مستشارو أوباما يتجهون لإحالة مدبري هجمات سبتمبر إلى محاكم عسكرية

اللمسات الأخيرة على مراجعة قضية خالد شيخ محمد وأربعة من المتآمرين

خالد شيخ محمد
TT

أوشك مستشارو الرئيس أوباما على إعلان توصية بمحاكمة خالد شيخ محمد، الذي يزعم أنه العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أمام محكمة عسكرية، حسبما ذكر مسؤولون بالإدارة، في خطوة من شأنها اتخاذ اتجاه معاكس لخطة وزير العدل إريك إتش هولدر، بمحاكمة المتهم أمام محكمة مدنية في نيويورك.

والواضح أن مستشاري الرئيس يشعرون بضغوط متزايدة من قبل معارضة من داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمثول خالد شيخ محمد أمام محكمة فيدرالية، تطالب، خاصة الجمهوريين منهم، ببقاء محمد والمتهمين بالتآمر معه تحت مظلة الولاية القضائية العسكرية، حسبما أشار مسؤولون. يذكر أنه في الوقت الذي أبدى فيه أوباما تفضيله محاكمة بعض الإرهابيين المشتبه فيهم أمام محاكم جنائية كرمز لالتزام الولايات المتحدة بحكم القانون، شدد نقاد على أن المحاكم العسكرية تعد السبيل الأمثل للتعامل مع المتهمين بمهاجمة الولايات المتحدة.

حال قبول أوباما توصية مستشاريه المحتملة، ربما سيصبح البيت الأبيض في موقف يضمن له الحصول على التمويل والسلطة القانونية الضروريين من الكونغرس لإغلاق السجن العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو بكوبا، واستبداله بمنشأة داخل الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن الإدارة فشلت في الالتزام بالموعد الزمني الذي ألزمت نفسها به والمتمثل في عام واحد لإغلاق سجن غوانتانامو. وقال مسؤولو الإدارة، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لتناولهم مناقشات داخلية، إن المستشارين القانونيين للرئيس يعكفون على وضع اللمسات الأخيرة على مراجعتهم لقضايا محمد وأربعة من المتآمرين المزعومين معه.

وفي رده على سؤال حول سير العملية، قال روبرت غيبس، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، إنه «لم تتخذ قرارات بهذا الشأن بعد». بعيدا عن الأضواء، يستعد مسؤولو الإدارة لمواجهة جام غضب الليبراليين وبعض المحامين الحكوميين حال تراجع الإدارة عن وعودها باستغلال محاكم مدنية في البت في قضايا بعض محتجزي غوانتانامو الـ188 الذين لا يزالون محتجزين هناك. ومن جهته، علق الكولونيل بحري جيفري كولويل، محامي الدفاع الرئيسي لدى مكتب المحاكمات العسكرية في وزارة الدفاع، بقوله إنه سيكون «يوما حزينا بالنسبة لحكم القانون» إذا ما قرر أوباما عدم المضي قدما في عرض المحتجزين على محاكم فيدرالية. وأردف قائلا «كنت أظن أن قرار عرض هؤلاء الأشخاص على المحاكمة - سواء أمام محكمة فيدرالية أو أخرى عسكرية - نابع من فكرة اتباع الصواب، وليس السعي لتحقيق مكاسب سياسية». من ناحيتهم، قال مسؤولون بالإدارة إنه ربما يصدر إعلان في وقت قريب بهذا الشأن، وأعربوا عن أملهم في الانتهاء من هذه الخطط قبل سفر أوباما إلى إندونيسيا في 18 مارس (آذار) الحالي. وكان هولدر قد أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) أن محمد والمتهمين بالتورط معه سيحاكمون أمام محكمة فيدرالية في لاور مانهاتن، مشيدا بهذا القرار باعتباره «خطوة كبرى نحو الأمام في إطار جهودنا لإغلاق سجن غوانتانامو وإحقاق العدالة في التعامل مع هؤلاء الأفراد الذين تآمروا ضد أمتنا ومصالحنا بالخارج». من ناحية أخرى، أيد عمدة نيويورك، مايكل آر بلومبرغ، في البداية القرار، لكن عندما اندلعت حركة معارضة من صفوف المواطنين العاديين وارتفعت تقديرات التكاليف الأمنية بصورة حادة، انقلب بلومبرغ وعدد من قيادات الديمقراطيين في نيويورك ضد فكرة عقد محاكمة مدنية للمتهمين. واعترض آخرون على القرار انطلاقا من مخاوف تتعلق بالأمن القومي، مشيرين إلى أن عقد محاكمة في مانهاتن قد يغري الإرهابيين بشن هجوم جديد.

