قوات أميركية خاصة لمساعدة الحكومة الصومالية في خطتها للسيطرة على مقديشو

مصدر أميركي توقع القيام بغارات جوية.. وهجمات برية خاطفة.. مسؤول في حركة الشباب لـ «الشرق الأوسط» : لدينا علم

TT

تجهز الحكومة الصومالية هجوما كبيرا لاستعادة السيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو، ويكفي أن تنصت إلى الصوت الخافت القادم من طائرة مراقبة صغيرة تحلق عاليا أثناء الليل لتعرف من يقوم بدعم هذا الجهد سرا. «إنهم الأميركيون. إنهم يساعدوننا»، هكذا قال الجنرال محمد جيلي كاهية، القائد الجديد للجيش الصومالي، وأضاف أنه قام أخيرا بتبادل خطط بشأن عمليات عسكرية مقبلة مع مستشارين أميركيين.

وقد تكون هذه المساعدة الأميركية مهمة بالنسبة للجهود التي تبذلها الحكومة الصومالية لإعادة تأكيد سيطرتها على العاصمة، وتحقيق شكل من أشكال النظام في دولة غارقة في الفوضى منذ عقدين من الزمان. وبالنسبة للأميركيين، تعد هذه المساعدة جزءا من استراتيجية مكافحة الإرهاب الرامية إلى حرمان تنظيم القاعدة من الحصول على ملاذ آمن، بعدما استفاد لسنوات من الفوضى داخل الصومال، وساعد على تحويل هذا البلد إلى نقطة جذب للجهاديين من جميع أنحاء العالم. وتشعر الولايات المتحدة بقلق متزايد بشأن العلاقة بين الصومال واليمن، التي تعد بؤرة متنامية للتطرف، حيث ينتقل المقاتلون ذهابا وإيابا بين البلدين عبر البحر الأحمر، فيما وصفه أحد المراقبين الصوماليين على أنه «برنامج تبادل للقاعدة». لكن يبدو أن هناك تحولا حقيقيا في السياسة الصومالية أيضا، وقد استوعب الأميركيون الحقيقة الصومالية التي استعصى عليهم فهمها لما يقرب من 20 عاما، وهي أنه إذا كانت الصومال في طريقها للاستقرار، فإن الأمر سيحتاج إلى صوماليين.

وقال جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية: «هذا ليس هجوما أميركيا. فالجيش الأميركي لا يتواجد على الأرض في الصومال. انتهى الأمر». وأضاف: «هناك حدود للاشتباك في الخارج، ويجب أن يكون هناك قدر كبير من الإدارة المحلية لهذا العمل». وكانت معظم المساعدة العسكرية الأميركية للحكومة الصومالية تركز على التدريب، أو جرى تمريرها من خلال قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. ولكن يمكن أن يتغير ذلك. وتوقع مسؤول أميركي في واشنطن، قال إنه ليس مخولا بالتحدث علنا، أن قوات أميركية سرية ستتدخل إذا أزاح الهجوم، الذي من الممكن أن يبدأ في غضون أسابيع، الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة. وقال هذا المسؤول: «الشيء الذي من المحتمل أن تراه هو غارات جوية، وتدخل قوات العمليات الخاصة لتهجم وتضرب وتنسحب».

وحسب مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الصومالية فإن القوات الموالية للسلطة الانتقالية تستعين بمساعدات أميركية وأفريقية وغربية، لم يحددها، لشن هجوم واسع النطاق لطرد المتمردين من العاصمة، حسب ما أكد لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم تعريفه «أتممنا كافة الاستعدادات اللازمة وأطلعنا عليها حلفاءنا الأميركيين والغربيين وقوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) الهجوم بات وشيكا، ربما قبل نهاية الشهر الجاري». وفى المقابل قال قياديون في الحزب الإسلامي وحركة الشباب، أبرز الجماعات الإسلامية المسلحة المناوئة للحكومة الصومالية، إن الميليشيات التابعة لهما تتأهب لإلحاق هزيمة مروعة بالقوات الحكومية. وأبلغ مسؤول في حركة الشباب «الشرق الأوسط» أن لدى حركته معلومات عن تنسيق واسع النطاق تجريه الحكومة الانتقالية مع مسؤولين عسكريين من الولايات المتحدة وعدة دول غربية تمهيدا لشن عملية عسكرية كبيرة لمواجهة الحركة، فيما قال قيادي في الحزب الإسلامي إن المتمردين الذين يخوضون حرب عصابات ضد هذه الحكومة منذ العام الماضي لن يفرطوا في مواقعهم الحالية رغم أي هجوم متوقع. لكن السفير إبراهيم الشويمي مبعوث الجامعة العربية لدى الصومال قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا توجد أي شواهد حقيقية على أن الحكومة الانتقالية على وشك القيام بهذا الهجوم، وأضاف: «حاليا الوضع كما هو، لا جديد على الإطلاق، ليست هناك أي تحركات يفهم منها أن هناك هجوما سيقع في أي لحظة». وعلى مدى الشهور القليلة الماضية، ساعد مستشارون أميركيون في الإشراف على تدريب القوات الصومالية ليجري نشرها خلال الهجوم، على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين قالوا إن ذلك كان جزءا من برنامج متواصل «لبناء قدرة» الجيش الصومالي، وإنه لم تكن هناك أي زيادة في المساعدات العسكرية من أجل العمليات المقبلة.

