الحكومة الأميركية دفعت أكثر من 107 مليارات دولار لشركات تحدت سياستها إزاء إيران

49 شركة تجاوزت قانون العقوبات واستمرت في العمل دون خطط معلنة حول الرحيل

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يتمشى قبل اجتماع رسمي له في طهران أمس (رويترز)
TT

منحت الحكومة الفيدرالية الأميركية أكثر من 107 مليارات دولار لشركات أميركية متعددة الجنسيات، وشركات أجنبية، في صورة عقود مدفوعة ومنح وامتيازات أخرى خلال الأعوام العشرة الماضية، في الوقت الذي كانت لديهم أنشطة تجارية في إيران، على الرغم من الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل طرد الاستثمارات من طهران، وذلك حسب ما أظهرته السجلات.

ويتضمن ذلك قرابة 15 مليار دولار دفعت إلى شركات تحدّت قانون العقوبات الأميركية، عن طريق استثمارات كبرى، ساعدت إيران على تنمية احتياطي البترول والغاز لديها.

ومنذ عدة أعوام، تمارس الولايات المتحدة ضغوطا كبيرة على الدول الأخرى، من أجل الانضمام إلى جهودها التي تهدف إلى تقويض الاقتصاد الإيراني، أملا في الحد من طموحات طهران النووية. وفي الوقت الحالي، ومع اشتداد المواجهة النووية ورفض إيران التواصل الدبلوماسي الأميركي، تحاول إدارة أوباما كسب جولة جديدة صعبة من عقوبات الأمم المتحدة.

ولكن، يظهر تحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» للسجلات الفيدرالية، وتقارير الشركات وغيرها من الوثائق، أن إدارتي أوباما وبوش وجهتا رسائل مختلطة إلى الشركات فيما يتعلق بممارسة أنشطة تجارية داخل إيران، حيث كافأتا شركات تتعارض مصالحها التجارية مع الأهداف الأمنية الأميركية.

ويعمل الكثير من تلك الشركات في القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد الإيراني. ويذهب أكثر من ثلثي الأموال الحكومية إلى شركات لها نشاطات في قطاع الطاقة الإيراني، وهو مصدر كبير للعائدات التي تذهب إلى الحكومة الإيرانية، حيث معقل الحرس الثوري الإيراني، الذي يزداد نفوذه، ويعد هدفا رئيسيا للعقوبات التي تقترحها إدارة أوباما، إذ إنه يشرف على برامج الصواريخ والبرنامج النووي.

ولشركات أخرى علاقة بصناعة السيارات وتوزيعها، ويمثل ذلك أيضا قطاعا مهما داخل الاقتصاد الإيراني له صلات بالحرس الثوري. وقامت إحدى الشركات بتوفير محركات سفن حاويات لمجموعة «خطوط الشحن الإيرانية»، وهي شركة شحن أدرجتها الولايات المتحدة فيما بعد على القائمة السوداء، لإخفائها شحنة عسكرية.

وبعيدا عن الـ102 مليار دولار، التي كانت صورة مدفوعات عقود حكومية أميركية منذ 2000 - تناولت تنفيذ الكثير من المشروعات، بدءا من بناء مسكن عسكري، ووصولا إلى توفير البلوتنيوم لهيئة سك العملة الأميركية - حصلت الشركات والكيانات التابعة لها على الكثير من الامتيازات. وتتضمن تلك الامتيازات قرابة 4.5 مليار دولار، في صورة قروض وضمانات قروض من «بنك الصادرات والواردات»، وهو هيئة فيدرالية تضمن تصدير الخدمات والبضائع الأميركية، بالإضافة إلى أكثر من 500 مليون دولار في صورة منح لعمل يتضمن أبحاث سرطان، وتحويل المشتقات الزراعية إلى وقود.

وعلاوة على ذلك، حصلت شركات الغاز والبترول، التي لديها أنشطة تجارية داخل إيران على مدى أعوام، على عقود تنقيب مربحة خاصة بقرابة 14 مليون فدان في مناطق بحرية أو برية.

