العراقيون يختارون اليوم ملامح نظامهم الديمقراطي المستقبلي بين رجال الدين والعلمانيين

استطلاع للرأي يقدم علاوي على المالكي.. وعراقيون يؤكدون: نفضله وإن كان يميل نحو الشمولية

TT

عندما يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع اليوم سيقومون بما هو أكبر من مجرد انتخاب حكومة جديدة لإدارة دولة لا تزال تحاول جمع شتات نفسها بعد سبعة أعوام من الغزو الأميركي. وبعد أن تفرَز بطاقات الاقتراع سيكون الناخبون قد قدموا أول دليل حاسم على نوعية الديمقراطية التي يتوقع أن تضرب بجذورها في قلب الشرق الأوسط.

وبغض النظر عن المرشحين في الانتخابات، سيكشف العراقيون اليوم عن ما إذا كانوا يفضلون المرشحين الإسلاميين على العلمانيين أو المرشحين الميالين لنظام الحكم الشمولي بدل الملتزمين بمبادئ الديمقراطية.

إذا ما تمكن الفائزون في الانتخابات من تشكيل حكومة ينظر إليها على أنها شرعية وممثلة للشعب في وقت قصير، فستحظى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بفرصة أفضل في الوفاء بوعدها بالانسحاب من العراق وخفض عدد قواتها إلى 50000 جندي بحلول نهاية الصيف الحالي. أما إذا اعترض الخاسرون وتنافس الفائزون على المناصب السيادية في الإدارة الجديدة فسينزلق العراق إلى حالة الفوضى التي سادت قبل الانتخابات. يقول الرئيس العراقي جلال طالباني: «هذه انتخابات مهمة جدا، ستقرر مستقبل العملية الديمقراطية في العراق، فإما أن تتطور وإما أن تتوقف».

ويبدو المشهد السياسي العراقي أكثر تنوعا وانقساما عما كان ذي قبل، وليس أدل على ذلك من تنافس 6529 مرشحا من 86 كيانا سياسيا. وبرغم كثرة المرشحين فإن المرشحين ذوي الحظ الوافر كنوري المالكي - الشخصية المثيرة للجدل والذي لا يزال في الوقت ذاته شخصية بارزة تم تعيينه رئيسا للوزراء في 2006 كمرشح تفاوضي عرف على نطاق واسع أنه ضعيف ويسهل السيطرة عليه - قليلون. عوضا عن الانضمام إلى تحالف الأحزاب الدينية الشيعية التي أوصلته إلى السلطة، يدير المالكي تحالفه الخاص، دولة القانون، الذي تقرب إلى الناخبين عبر وعود الأمن وحكومة أكثر فاعلية. لكن العديد من الناخبين يقرنون المالكي بالوضع الأمني الهش والبنية التحتية المتداعية والفساد المستشري. وقد قام المالكي بمحاولته الأخيرة أول من أمس للدفاع عن حكومته واستقطاب المزيد من الناخبين، وقال: «حافظنا على وحدة العراق من التشرذم وحققنا مستوى عاليا من الأمن، ولم يعد العراق دولة محتلة». غير أنه في مقابلة مع قناة «سي إن إن» قال إنه قد يلجأ إلى الولايات المتحدة لتمديد بقائها في العراق إذا ما اقتضت الأوضاع. وأظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الديمقراطي الوطني الذي تموله الولايات المتحدة أن 43% ممن شملهم الاستطلاع ينظرون بإيجابية إلى المالكي فيما ينظر 47% إليه نظرة سلبية.

وأظهر الاستطلاع أيضا أن إياد علاوي المرشح الشيعي العلماني ورئيس الوزراء الأسبق والذي شغل المنصب لأقل من عام يحظى بقبول أكبر، فتشير النتائج إلى أن 54% من المستطلعين يظهرون تقديرا كبيرا له فيما قال 28% إنهم يكرهونه.

ويقود علاوي قائمة «العراقية» التي تتألف غالبيتها من السنة والأحزاب العلمانية ويقول المسؤولون الأميركيون والمحللون إن ظهور علاوي القوي في صناديق الاقتراع سيشير إلى أن العراقيين يفضلون السياسيين الراغبين في تجاوز الخطوط الطائفية والذين تنفصل لديهم الدولة عن الدين.

