المغرب: مجموعات برلمانية تدعم فكرة إنشاء «مجلس أعلى للصحافة» يعالج جميع قضايا المهنة

جلسات حوار مغلق حول «الإعلام والمجتمع» ستسفر عن إصدار «كتاب أبيض» يمهد لمدونة صحافية

TT

تأمل مجموعات برلمانية في مجلس النواب المغربي أن يتمخض عن جلسات حوار مغلق، تجري حاليا بشأن الإعلام، إصدار «كتاب أبيض» يمهد الطريق أمام «مدونة للصحافة»، وإنشاء «مجلس أعلى للصحافة».

وقالت مصادر وثيقة الاطلاع على ما يجري داخل جلسات الحوار إن الأمور تتقدم، وإن الحوار الذي يجري داخل إحدى القاعات في مجلس النواب يتوقع أن يختتم قبل بدء الدورة الربيعية للبرلمان في التاسع من أبريل (نيسان) المقبل. ويتولى جمال الدين الناجي، وهو أستاذ إعلام، مهمة مقرر لجنة الحوار، الذي أطلق عليه «الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع».

وكانت المجموعة البرلمانية لحزب الأصالة والمعاصرة (معارضة برلمانية) أطلقت فكرة تنظيم حوار بين جميع مكونات المشهد الإعلامي عقب توتر العلاقة بين السلطات والصحافة المستقلة، ثم اكتسبت تلك الفكرة زخما بعد تبنيها من طرف المجموعتين البرلمانيتين لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشاركين في الائتلاف الحكومي.

وبعد بدء جلسات الحوار أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب اختتام الدورة الخريفية للبرلمان، أصبحت هناك ثماني مجموعات برلمانية تدعم الفكرة، كما أن الحكومة ممثلة في وزارة الاتصال (الإعلام)، والتي لم تكن متحمسة للمبادرة بل تعتزم مقاطعتها، وافقت على المشاركة، وحضر وزراء ومسؤولون حكوميون حفل انطلاق الحوار، الذي تميز بمسألة لافتة تمثلت في احتلال الصحافيين لمقاعد النواب تحت قبة البرلمان.

وتواصل حاليا لجنة الحوار الاستماع إلى مختلف الأطراف التي لها علاقة بالإعلام، بعد أن استمعت إلى الصحافيين ممثلين في نقابة الصحافيين وفيدرالية الناشرين، كما استمعت إلى رأي الحكومة، حيث شارك خالد الناصري، وزير الاتصال، رفقة مجموعة من كبار موظفي الوزارة، في تقديم تصورات الحكومة، كما استمعت اللجنة إلى منظمتين حقوقيتين، هما «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان»، و«الجمعية المغربية لحقوق الإنسان».

وقالت المصادر إن اللجنة ستستمع إلى أطراف حكومية أخرى من بينها وزارة الداخلية، ووزارة العدل، كما ستستمع إلى فيصل العرايشي، المدير العام للقنوات التلفزيونية الحكومية، وعلي بوزردة، مدير عام وكالة الأنباء المغربية، إضافة إلى مسؤولي الإذاعات الخاصة.

وكان بعض البرلمانيين يرون أن يقتصر الحوار على الصحافة المكتوبة، لكن آخرين تمسكوا بضرورة أن يشمل الحوار جميع مكونات المشهد الإعلامي، بما في ذلك القطاع المسموع والمرئي.

وستستمع لجنة الحوار أيضا إلى منظمات أجنبية. وفي هذا الصدد، يشار إلى أن منظمتي «هيومان رايت ووتش» و«مراسلون بلا حدود» دأبتا في أكثر من مناسبة على إصدار بيانات تعبر عن «قلقها» حول مسألة حرية الصحافة في المغرب، وانتقدت أكثر من مرة محاكمات تعرضت لها بعض الصحف لأسباب متباينة.

وتقول السلطات الحكومية إنها لا تتدخل في شؤون القضاء، وإن المحاكمات تجري طبقا للقوانين السائدة في البلاد. وكانت من أبرز المحاكمات تلك التي جرت ضد صحيفتين مستقلتين نشرتا أخبارا غير موثقة حول صحة العاهل المغربي الملك محمد السادس، في حين حوكمت صحيفة ثالثة بسبب رسم كاريكاتيري، واضطرت أخيرا مجلة أسبوعية إلى التوقف بسبب تراكم الديون والضرائب وعجزها عن تسديد غرامات.

ويحتد الجدال بين الجانبين حول مدى نزاهة وعدالة هذه المحاكمات، واحترام القوانين. وقال حقوقيون إن الغرامات الباهظة ترمي في النهاية إلى لجم الصحف الناقدة، في حين يقول مهنيون وناشرون من داخل الجسم الصحافي إن بعض الصحف لا تحترم القواعد المهنية، حيث يفترض أن تعرض جميع وجهات النظر في تقاريرها وضرورة توثيق أخبارها، في بلد تتحفظ فيها مصادر الأخبار في غالب الأحيان عن الإشارة إليها صراحة.

ويأمل برلمانيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن تسفر نتائج الحوار الحالي، إلى إصدار «عفو عام» تلغى بموجبه جميع الأحكام التي صدرت ضد الصحافة والصحافيين، وكذلك إعفاء ديون الدولة والضرائب التي تراكمت على بعض الصحف، ثم الانطلاق بعد ذلك للعمل طبقا لمدونة جديدة.

وقال هؤلاء البرلمانيون إنهم سيطلبون من الحكومة تقديم مشروع لتشكيل «مجلس أعلى للصحافة» يتم الاحتكام إليه في جميع القضايا، ويكون من صلاحياته تحديد الخطأ المهني، وإلزام الصحف باحترام المعايير المهنية، ومن ذلك الحرص على مصداقية أخبارها، كما يمكن للمتضررين من نشر أخبار كاذبة اللجوء إليه للمطالبة برد الاعتبار. وبالتالي لا يتم اللجوء إلى القضاء إلا في حالات استثنائية. وأوضح البرلمانيون أنه في حالة عدم تجاوب الحكومة مع هذا الطلب سيبادرون إلى تقديم مشروع قانون من داخل البرلمان لإنشاء هذا المجلس.

وفي سياق البحث عن معالجة قضائية تتجنب الانتقادات، بادر محمد الناصري، وزير العدل، أخيرا إلى إيفاد قضاة إلى الخارج للتخصص في قضايا الصحافة، كما قرر تخصيص محكمة في الدار البيضاء للنظر في قضايا النشر والصحافة، حتى لا يجد الصحافيون أنفسهم في قاعات المحاكم نفسها التي يمثل أمامها أشخاص يتابعون في جرائم عادية.