وفي أشهر قريبة، قرر عدد من الشركات الانسحاب من إيران بسبب ضغوط مارستها الحكومة الأميركية والحكومات الغربية، وبسبب حملات من جانب حملة الأسهم، وصعوبة القيام بأنشطة تجارية مع الحكومة الإيرانية. وأرجأ الكثير من شركات الغاز والبترول استثمارات جديدة، منتظرة حتى ترى شكل العقوبات الجديدة.

وتشير إدارة أوباما إلى ذلك، وتقول إنها نجحت في الضغط على حكومات حليفة، وتواصلت مباشرة مع مسؤولين في الشركات لإقناعهم بعدم الاستثمار داخل إيران، لا سيما في قطاع الطاقة. أضف إلى ذلك تمكن جهد أميركي على مدى أعوام عدة لإقناع المصارف بترك إيران من عزلها عن أجزاء كبيرة من المنظومة المالية الدولية، ووضع صعوبات كبرى على عقد صفقات هناك.

وتستطيع الحكومة منع الشركات الأميركية من معظم أشكال التعامل التجاري مع إيران بموجب حظر واسع، وضع حيز التنفيذ منذ التسعينات. ولكن كما يظهر تحليل صحيفة «نيويورك تايمز»، واجهت إدارات متعددة صعوبات دبلوماسية وسياسية وعملية في سعيها لبسط نفوذ أميركي على شركات خارج نطاق الحظر، مثل الشركات الأجنبية والكيانات الأجنبية التابعة لشركات أميركية.

وفي الواقع، فإنه من بين 74 شركة حددتها صحيفة «نيويورك تايمز» ولها نشاط تجاري مع الحكومة الأميركية والحكومة الإيرانية، تستمر 49 شركة في العمل هناك من دون وجود خطط معلنة حول الرحيل.

ومن الأدوات الأكثر تأثيرا لدى الحكومة، على الورق على الأقل، للضغط على الشركات التي تتجاوز نطاق الحظر، قانون العقوبات المفروضة على إيران، الذي صيغ لمعاقبة الشركات الأجنبية التي تستثمر أكثر من 20 مليون دولار في عام ما لتطوير حقول غاز وبترول داخل إيران. وفي خلال الأعوام الأربعة عشر منذ تمرير القانون، لم تُدخل الحكومة القانون حيز التنفيذ ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى الخوف من إغضاب حلفاء أميركا.

وأدى ذلك إلى زيادة في بعض الحالات، مثل تلك التي تتضمن عملاق الهندسة الكوري الجنوبي «دايليم إندستريال»، التي حصلت في عام 2007 على عقد قيمته 700 مليون دولار لتطوير مصنع تكرير نفط إيراني.

وحسب ما تفيد به خدمة الأبحاث في الكونغرس، فإنه يبدو أن الصفقة تمثل تعديا على قانون العقوبات المفروضة على إيران، ويعني أن «دايليم» يمكن أن تواجه مجموعة من العقوبات، ومنها المنع من عقود فيدرالية، وذلك لأن القانون يتناول الاستثمارات المباشرة، مثل شراء الأسهم، بالإضافة إلى عقود تشبه عقد «دايليم» لإدارة مشروعات تنمية في قطاع الغاز والبترول.

ولكن، في عام 2009، منح الجيش الأميركي الشركة عقدا قيمته 111 مليون دولار لبناء مجمع سكني في قاعدة عسكرية بكوريا الجنوبية. وبعد أشهر من ذلك، أعلنت «دايليم» عن صفقة جديدة قيمتها 600 مليون دولار لتطوير حقل غاز، جنوب بارس في إيران.

والآن، على الرغم من أن حالة الإحباط بسبب عناد إيران أفرزت تحركا يهدف إلى استخدام نفوذ الحكومة بصورة أكثر فعالية لإبعاد الشركات عن الاستثمار هناك.

ويوجد في 19 ولاية، منها نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا، قوانين تمنع، أو لا تشجع، صناديق المعاشات داخلها على الاستثمار في شركات تقوم بأنشطة معينة داخل إيران. وينظر الكونغرس في تشريع يدفع الحكومة الفيدرالية إلى القيام بمثل ذلك، عن طريق منع الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني من الحصول على عقود فيدرالية. ويأتي هذا التشريع على غرار قانون قائم خاص بالسودان.

