رئيس محكمة الحريري: التحقيق أحرز تقدما كبيرا ولكن يواجه مشكلات في جمع الأدلة

الناطقة باسم بلمار لـ«الشرق الأوسط»: أسقطنا بعض الخيوط.. ولكن لم نأت على ذكر تحقيقات ميليس

TT

اعترف رئيس المحكمة الخاصة في لبنان، أنطونيو كاسيزي، بأن المحكمة التي افتتحت قبل أكثر من عام لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، ولم تقدم أحدا إلى المحاكمة بعد، تواجه «مشكلات من حيث التحقيق وجمع الأدلة». وفي سير التحقيقات، ذكر كاسيزي أن المدعي العام دانيال بلمار «سحب بعض الأدلة والمعلومات غير الموثوق بها بعد استعراض مستفيض للمواد التي تم جمعها طيلة فترة التحقيق»، فيما فسره البعض في لبنان على أنه إلغاء للأدلة التي جمعها المحقق الألماني، ديتليف ميليس، الذي اتهم مسوؤلين في سورية باغتيال الحريري.

إلا أن الناطقة الرسمية باسم بلمار، راضية عاشوري، قالت لـ«الشرق الأوسط» بأن «هذه مجرد تأويلات»، ومكتب المدعي لم يأت على ذكر ميليس. ولم تنف عاشوري التفسير أو تؤكده، ولكنها قالت: «هناك أكثر من خيط في التحقيق كان مفتوحا أمامنا، وهناك أكثر من إمكانية متاحة، نظرنا إليها واحدة واحدة، وبعض هذه الاتجاهات تم إسقاطها لأنها لم تصل إلى نتيجة لكشف الحقيقة». وأضافت عاشوري أن المدعي العام لا يدخل في تفاصيل حول الخيوط التي يمسكها أو تلك التي أسقطها، وقالت: «نحن نتعاطى مع التحقيق ككل، وليس في شكل مجزأ، وليس هناك بالنسبة إلينا تحقيق ميليس أو (سيرج) براميرتيس أو غيره.. لم نتحدث قط عن أسماء».

وشددت على أن لا أحد «يعرف ماذا يحوي ملف المدعي العام بالضبط»، وقالت: «في تقريرنا أعطينا فكرة عن التقدم إجمالا من دون أن نتحدث عن حيثيات وخيوط بذاتها، وهذا خطنا ومستمرون به حتى نقدم لوائح الاتهام، إن شاء الله.. وحتى ذلك الحين، التحقيق سيبقى في تعتيم تام لأن أي معلومات ممكن تخدم المجرمين لن نمنحها بأي شكل من الأشكال».

وبالعودة إلى تقرير كاسيزي السنوي الأول، فقد حاول رئيس المحكمة رسم صورة متفائلة لعمل مكتب المدعي العام، وقال بأنه «أحرز تقدما كبيرا يدعو إلى التفاؤل بشأن النتائج المنتظرة للتحقيق»، إلا أنه شدد على «ضرورة القيام بالمزيد». وذكر رئيس المحكمة في تقريره المؤلف من 60 صفحة، الذي رفعه للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بتعهد المدعي العام دانيال بلمار بأنه لن يصدر لوائح اتهام إلا إذا كانت لديه أدلة كافية، مقبولة بحسب المعايير الدولية، مشيرا إلى أن «فرض أي جدول زمني لبدء مرحلة الادعاء يعدّ أمرا اعتباطيا».

وكان كاسيزي قال في مقابلة خاصة لـ«الشرق الأوسط» العام الماضي إنه يتوقع أن يقدم المدعي العام أولى لوائح الاتهام في بداية العام المقبل، أي مطلع العام الحالي. ويعقد كاسيزي اجتماعا أسبوعيا مع بلمار، يناقشان فيه التقدم الذي يحرزه مكتب المدعي العام وفريق تحقيقه. ولطالما رفض بلمار تحديد تاريخ لإصدار لوائح الاتهام، على الرغم من أن التحقيق في جريمة اغتيال الحريري بعد قبل نحو 5 سنوات، بعد فترة قصيرة من عملية الاغتيال في 14 فبراير (شباط) 2005.

وفيما يمكن أن يستعمل لاحقا كإشارة إلى اقتراب إعلان المدعي العام لوائح الاتهام، تحدث كاسيزي في تقريره عن أن المحكمة ستعمد إلى «توظيف المزيد من الموظفين الأساسيين» في الغرفتين التمهيدية والدرجة الأولى، «حالما يرى المدعي العام أن موعد إصدار قرار الاتهام قد اقترب». وتعتمد المحكمة في توظيفها، الإعلان عبر موقعها الإلكتروني عن وظائف شاغرة، بحسب أنظمة الأمم المتحدة التي أسست محكمة الحريري.

وقال كاسيزي في تقريره إلى أن مكتب المدعي العام «أحرز تقدما ملموسا في تحضير القضية التي سوف تقدم مرتكبي الجريمة إلى العدالة، وقد تحقق ذلك على الرغم من انضباط من يقفون وراء الاعتداء وتطورهم الواضحين».

وفي معلومات عن سير التحقيق رفعها مكتب المدعي العام للرئيس، جاء أن المدعي العام يسعى للحصول على معلومات إضافية «لتأييد واقعة أن مرتكبي الاعتداء نفذوا الاعتداء بالاشتراك مع مجموعة أكبر». كما أعلن مكتب المدعي العام أنه «يقترب من تحديد هوية الانتحاري المشتبه فيه من خلال حصر أصله الجغرافي وإعادة بناء ملامح وجهه جزئيا». وذكر مكتب الادعاء أيضا أنه «سحب بعض الأدلة والمعلومات غير الموثوقة بها بعد استعراض مستفيض للمواد التي تم جمعها طيلة فترة التحقيق».

