براون: حرب العراق كانت صائبة.. ولكن أشعر ببعض الندم

رفض في شهادته أمام لجنة شيلكوت اتهامات بأنه لم يمول الجيش بالشكل الكافي عندما كان وزيرا للخزانة

غوردن براون أثناء وصوله إلى مركز الملكة إليزابيث الثانية للمثول أمام لجنة التحقيق في حرب العراق أمس (إ.ب.أ)
TT

استطاع رئيس الوزراء البريطاني، غودرن براون، أن يخرج، أمس، من جلسة الاستماع أمام لجنة التحقيق في الحرب على العراق، من دون أن يلحق بنفسه وبحزبه المزيد من الأضرار، قبل أسابيع قليلة على الانتخابات العامة في البلاد التي تنبئ نتائج الاستطلاعات بأنها ستكون متقاربة. وعلى الرغم من أن براون الذي مثل أمام اللجنة لأكثر من 4 ساعات، عبّر عن شيء من الندم حول حرب العراق، على عكس سلفه توني بلير، فإنه بقي متمسكا بصواب قرار الحرب. وعلى عكس بلير أيضا، لم يبد عليه التوتر قط طيلة فترة الجلسة، بل كان مرتاحا ويجيب بحزم.. يتهرب أحيانا من الأسئلة التي لا تعجبه بذكاء.

ولم ينس براون، أيضا عكس بلير، أن يوجه تحية إلى أهالي الجنود البريطانيين الذين قتلوا في العراق، في بداية الجلسة وفي نهايتها. وكان بلير قد تعرض لانتقادات كثيرة لتجاهله توجيه أي كلمة إلى أهالي الجنود، عندما مثل أمام اللجنة الشهر الماضي. ولكن براون، الذي يقود حزبه، حزب العمال، إلى الانتخابات العامة الشهر المقبل، كان أكثر مراعاة لصورته من بلير. ومما قاله: «كان قرار الحرب صعبا، وتطلب حكما جيدا وقيادة قوية، وقد تمت مناقشته كثيرا، وقسم البلاد.. ولكن أعتقد أننا أخذنا القرار الصائب». إلا أنه لم يتوقف هنا، بل تابع أنه يشعر بندم حول طريقة التعاطي مع بعض الأمور، وأضاف: «من بين الأمور التي أندم عليها هي أنني لم أدفع الأميركيين أكثر للتحضير لما بعد الغزو.. ربحنا الحرب في 7 أيام، لكن تطلب الأمر 7 سنوات لتحقيق السلام».

كما حاول رئيس الوزراء بذكاء أن يبعد نفسه نوعا ما عن بلير. وعلى الرغم من أنه دافع عن سلفه، وقال أنه اتخذ حينها القرارات الصائبة، فقد رسم صورة عن نفسه أنه لم يكن في طليعة آخذي القرار، ولو أنه كان في قلب صناعته. ولم يحاول أن يخفي أنه كان على اطلاع كامل على التفاصيل كافة التي أرادها قبل اتخاذ قرار الحرب، وأنه شارك في النقاشات، إلا أنه كان حذرا في وصف دوره في اتخاذ قرار الحرب. وكان براون مقربا جدا من بلير في فترة توليه الخزانة، وكان الرجلان يناقشان كل شيء. ولم ينف براون ذلك، لكنه نفى علمه بما دار بالتفصيل بين بلير والرئيس الأميركي جورج بوش في مزرعة الأخير في كراوفورد عام 2002، وهو اللقاء الذي يعتبر كثيرون أن بلير أعطى عهدا لبوش بأن بريطانيا ستكون إلى جانبه في غزو العراق.

وقال وهو يشرح سبب دوره في اتخاذ قرار الحرب وإلى ماذا استند: «لم أشعر يوما بأنني حرمت من معلومات أردت الاطلاع عليها، ولكن دوري لم يكن التدخل في المناقشات الدبلوماسية، بل أولا التأكد أن الأموال موجودة لتمويل الحل، وهذا ما فعلت. بالطبع نعلم اليوم أن المعلومات المخابراتية كان يجب أن يعاد تقييمها». واستند البرلمان عندما صوت تأييدا للحرب، إلى تقرير استخباراتي أكد أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، ويمكنه تشغيلها خلال 45 دقيقة، تبين فيما بعد أنها كانت تقارير خاطئة.

