبية (22 دولارا). وأطلق سراح راثور بكفالة، ليقوم بالاستئناف ضد الحكم. وقام جيروترا وابنه برفع تهم جديدة ضد راثور لتورطه في سجن الابن. وتريد عائلتا جيروترا وأرادنا توجيه تهمة أشد ضد راثور وهي الدفع إلى الانتحار، قائلين إنه هو الذي دفع روتشيكا إلى الانتحار، وعقوبة هذه الجريمة السجن عشرة أعوام.

وبسبب قضية روتشيكا تخطط الحكومة الآن إلى تغيير إجراءاتها الجنائية، وسيتعين على ضباط الشرطة حاليا رفع التهم بناء على تصريحات الضحية وحدها في القضايا المرتبطة بجرائم جنسية، وهو الإجراء الذي يستهدف ضمان عدم الإفلات من التحقيق.

* خدمة «نيويورك تايمز»