وأثنى رئيس المحكمة على تعاون السلطات اللبنانية في التحقيق، وقال بأن «مساعدتها قيمة للغاية». وأضاف أنه منذ الأول من مارس (آذار) العام الماضي، يوم افتتاح عمل المحكمة، حتى منتصف فبراير الماضي «أرسل ما يزيد على 240 طلبا للمساعدة إلى النائب العام التمييزي في لبنان، ونظمت 53 مهمة ميدانية». كذلك أعلن أنه تم إرسال أكثر من 60 طلبا للمساعدة إلى 24 دولة في حين أنجزت 62 مهمة على أراضي هذه الدول، من دون أن يسمي التقرير هذه الدول. كذلك أشار إلى أن فريق التحقيق أجرى خلال هذه الفترة المشمولة بالتقرير، أكثر من 280 مقابلة مع الشهود، وأجرى هذه المقابلات محققون موفدون بالمهمة من مقر المحكمة في لاينشندام، ضواحي لاهاي، أو محققون يعملون في مكتب المحكمة في بيروت.

وعلى الرغم من أن كاسيزي أكد أن «الأدلة والمعلومات التي تم جمعها حتى الآن أتاحت تطوير نظرية القضية»، فإنه شدد على أن ضرورة استكمال العملية «التي تهدف إلى ضمان ملء الثغرات كلها المتعلقة بالأدلة، ومتابعة الخيوط كلها، وضمان قيام نظرية القضية على وقائع يمكن إثباتها في القضية»، وأضاف: «أحرز تقدم كبير يدعو إلى التفاؤل بشأن النتائج المنتظرة للتحقيق، ومع ذلك يتعين القيام بالمزيد، وهناك حاجة إلى الدعم الثابت والتعاون المستمر من لبنان وكل الدول الأخرى، وكذلك البلدان المانحة والمنظمات ذات الصلة، لكي يتسنى لمكتب المدعي العام الاضطلاع بمهامه بنجاح».

وفي ملاحظته الختامية، كتب كاسيزي: «ندرك تمام الإدراك التحديات التي نواجهها اليوم وتلك التي سنواجهها في المستقبل. فبالإضافة إلى الصعوبات التي تعاني منها المحاكم الجنائية الدولية عادة، تواجه المحكمة الخاصة في لبنان، وهي محكمة جنائية دولية تتعامل مع قضايا إرهابية، مشكلات أخرى خاصة بها من حيث التحقيق وجمع الأدلة. لذا، فعلى المحكمة المثابرة على تخطي التعقيدات والتحديات التي تشكل جزءا من التحقيق في الجرائم الإرهابية وملاحقتها».

وتضمن التقرير، الذي جاء باللغة العربية في 75 صفحة، نحو 35 صفحة تمهيدية تحدث فيها كاسيزي عن نظام المحكمة الخاصة بلبنان وعن عموميات المشكلات التي قد تواجه أي محكمة جنائية تنظر في قضية إرهابية، وتلك التي قد تواجه أي محكمة دولية تنظر في قضية إرهابية. وعدد مجموعة من المشكلات والتحديات من دون أن يربطها مباشرة بعمل محكمة الحريري.

فتحدث مثلا معوقات قد تواجه التحقيق إذا لم تتعاون بلدان معنية مع المحققين، ذلك أن المحاكم الدولية «ليس لديها قادة شرطة ولا شرطة قضائية أو مباشرون لتنفيذ الأوامر القضائية مباشرة، وبغية تحقيق هذه الأهداف، يتوجب على المحاكم الدولية أن تلجأ إلى الدولة المعنية، وتطلب منها أن تعمل من خلال أجهزتها، على مساعدة المحققين والموظفين التابعين للمحاكم الدولية». وأضاف: «ما دامت الدول تقدم دعمها للمحاكم الدولية، فيمكن لهذه الأخيرة أن تؤدي المهام الموكلة إليها بفاعلية، وإلا فقد تصبح عاجزة». ويثير حديث كاسيزي عن تعاون الدول، تساؤلات حول استجابة بعض الدول للمحققين في قضية اغتيال الحريري، وما إذا كانت بعضها تعرقل عمل التحقيق.

كذلك تحدث كاسيزي عن مشكلات متعلقة باللغة، وهي قد تؤدي إلى تطويل الإجراءات. وبالفعل فقد قدم مثلا رئيس المحكمة تقريره هذا إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في الأول من الشهر الحالي، إلا أنه لم ينشر إلا حتى يوم أمس، حتى تتم ترجمته إلى العربية. وتعتمد محكمة الحريري 3 لغات أساسية في عملها، العربية والفرنسية والإنجليزية. وكتب كاسيزي عن ذلك، في إطار العموميات أيضا: «تسير الإجراءات عادة على المستوى الوطني بلغة واحدة فقط، بينما تسير أمام المحاكم الدولية بلغتين على الأقل أو بثلاث لغات أو أكثر. ونتيجة لذلك، تنشأ الحاجة إلى ترجمة المستندات ووثائق الإثبات والمذكرات إلى هذه اللغات كلها» وأضاف: «كذلك هناك الحاجة إلى الترجمة الفورية في قاعة المحكمة، وعلى الرغم من توافر الترجمة الفورية المتزامنة، فإن ذلك يؤثر بشكل واضح على مدة الإجراءات، وتتضاعف المشكلة مع الحاجة إلى التوضيح والتصحيح بسبب الدقة الضرورية في الإجراءات الجنائية».