كما نفى أن يكون قد وضع شروطا على وزارة الدفاع حول الخطة العسكرية التي يجب اعتمادها، وفرض الخطة الأقل كلفة، وقال: «في يونيو (حزيران) 2002، تحدثت إلى وزير الدفاع حول ماذا نفعل في حال فشلت القنوات الدبلوماسية. وقلت لبلير إنه في الخيارات العسكرية التي تناقش، يجب ألا يكون التمويل عائقا. قلت إنه يجب مناقشة الخيار الأفضل لبلدنا، وإن كان سيكلف أكثر.. لم ننصحهم باعتماد خطة دون أخرى، لم يكن هذا دوري، بل قلت إنني سأدعم أي خطة تعتمد». وكان قادة عسكريون قد شهدوا أمام اللجنة في السابق، قالوا إن الجيش قدم 3 خطط يمكن لبريطانيا أن تدعم فيها الغزو الأميركي للعراق، وقد وقع الاختيار على الخطة الأكثر كلفة، التي تضم العدد الأكبر من الجنود، لأن بريطانيا ظنت أنها بذلك يمكن أن يكون لها تأثير أكبر في مسار الحرب.

ونفى براون بشكل قاطع الاتهامات الرئيسية التي وجهها إليه في السابق قادة عسكريون خلال فترة توليه وزارة الخزانة، حول عدم استجابته لطلبات الجيش بالمزيد من التمويل والمعدات، وكرر مرات عدة أنه أمّن لوزارة الدفاع جميع احتياجاتها، وقال: «كل طلب تقدم به القادة العسكريون إلينا، تمت الاستجابة له. لم نرد أي طلب قط. لا أعتقد أن أي رئيس وزراء يرسل جنوده للقتال من دون طمأنة الجيش أن لديهم المعدات الضرورية للقتال». وأضاف: «كلما جرى تقديم طلب لشراء آليات جديدة، كنا نقدمها لهم والأموال تدفع.. ولكن الأمر لا يعود إلي لاتخاذ القرارات العسكرية على الأرض حول استعمال آليات معينة».

وكانت اتهامات وجهت إلى براون بأنه خفض ميزانية شراء طائرات الهليكوبتر، وهو ما أدى إلى رفع عدد القتلى بين الجنود البريطانيين. إلا أن رد رئيس الوزراء على تلك الاتهامات جاء طويلا ومفصلا حول القوانين الخاصة بوضع الميزانية العامة. وأسهب في شرح وعرض أرقام من الميزانية، ليبرهن أنه لم يقتطع من حصة طائرات الهليكوبتر، حتى بدا معه كأن أعضاء اللجنة غير قادرين على اللحاق به أو فهم رده.

وكلفت حرب العراق وزارة الخزانة أكثر من 8 مليارات دولار، بمعدل مليار لكل عام. وقال براون إنه لم تكن هناك مشكلة في جمع الأموال، وإن وزارة الخزانة كان تدير بشكل جيد الحربين، في أفغانستان والعراق، في الوقت نفسه. إلا أنه أضاف أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي وصلت إلى بريطانيا هي التي وضعت ثقلا على وزارة الخزانة.

وبعد أربع ساعات ونصف من الحديث المفصل، بالأرقام والجداول، سأل رئيس اللجنة، السير شيلكوت، براون إذا ما كان لديه شيء يضيفه، فكرر توجيه تحية إلى أهالي الجنود البريطانيين، وإلى المدنيين الذين قتلوا في العراق. وأضاف: «لا أحد يريد الذهاب إلى الحرب، لا أحد يريد أن يرى أشخاصا أبرياء يقتلون، لا أحد يريد أن يرى جنوده يضعون حياتهم في خطر، لا أحد يريد أن يأخذ هذا القرار (الحرب) إلا في أفظع الأحوال.. لقد قلت إنني أعتقد أننا أخذنا القرار الصائب، للأسباب الصحيحة».