أميركا راقبت التحضيرات لانتخابات العراق بلا حول ولا قوة للتأثير في مجرياتها

إدارة أوباما: بغداد ستظل بحاجة إلينا بصرف النظر عن حكومتها المقبلة

TT

خلال محاولاتهم لتوقع بعض العواقب السلبية التي يمكن أن تسفر عنها انتخابات الأحد في العراق خلال الأسابيع القليلة الماضية، أدرك مسؤولو الإدارة الأميركية أنهم لا حول ولا قوة لهم للتأثير في مجريات العملية. وخلال الاجتماعات اليومية التي سبقت اقتراع أمس وفي لقاء عبر الفيديو الخميس الماضي مع السفير الأميركي في بغداد والقائد الميداني للجيش الأميركي، توقع المسؤولون بعض أعمال العنف والاعتداءات والتزوير بصورة محدودة أو أن تؤثر على شرعية التصويت، إضافة إلى إمكانية أن تؤدي الصراعات السياسية التي ستلي الانتخابات إلى تعطيل تشكيل الحكومة لشهور وهو ما قد يؤدي إلى فراغ خطر تكون معه إيران قادرة على إيقاع الفوضى أو ربما أسوأ من ذلك. بيد أنه رغم هذا القلق والترقب أدرك المسؤولون في واشنطن أن المنافسة الانتخابية ونتائجها في أيدي العراقيين، فبعد سبعة أعوام من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق تبدي الإدارة قناعة بدورها المتغير هناك. ولالتزامه بخفض القوات الأميركية في العراق البالغ قوامها 100.000 جندي إلى النصف بحلول نهاية صيف العام الحالي، نتيجة لتسارع وتيرة الحرب في أفغانستان، وضع الرئيس باراك أوباما حاجزا أمام التدخل، أو حتى التعبير عن قلق بالغ، بشأن المستقبل.

وقال مستشارون بارزون للرئيس شريطة عدم ذكر أسمائهم إنه خلال جلسة استماع الأسبوع الماضي في البيت الأبيض كرروا أنهم «لا يمكنهم ولن يقولوا للعراقيين كيف يديرون شؤونهم». وقال مسؤول عن العراقيين: «الأمر عائد إليهم. فنحن لا نرى أمرا يمكن أن يثنينا عن المسار الذي انتهجناه لإنهاء المهمة القتالية في أغسطس (آب)، حتى في وجه العنف الطائفي».

يُذكر أن الانتخابات العراقية السابقة التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005 كانت تحت إشراف الاحتلال الأميركي، وأدت خمسة أشهر من التناحر السياسي والتأخر في تشكيل الحكومة إلى تفجر العنف الطائفي وزيادة عدد القوات الأميركية إلى الحد الذي عارضه حينها السيناتوران باراك أوباما وجو بايدن. بعد ذلك بعامين بدأت إدارة الرئيس جورج بوش مفاوضاتها مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول اتفاقات الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية وإقامة شراكة استراتيجية طويلة الأمد.

وقد وقعت الاتفاقات الأمنية (التي تحدد يوليو (تموز) 2009 كموعد نهائي لتحويل الملف الأمني للمناطق الحضرية إلى الجيش العراقي ورحيل جميع القوات الأميركية من العراق بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2011) قبيل شهرين من تسلم الرئيس أوباما مهام منصبه. ومن بين القرارات الرئيسية التي تخص السياسة الخارجية حدد أوباما أغسطس (آب) من العام الحالي موعدا نهائيا لانسحاب القوات المقاتلة من العراق، مع الإبقاء على 50.000 جندي لمهام التدريب والأمن الدبلوماسي واختيار فرق مكافحة التمرد مع نظرائهم البريطانيين لمدة 16 شهرا.