وعلى الرغم من أن مسؤولي إدارة أوباما أكدوا على أنهم منفتحون على الفكرة، فإنهم قالوا إنها تمثل متغيرا واحدا في معادلة معقدة. وفي الوقت الحالي، يعطي الرئيس الأميركي أولوية للتعامل مع المعارضة الصينية لعقوبات جديدة من جانب الأمم المتحدة، التي تطبق خارج البلاد وتستهدف كيانات تدعم البرنامج النووي الإيراني.

ولكن، قال النائب رون كلين، الديمقراطي من ولاية فلوريدا الذي صاغ تشريع العقود الموجود داخل الكونغرس بمساعدة منظمة يطلق عليها «متحدون ضد إيران النووية»، إنه يعطي فرصة للتحرك قدما، سواء كانت هناك موافقة دولية أو لم توجد.

وقال كلين: «نحتاج إلى أن نبعث رسالة قوية للمؤسسات، مفادها أننا لن نستمر في السماح لهم بتمكين الحكومة الإيرانية اقتصادية كي تستمر فيما تقوم به». كان الكونغرس يعتزم إرسال رسالة قوية عندما مرر قانون فرض عقوبات على إيران عام 1996، وهو القانون الذي يخول للرئيس الأميركي الاختيار من بين عدد من العقوبات التي يستطيع أن يفرضها على الشركات غير الملتزمة بالقانون. وهم بذلك لا يخاطرون فقط بخسارة العقود الفيدرالية، ولكنهم يمكن أن يخسروا أيضا فرصة الحصول على قروض «بنك الصادرات والواردات»، والحصول على قروض من البنوك الأميركية تفوق 10 ملايين دولار في السنة، وتصدير بضائعهم إلى الولايات المتحدة، وشراء التكنولوجيا العسكرية الأميركية المسموح بها، وبالنسبة إلى الشركات المالية، فإنها ستحرم من العمل كمتداول رئيسي في سندات الحكومة الأميركية أو كمستودع للأموال الحكومية.

ومن بين الشركات التي كانت على قائمة الكونغرس، والتي أرسلتها إلى وزارة الخارجية، شركة الطاقة «بيتروبراس» البرازيلية، التي تسيطر عليها الدولة، والتي تلقت خلال العام الماضي قروضا من «بنك الصادرات والواردات» بقيمة ملياري دولار للتنقيب عن احتياطي بترول في المناطق غير الساحلية في ريو دي جانيرو. ويقدم ذلك القرض نموذجا على المصالح المتضاربة، التي يجب على المسؤولين مواجهتها، عندما يتعلق الأمر بقانون توقيع عقوبات على إيران.

وعلى الرغم من المطالب الأميركية المتكررة، فإن «بيتروبراس» قامت باستثمار 100 مليون دولار لاستكشاف آفاق وجود بترول في المناطق البعيدة عن الشاطئ في الخليج العربي بإيران.

ومن جهة أخرى، فإن قرض «بنك الصادرات والواردات» ربما يساعد على توفير فرص عمل، حيث ربما تستخدم «بيتروبراس» تلك الأموال لشراء البضائع والخدمات من الشركات الأميركية. وربما يكون الأهم من ذلك أنها ربما تساعد على توفير موارد أخرى للبترول خارج الشرق الأوسط.

وبعدما تقصت «نيويورك تايمز» حول ذلك القرض، قال المسؤولين المصرفيون إنهم طلبوا وتلقوا خطاب ضمان من «بيتروبراس»، يفيد بأنها أنهت عملها بالفعل في إيران. ومن جهته، قال مسؤول في البيت الأبيض في رسالة إلكترونية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، إنه على الرغم من أن سياسة الإدارة كانت تقضي بتحذير الشركات من مثل تلك الاستثمارات «فإن البرازيل هي شريك تجاري معمم بالنسبة إلى أميركا، وما زالت المباحثات معهم مستمرة».

لكن إذا كانت الإدارة تأمل في أن يدفع ذلك القرض البرازيل إلى الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها، فإنها سرعان ما ستكتشف خطأها.

*خدمة «نيويورك تايمز»