مخاوف أميركية من أن تحرك إيران «عصائب أهل الحق» إذا لم تأت الانتخابات بما تشتهيه

فشل الولايات المتحدة في تحييد ميليشيا الخزعلي يهدد بتعقيد انسحاب قواتها من العراق

TT

ترك إخفاق الولايات المتحدة في تحييد جماعة شيعية مسلحة نافذة في العراق الفرصة لها للبقاء قوة خطرة تهدد هجماتها على القوات الأميركية بتعقيد خطط سحب هذه القوات، وفقا لمسؤولين أميركيين وعراقيين.

واختطفت جماعة عصائب أهل الحق أحد المتعهدين الأمنيين الأميركيين الشهر الماضي، ووفقا لمسؤولين أميركيين فإنه يبدو أن أعضاء الجماعة يشكلون تحالفات مع ميليشيات شيعية أخرى لمهاجمة المنطقة الخضراء في بغداد والقواعد العسكرية الأميركية بالصواريخ.

وحتى العام الحالي، كان قائد الجماعة قيس الخزعلي في معتقل أميركي، ولكن أطلق سراحه بعد مفاوضات مع المسؤولين الأميركيين والعراقيين تركت أملا لدى الولايات المتحدة في أن يعلن الخزعلي نبذه العنف ودمج رجاله في النظام السياسي وإزالة جماعته من القائمة الطويلة لمهددي القوات الأميركية.

ولكن يبدو أن إطلاق الخزعلي لم يسهم سوى في تعزيز سلطته، علما أنه كان في وقت سابق نائبا للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، قبل أن يتزعم واحدة من أكثر الميليشيات الشيعية تنظيما وتدميرا في العراق وتربطها صلات وثيقة بإيران. كما أطلقت محاولة المصالحة مع جماعة الخزعلي رسالة تحذير في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة أن تحيد الجماعات المتمردة ليس فقط في العراق، ولكن في أفغانستان وفي كافة الأماكن الأخرى.

الرواية حول محاولة القوات الأميركية حث جماعة عصائب أهل الحق على نبذ العنف، تم استقاؤها من الحوارات التي أجريت مع سامي العسكري، النائب البرلماني العراقي الذي كان يمثل الحكومة في تلك المفاوضات، بالإضافة إلى مسؤولين عسكريين أميركيين عززوا روايته.

فمن جهته، يقول البريغادير جنرال، رالف بيكر، القائد العسكري في بغداد بشأن قوات الخزعلي: «سوف يحاولون استهداف القوات الأميركية أثناء عمليات الانسحاب، كي يُنسب لهم جزء من الفضل في إخراج القوات الأميركية من العراق».

يذكر أن الخزعلي، في أواخر الثلاثينات، وهو رجل معسول اللسان وعقلاني، درس على يد والد الصدر، آية الله محمد صادق الصدر، كما كان الخزعلي نائبا للصدر الشاب، عندما بدأ جيش المهدي التابع له في قتال الجيش الأميركي بعد الغزو تحت قيادة الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2003، ولكنه انفصل عن الصدر عام 2004. وفي ذروته، كان لجيش المهدي عشرات الآلاف من المقاتلين الذين يرجعون للقادة الأعلى منهم، ولكن قوته تراجعت، بتراجع فعالية الصدر. وعلى الأقل خلال العامين الماضيين، كان جيش المهدي يتراجع في الكثير من الجوانب أمام الجماعات المنشقة مثل جماعة عصائب أهل الحق، التي يقول المسؤولون الأميركيون إن أعضاءها تلقوا التدريب وحصلوا على المال والسلاح من إيران في إطار جهود طهران لشن حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة على الأراضي العراقية.

وقد أصبحت جماعة عصائب أهل الحق تمثل تهديدا خطيرا للمسؤولين الأميركيين في يناير (كانون الثاني) 2007، عندما أعدمت 5 جنود أميركيين يتمركزون في مبنى حكومي في مدينة كربلاء الجنوبية، وبعد ذلك، وفي نفس العام، اختطفت الجماعة مواطنا بريطانيا يعمل كمستشار في وزارة المالية العراقية، بالإضافة إلى حراسه الأربعة البريطانيين، كما استخدمت القنابل المفخخة والصواريخ القوية لمهاجمة القوات الأميركية.

