إدارة أوباما تقف في صف أنقرة في معركة رفض «إبادة الأرمن»

بوادر أزمة بين البلدين إثر موقف لجنة بالكونغرس من الواقعة التاريخية

TT

دعت أنقرة أمس واشنطن إلى تعطيل قرار يعتبر مجازر الأرمن في عهد العثمانيين «إبادة» بعدما تبنته لجنة في مجلس النواب الأميركي مساء أول من أمس، محذرة من أن النص سيضر بجهود المصالحة التركية مع أرمينيا. وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، إن تبني لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هذا القرار، يثبت أن الإدارة الأميركية «لم تتدخل بشكل كافٍ» لمنع ذلك، وأضاف أن أنقرة «منزعجة للغاية» من التصويت. وتابع داود أوغلو في مؤتمر صحافي: «ننتظر من الإدارة الأميركية أن تبذل من الآن جهودا أكثر فاعلية» لمنع التصويت على النص في جلسة عامة. وأضاف «نأمل ألا تتعرض العلاقات التركية - الأميركية لاختبار جديد وإلا فإن الآفاق التي نواجهها لن تكون إيجابية».

وعبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس عن معارضتها ومعارضة الرئيس باراك أوباما على تبني لجنة الخارجية بمجلس النواب للقرار، ويأتي هذا على الرغم من أن أوباما كان قد عبر عن تأييده للموقف خلال حملته الانتخابية للرئاسة. لكن كلينتون أوضحت في مؤتمر صحافي خلال زيارتها إلى كوستا ريكا أن «الظروف قد تغيرت، عندما تولى الرئيس أوباما منصبه وصرت أنا وزيرة للخارجية، قررنا أن العملية التي تولاها السويسريون بشأن جلب الحكومتين التركية والأرمينية لطاولة (المفاوضات) مهمة وقررنا دعمها». وأضافت: «نعتقد أن هذه هي الطريقة الملائمة لمعالجة المشكلات التي وقفت في طريق التطبيع بين البلدين».

وكانت كلينتون قد اتصلت برئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب هاورد برمان عشية تصويت اللجنة التي وافقت على القرار بـ23 صوتا مقابل 22 معارضا. وقالت كلينتون: «لا أعتقد أنه يحق لأي دولة أن تحدد كيف تحل دولتان (أخريان) القضايا بينهما». وأشارت إلى أنها والرئيس أوباما أكدا خلال العامين الماضي والحالي أنهما «يعارضان أي تصرف من الكونغرس بهذا الشأن ويعتبرانه غير مناسب».

واستدعت تركيا سفيرها في واشنطن بعد تصويت اللجنة على القرار بـ23 صوتا مقابل 22، ويدعو النص الذي لا يتمتع بمفعول قانون، الرئيس الأميركي إلى أن «يصف بشكل دقيق التصفية المنهجية والمتعمدة لمليون و500 ألف أرمني، بإبادة». ويمكن أن يطرح القرار الآن للتصويت في مجلس النواب بأكمله. لكن هذه الخطوة المقبلة تتوقف على الرئاسة الديمقراطية للمجلس التي لم تدفع حتى الآن باتجاه تبنيه في جلسة عامة. وحتى الوزيرة كلينتون أكدت معارضتها لطرح القرار للتصويت، وقالت: «لا نعتقد أن الكونغرس سيعمل على هذا القرار»، مؤكدة أن الإدارة الأميركية قد «أوضحت لكل الأطراف المعنية» عدم مساندتها لهذا القرار.

ويذكر أن اللجنة نفسها كانت صوتت لصالح قرار مماثل عام 2007، لكنها لم تفلح بدفع المشروع في الكونغرس بعد جهود من إدارة الرئيس السابق جورج بوش، لعدم مصادقة الكونغرس عليه، وأوضح الناطق باسم الخارجية الأميركية، بي جي كرولي، أن الرئيس الأميركي اتصل بنظيره التركي الرئيس عبد الله غل و«عبر له عن تقديره لجهوده وجهود رئيس الوزراء أردوغان لتطبيع العلاقات في تركيا وأرمينيا». وأضاف أن أوباما عبر لغل عن أهمية المصادقة على البروتوكول الموقع بين تركيا وأرمينيا بسرعة لدفع العلاقات بين البلدين إلى الأمام. وأكد كرولي أن الإدارة الأميركية أوضحت للحكومة التركية موقفها من هذا القرار وعدم مساندتها له.

يذكر أن قرار اللجنة غير ملزم ولا يؤثر على السياسات الأميركية، لكن الأتراك ينظرون إلى القضية بحساسية، وقد يتخذون خطوات تؤثر على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وأوضح داود أوغلو أن أنقرة التي تعتبر شريكا استراتيجيا لواشنطن في الشرق الأوسط وهي عضو في الحلف الأطلسي، ستبحث اتخاذ إجراءات محتملة ردا على القرار الأميركي، لافتا إلى أن المشاورات مع سفيرها «قد تستغرق وقتا طويلا». إلا أنه حذر من أن هذا النص لا يمكن في أي من الأحوال أن يستخدم كورقة ضغط على تركيا في جهودها لتطبيع علاقاتها مع أرمينيا. وأكد داود أوغلو «لم نتخذ يوما قرارا تحت الضغط ولن نفعل ذلك»، موضحا أن تصويت اللجنة البرلمانية أدى على العكس إلى «خطر توقف» الجهود بين البلدين الجارين.

ويأتي التصويت بينما وقعت أنقرة ويريفان برتوكولين ينصان على إقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود بين البلدين، بينما تأخر برلماناهما في المصادقة على النصين. وفي اسطنبول، ندد نحو مائة متظاهر تجمعوا بدعوة من حزب قومي صغير بالقرار الأميركي وهتفوا: «اللعنة على الإمبريالية الأميركية» و«لم نرتكب إبادة، لقد دافعنا عن وطننا». ويتوقع تنظيم مظاهرات أخرى في المدن الكبرى. وأشادت أرمينيا أمس بتبني القرار، معتبرة أنه تقدم في النضال من أجل حقوق الإنسان. وقال وزير الخارجية الأرميني إدوارد نالبديان في بيان: «إننا نرحب كثيرا بالقرار، إنه دليل إضافي على تمسك الشعب الأميركي بالقيم الإنسانية العالمية وخطوة مهمة نحو تفادي الجرائم ضد الإنسانية».

ويمارس الأرمن ممثلين بجالية كبيرة في الولايات المتحدة، ضغوطا للاعتراف بالمجازر وعمليات الترحيل على أنها حملة «إبادة» أودت بحياة أكثر من 1.5 مليون منهم بين 1915 و1917. ولا تعترف تركيا سوى بمقتل 300 إلى 500 ألف أرمني سقطوا ليس في حملة إبادة بل خلال الفوضى التي عمت السنوات الأخيرة من عهد السلطة العثمانية. وهي ترفض وصف ذلك بأنه «إبادة»، العبارة التي أقرتها فرنسا وكندا والبرلمان الأوروبي.