والديمقراطيون والجمهوريون على السواء يهمهم أن يكون عراق اليوم يمثل نجاحا ديمقراطيا غير مسبوق في المنطقة، وقال بايدن نائب الرئيس الشهر الماضي إن العراق سيشهد ظهور حكومة مستقرة تمثيلية. وخلال زياراته الأربع إلى العراق نائبا للرئيس قال بايدن: «التقيت اللاعبين الرئيسيين في العملية السياسية في العراق من السنة والشيعة والأكراد والمسيحيين، وتمكنّا من لعب دور العامل المساعد في التحرك من أرض المعركة إلى الميدان السياسي لتسوية الاختلافات».

وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الأميركيين ومن بينهم الجنرال راي أوديرنو، القائد العسكري في العراق، عبّروا عن قلقهم بشأن ما سمّوه «الألاعيب الإيرانية القذرة والعنف ذا الدوافع السياسية»، فإن الموقف العام كان «هذا هو العراق». وقال الجنرال ديفيد بترايوس سلف الجنرال أوديرنو في المنصب في مقابلة تليفزيونية الأسبوع الماضي: «من المؤكد أن هناك الكثير من النزاع على السلطة والنفوذ لكن بعضا من ذلك أمر متأصل في العراق».

وتبقى تحديات كبيرة ماثلة أمام العراق، إذ لا يُتوقع أن يحقق أي من التكتلات الخمسة الكبرى الأغلبية أو ربما العدد الأكبر من الأصوات. وسيكون تشكيل حكومة مهمة شاقة وستستغرق وقتا طويلا. ويوفر القانون العراقي قائمة طويلة من التحديات أمام فرز الأصوات قبل أن ينعقد البرلمان الجديد لاختيار الرئيس. بعد ذلك يمكن أن يستغرق الأمر شهرا ليحصل تحالف بعينه على عدد كافٍ من المقاعد لتشكيل حكومة يجب أن يقرها البرلمان. وبغض النظر عن إعادة انتخاب رئيس الوزراء نوري المالكي من عدمها فإن حكومته ستحتفظ بالقيادة خلال الفترة الانتقالية وهو الوقت الذي ستنهي فيه الوجود الأميركي في العراق. يُذكر أن السفارة الأميركية في بغداد أضخم السفارات في العالم وتتولى الكثير من المهام التي يمارسها الجيش ومن بينها تدريب قوات الجيش والشرطة.

ويصر مسؤولو الإدارة على أن الولايات المتحدة ستبقى تتمتع بنفوذ كبير داخل الحكومة الجديدة مهما كانت الشخصية التي ستؤلفها. وقال مسؤول بارز في الإدارة في مقابلة معه: «سيواصل العراقيون طلب مساعدتنا في حل الأزمات العالقة ومن بينها الإصلاح الدستوري والنزاعات حول الحدود الداخلية وتوزيع عائدات النفط. وهناك أيضا بعض الأمور التي يطلبونها منا، فالاتفاقات الاستراتيجية التي وُقعت في عهد بوش تُلزِم الولايات المتحدة بمساعدة العراق في رفع باقي قيود الأمم المتحدة عن عائداتها النفطية إضافة إلى التعويضات التي تُدفع للكويت نتيجة الغزو الذي قام به صدام حسين. وتشجيع التبادل الأميركي في مجال الاستثمارات والتجارة والتبادل التعليمي».

وعلى الرغم من التوقعات بوقوع عنف طائفي وتزايد النفوذ الإيراني تعتمد الإدارة على العراقيين لتفادي هذا المنعطف المدمر للمصلحة الذاتية. وقال مسؤول الإدارة: «إذا ما عاد العراق إلى حالة الفوضى، فلن يكون ذلك في مصلحة العراقيين». وأضاف مشيرا إلى وجود خطط طوارئ لخفض وتيرة الانسحاب: «بالنظر إلى الاستثمار الضخم في إعداد القوات والأموال الهائلة الذي أنفقت خلال السنوات الماضية أعتقد أن البعض سيقول إننا بحاجة إلى القيام بأمر ما للحيلولة دون ذلك. ولا أعتقد أن هناك رغبة كبيرة في العودة إلى السابق».

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»