وكان الخزعلي ضمن أعضاء الجماعة الذين حاصرهم الجنود الأميركيون في أواخر 2007 خلال عملية كربلاء، ونظرا لنجاحهم في السيطرة على التمرد السني في العراق من خلال وضع عشرات الآلاف من المقاتلين على كشوف الرواتب الأميركية، كان القادة الأميركيون والبريطانيون يعتقدون أن بإمكانهم السيطرة بنفس الطريقة على جماعة الخزعلي الشيعية.

وفي خريف 2008، بدأ المسؤولون الأميركيون عقد اجتماعات مع الخزعلي ونظرائهم العراقيين بما في ذلك الشخص الذي قاد الخزعلي إلى وقف إطلاق النيران، والتفاوض بشأن إطلاق سراح أكثر من 450 شخصا من السجون الأميركية قال إنهم أعضاء في جماعة عصائب أهل الحق. وما زال نحو 200 من هؤلاء الرجال في السجون العراقية، ما أثار غضب الجماعة.

وقد أطلقت القوات الأميركية سراح الخزعلي في بداية يناير، وهو اليوم التالي لإطلاق سراح المتعهد البريطاني بيتر مور. ويقول المسؤولون العراقيون، إن تلك الأحداث شجعت الجماعة على أن تنظر إلى اختطاف الرهائن باعتباره وسيلة فعالة لإطلاق سراح المقاتلين.

ومن جهة أخرى، يعتقد المسؤولون العراقيون والأميركيون أن الخزعلي سافر إلى إيران بعد إطلاق سراحه، حيث تعيش أسرته هناك وتتمركز قيادات جماعة عصائب أهل الحق. كما أنه توقف عن الحديث إلى المسؤولين الأميركيين والجيش الأميركي. وتم انتهاك وقف إطلاق النيران خلال الأسابيع الستة الماضية.

وفي 17 يناير، احتجزت القوات الخاصة الأميركية والعراقية اثنين من الأعضاء في «عصائب أهل الحق»، خلال عملية في بغداد كانت تستهدف ميليشيا أخرى تدين بالولاء للصدر، يطلق عليها «لواء اليوم الموعود». وكان هؤلاء الرجال على قائمة المستهدفين لأعضاء «عصائب أهل الحق» التي كان يتداولها الجيش الأميركي. وبعد ذلك بأيام، تعرضت المنطقة الخضراء لهجمات صاروخية قوية، طال بعضها مباني السفارة الأميركية أو سقط على مقربة منها. وفي 23 يناير، تم اختطاف أحد الأميركيين الذين يعملون في فريق عمل عسكري يعمل على تحليل التوجهات الاجتماعية في العراق، وهي الحالة الأولى منذ ما يزيد عن عام. وقد بث موقع إلكتروني تسيطر عليه «عصائب أهل الحق» مقطعا مصورا للمختطف إيسا سالومي، ثم نشرت في الأيام الأخيرة مقالات تدعو الميليشيات الشيعية إلى نبذ الخلافات وإعادة إعلان التزامهم بقتال ما يعتبرونه الاحتلال المستمر للعراق.

وعلى الرغم من أنه لم يعد في عهدة الجيش الأميركي سوى عدد قليل من أعضاء «عصائب أهل الحق»، فإن المسؤولين الأميركيين والعراقيين يخشون أن تتزايد أعمال العنف بعد الانتخابات البرلمانية الأحد، خاصة إذا لم يحقق المرشحون الشيعة الذين تدعمهم إيران النتائج المرجوة، وتقول ماريسا كوشرين سوليفان، الأكاديمية بمعهد دراسات الحروب، التي تكتب بشكل متكرر حول الشيعة: «من المحتمل أن تدفع إيران الميليشيات الموالية لها لإثارة العنف إذا لم تحقق أهدافها من تلك الانتخابات، وتعد المخاطر عالية للغاية بالنسبة لإيران في تلك الانتخابات، وبالتالي فلن يكون مفاجئا إذا اتخذت إيران إجراءات تالية للانتخابات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»