لقد قدم الأميركيون تدريبا سريا لضباط الاستخبارات الصومالية، ودعما لوجيستيا لقوات حفظ السلام، ووقودا للمناورات، ومعلومات استطلاعية بشأن مواقع المتمردين، وأموالا من أجل الأسلحة والذخيرة. كما أن واشنطن تستخدم ثقلها باعتبارها أكبر مورد للمساعدات الإنسانية للصومال في تشجيع وكالات المساعدات الخاصة على التحرك سريعا إلى «المناطق المحررة أخيرا» وتقديم خدمات مثل الطعام والدواء للشعب الصومالي المحاصر في محاولة لتعزيز شعبية الحكومة. ويذكر أنه كلما مرت الصومال بنقطة تحول في الماضي، كان للولايات المتحدة دور، أحيانا علانية وأحيانا أخرى سرا.

ففي عام 1992، قبل وقت قصير من سقوط الحكومة المركزية، اقتحمت قوات مشاة البحرية الأميركية البلاد عن طريق البحر للمساعدة في تقديم الطعام للصوماليين الجوعى. وفي بداية عام 2006، عندما كان تحالف إسلامي يستعد لاقتحام البلاد، تحالفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مع أمراء حرب لإيقاف هذا التحالف، وعندما أسفر ذلك عن نتائج عكسية، قام الجيش الأميركي بتقديم الدعم السري لغزو إثيوبي. وفي الصيف الماضي، عندما كان متمردون على صلة بتنظيم القاعدة على وشك الإطاحة بالحكومة الصومالية الانتقالية، أسرعت الحكومة الأميركية بشحن أسلحة تكلفتها ملايين الدولارات إلى البلاد. ومنذ ذلك الحين، نمت حاجة المتمردين لاستعادة العاصمة، وفي النهاية مناطق أخرى من البلاد، حسبما يقول مسؤولون أميركيون، لدرجة أن تنظيم القاعدة فكر في نقل بعض قادته من باكستان إلى الصومال. وقال مسؤولون أميركيون إن عددا من عملاء القاعدة رفيعي المستوى لا يزالون نشطاء في الصومال، بما فيهم فضل عبد الله محمد، أحد المشتبه بهم في تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، ويُعتقد أنه يقوم في الوقت الحالي بصناعة القنابل لصالح جماعة إسلامية متمردة تدعى «الشباب». وحاولت الحكومة الصومالية تنفيذ هجمات محدودة من قبل لكنها فشلت، مما أسفر عن وقوع معظم أنحاء البلاد تحت قبضة حركة «الشباب المجاهدين». لكن مسؤولين يقولون إن هذا الهجوم، أو على الأقل التحضير له، مختلف. فبادئ ذي بدء، تتفوق الحكومة من حيث العدد، فلديها ما يتراوح بين 6000 إلى 10000 من الجنود المدربين حديثا، بالمقارنة بنحو 5000 جندي على جانب حركة الشباب وحلفائها. وأثناء الشهور الستة الماضية، أرسلت الصومال بعض الشباب إلى جيبوتي وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، وحتى إلى السودان، لتلقي التدريبات العسكرية، وعاد معظمهم الآن إلى العاصمة وينتظرون القتال. كما يوجد نحو 5000 جندي من قوات حفظ السلام الأوغندية والبوروندية، إضافة إلى 1700 آخرين في طريقهم إلى البلاد، ومن المتوقع أن يلعبوا دورا حيويا في دعم تقدم القوات الصومالية. كما أن الحكومة الصومالية متفوقة من حيث التسليح والمعدات. ففي صفوف منتظمة بجوار القصر الرئاسي المعروف باسم «فيلا الصومال» وسط مدينة مقديشو، تقف الشاحنات العسكرية والدبابات وناقلات الجند المدرعة وعشرات من المركبات العسكرية والشاحنات الصغيرة المدهونة حديثا بزجاجها الأمامي القصير وعلى ظهر كل منها مدفع. واشترت الحكومة أيضا في الفترة الأخيرة عشر سيارات إسعاف من طراز شيفروليه. ويبدو أن هناك اختلافا نوعيا كذلك، حيث يقود القوات الصومالية الآن الجنرال جيلي، الذي كان برتبة كولونيل في الجيش الصومالي قبل عقود. ويُعرف جيلي بين المخضرمين في الحروب الصومالية على أنه أحد أفضل الضباط الصوماليين الذين لا يزالون على قيد الحياة.

* خدمة: «نيويورك تايمز»