ونظرا لمقاطعتهم الانتخابات في عام 2005، يعول الكثير من العرب السنة على نجاح «العراقية» حتى تتمكن الأحزاب السنية من استعادة القوة من الأحزاب الشيعية التي ينظر إليها على أنها مدعومة من قبل إيران. ويرى بعض العراقيين المؤيدين لقائمة «العراقية» في إياد علاوي حاكما شموليا محتملا، وهو نمط من القيادة الذي يقول عدد كبير من العراقيين إنهم يفضلونه بعد سبع سنوات من القتل وانعدام القانون. وقالت أحلام عبود كريم، 33 عاما، بينما كانت تتسوق وسط بغداد: «إذا فاز علاوي سيصبح ديكتاتورا. وإذا كان هناك حاكم قوي فلن نكون بحاجة إلى الديمقراطية، فالقائد القوي هو الأفضل، ولن تفلح الديمقراطية في بغداد».

وقد فقدت «العراقية» أبرز مرشحيها الرئيسيين في عملية التطهير الأخير للمرشحين ممن كانوا على صلة بحزب البعث. وقد كان وراء عملية الإطاحة بهذه الرموز السياسية منافسون سياسيون من الائتلاف الوطني العراقي، الجبهة الدينية ذات الغالبية الشيعية. وعلى الرغم من الإبعاد يتوقع أن يرتفع إقبال السنة على عملية التصويت، فمن الممكن تغير الانتخابات من المشهد السياسي في معسكرين يسيطران على الحكومة الحالية.

أما الحزبان الكرديان الرئيسان فمهددان من قبل فصيل جديد يكتسب زخما كبيرا في الشارع يدعى «التغيير» القادر على الحد من قدرة الأكراد في العملية السياسية في بغداد التي أكسبتهم نفوذا كبيرا في نظام سياسي منقسم.

من ناحية أخرى يفتقد التحالف الشيعي، الذي يضم كل الأحزاب الشيعية التي شكلت الحكومة الأخيرة باستثناء تنظيم المالكي، مرشحا قويا لمنصب رئيس الوزراء. ويقول المحللون إن التحالف يتوقع أن ينقسم بعد الانتخابات حيث ستقام تحالفات جديدة ولا يمكن استبعاد وقوع قتال عنيف بين الفرقاء الشيعة.

وقد تواجه كلتا الكتلتين صعوبة في كسب المزيد من التأييد ممن فقدوا الثقة في البرلمان المعطل. فقد فشل المشرعون في التعامل مع بعض أهم القضايا السياسية التي تواجه البلاد كقانون النفط ومستقبل مدينة كركوك التي تشهد منافسة حامية بين العرب والأكراد.

قال محسن فنار داود، تاجر الحيوانات الأليفة في بغداد، إنه سيقترع اليوم لكنه متأكد أن النتائج سيتم التلاعب بها. وقال معبرا عن سخطه من نمط الديمقراطية في عراق اليوم: «الشعب العراقي بحاجة إلى رجل قوي مثل صدام حسين. لكن هذا هو المتاح أمامنا. إذا ما تركت بطاقتك الانتخابية فارغة فسوف تنتهك من قبل شخص آخر».

وقد بدأ تبادل الاتهامات بشأن التزوير في عملية التصويت والحرمان من الحقوق بالفعل. فقد شكا علاوي أول من أمس من أن أعضاء كتلته وآخرين تعرضوا لمضايقات واعتقل بل وقتل بعضهم. كما أبدى علاوي قلقه من طبع لجنة الانتخابات العراقية 7 ملايين بطاقة اقتراع إضافية يمكن استخدامها في تزوير الانتخابات. وحذر علاوي من إمكانية تعريض الانتخابات التي ينظر إليها على أنها مزورة أو غير شرعية استقرار العراق والمنطقة لتهديدات خطيرة.

وقال في مؤتمر صحافي «إذا ما استمرت الخروقات ووجدنا أنها وصلت إلى مستويات خطيرة فسوف نتخذ الإجراءات الملائمة للرد على ذلك». ولم يصرح علاوي بنوعية هذه الإجراءات، وأضاف: «لا يمكننا القبول بمصادرة الصوت العراقي».

*خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»