يذكر أن الاتهامات التي يعاقب عليها القانون بالإعدام الموجهة إلى محمد والمتهمين الأربعة معه سحبت من دون الإخلال، وأسقطت في 21 يناير (كانون الثاني)، الأمر الذي حسبه المدعون العسكريون تمهيدا لتحويل القضية إلى مانهاتن. إلا أنه بحلول فبراير (شباط)، كانت هناك معارضة شبه كاملة في صفوف النشطاء والمشرعين في كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري ضد عقد محاكمة هذه القضية في نيويورك. وفي إطار مقابلة أجرتها معه صحيفة «واشنطن بوست» في 11 فبراير (شباط)، قدم هولدر أول إشارة علنية لاستعداده العودة إلى نظام المحاكم العسكرية، حيث قال «في نهاية الأمر، بغض النظر عن القضية التي يجري النظر فيها أمام المحكمة، ما يجب أن نكفله أن تجرى المحاكمة بأكبر قدر ممكن من الشفافية ومع الالتزام بجميع القواعد. إذا ما نجحنا في ذلك، لا أعتقد أن مكان المحاكمة أو حتى نمطها بمثل القدر من الأهمية مثل ما يراه العالم في هذا الأمر». من ناحية أخرى، دخل كبار مستشارو أوباما في مفاوضات مع سيناتور ليندسي أو غراهام - أحد أبرز منتقدي محاكمة المشتبه في تورطهم في هجمات 11 سبتمبر أمام محاكمة مدنية - سعيا للتوصل إلى اتفاق يضمن الحصول على مساعدته في إغلاق معسكر غوانتانامو. من جهته، عمل غراهام على خلق إطار عمل قانوني من شأنه تحديد الكيفية التي ستتولى الحكومة من خلالها احتجاز ومحاكمة الأسرى في المستقبل، لكن مسؤولا في الإدارة حذر من أنه من غير المحتمل إبرام «صفقة كبرى» على هذا الصعيد في المستقبل القريب. وأضاف المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، أن المحادثات مع غراهام دارت في معظمها حول «قضايا محدودة» تتعلق بمحاكمة محمد ومستقبل معسكر غوانتانامو. وقال محامون عسكريون إن المدعين ليس بإمكانهم الإقدام ببساطة على إعادة بناء القضية التي أسقطتها الحكومة في يناير (كانون الثاني)، وسيكون لزاما عليهم إعادة استدعاء محمد والآخرين للشهادة. يذكر أنه يواجه المحاكمة مع محمد أربعة عناصر أساسية إرهابية أخرى مزعومة متورطة في هجمات 11 سبتمبر: رمزي بن الشيبة (يمني)، ووليد بن عتاش (يمني)، وعلي عبد العزيز علي، يعرف أيضا باسم عمار البلوشي (باكستاني) وهو ابن شقيقة محمد، ومصطفى الحوسوي (سعودي). وقد استدعي المتهمون الخمسة للشهادة أمام المحكمة للمرة الأولى في يونيو (حزيران) 2008. وأوضح مسؤول عسكري، رفض ذكر اسمه لعدم إصدار الإدارة بيانا رسميا حول القضية بعد «سنبدأ من الصفر مجددا، لكن لن يستغرق الأمر وقتا طويلا كي نصل إلى النقطة التي كنا عليها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»