واشنطن ترفع قيود تصدير خدمات الإنترنت إلى إيران والسودان وكوبا

بعد نجاح خدمات «فيس بوك» و«تويتر» في عكس الأوضاع بعد انتخابات الرئاسة في إيران

TT

سعيا من جانبها لاستغلال إمكانات شبكة الإنترنت في اقتحام المجتمعات المنغلقة على نفسها، ستسمح إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لشركات التقنية بتصدير خدمات عبر شبكة الإنترنت مثل خدمة بعث رسائل فورية والدردشة والتشارك في الصور، إلى إيران وكويا والسودان، حسبما صرح مسؤول رفيع المستوى بالإدارة.

وقال المسؤول إن وزارة الخزانة ستصدر ترخيص عام لتصدير خدمات وبرامج شبكة الإنترنت الشخصية المجانية إلى شعوب الدول الثلاث، مما يسمح لشركات «مايكروسوفت» و«ياهو» الشركات الخدمية الأخرى بالالتفاف على القيود الصارمة المفروضة على التصدير. وكانت الشركات قد امتنعت عن طرح مثل هذه الخدمات خوفا من انتهاك العقوبات القائمة ضد هذه الدول. إلا أن دعوات تنامت داخل الكونغرس وقطاعات أخرى لرفع القيود، خصوصا بعد المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران والتي كشفت قوة الخدمات المعتمدة على شبكة الإنترنت مثل «فيس بوك» و«تويتر».

في هذا الإطار، أعرب المسؤول عن اعتقاده أنه «كلما زادت قدرة الأفراد على الوصول إلى نطاق من تقنيات وخدمات الإنترنت، زادت صعوبة كبت الحكومة الإيرانية للحديث والتعبير الحر عن الآراء». وقد اشترط المسؤول عدم كشف هويته لعدم صدور إعلان بهذا الشأن بعد.

ويسلط القرار، الذي كان متوقعا، الضوء على حجم التعقيد المنطوي على التعامل مع الحكومات التي تمارس القمع السياسي في عصر رقمي. وفي الوقت الذي تقر فيه إدارة أوباما مزيدا من الانفتاح التجاري في ما يخص خدمات الإنترنت الموجهة إلى إيران، تعكف على تصميم عقوبات صارمة جديدة من شأنها استهداف قدرة إيران على الوصول إلى الأموال والتقنية التي يمكنها مساعدتها في برامجها النووية والصاروخية.

من ناحية أخرى، وصف نقاد هذه العقوبات بأنها غير محكمة وتفتقر إلى الفاعلية، ويرى بعضهم أنه سيكون من المنطقي بدرجة أكبر نشر التقنية الرقمية، التي تزيد من صعوبة تقييد الحكومات لتدفق المعلومات إلى داخل مجتمعاتها، والحيلولة دون اتصال مواطنيها بالعالم الخارجي.

يأتي هذا الإجراء من جانب وزارة الخزانة في أعقاب صدور توصية عن وزارة الخارجية في منتصف ديسمبر (كانون الأول) بأن يصرح «مكتب السيطرة على الأصول الأجنبية»، الخاضع لإدارة وزارة الخزانة، بتحميل «برامج مجانية لأسواق عامة» في إيران من جانب «مايكروسوفت» و«غوغل» وشركات أخرى. في إطار خطاب ألقته في يناير (كانون الثاني)، أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون، أن حرية استخدام شبكة الإنترنت أصبحت من المبادئ الأساسية في السياسة الخارجية الأميركية. وقالت: «المقاطع المصورة والمواد المنشورة عبر المدونات أصبحت الشكل الحديث للمنشورات المناهضة للحكومة»، مشيرة إلى المنشورات التي جرى ترويجها داخل روسيا خلال الحقبة السوفياتية والتي ساعدت في إشعال فتيل حركة الانشقاق.

بينما تعد إيران الهدف الرئيس من وراء إجراء وزارة الخزانة الأخير، فإنه يحمل أيضا دلالات بالنسبة إلى السودان وكوبا، حيث تسعى الإدارة أيضا لفتح مزيد من قنوات الاتصال على العالم الخارجي. إلا أن دولتين أخريين من أعضاء القائمة السوداء، كوريا الشمالية وسورية، لن تتأثرا بالقرار لأن العقوبات المفروضة ضدهما حاليا لا تمنع تصدير خدمات الإنترنت إليهما.

خلال الفترة التي سادتها الفوضى في أعقاب انتخابات يونيو (حزيران) في إيران، طلبت وزارة الخارجية من موقع «تويتر» إرجاء عمليات الصيانة لشبكته العالمية والتي كان من شأنها قطع الخدمة عن الإيرانيين الذين استغلوا الموقع في تبادل المعلومات وإطلاع العالم على المظاهرات المناهضة للحكومة. جدير بالذكر أن القرار الأخير من جانب الإدارة لن يحرم السلطات الإيرانية من القدرة على شن إجراءات صارمة ضد شبكة الإنترنت، مثلما حدث في فبراير (شباط)، عندما جرى تقليص خدمات الشبكة بدرجة بالغة لدرجة أن الإيرانيين جابهوا صعوبة في الدخول إلى حساباتهم على «جيميل» وتنظيم مظاهرات قبل الذكرى الـ31 لقيام الثورة الإيرانية. إلا أن مسؤول الإدارة أوضح أنه من خلال طرح مزيد من الخيارات أمام الإيرانيين، سيزيد ذلك صعوبة كبح جماح تداول المعلومات في أمام السلطات الإيرانية. واستطرد: «نرغب في التأكد من تدفق المعلومات. الواضح أن هذا سيترك تداعيات سياسية في صور مختلفة».

تجدر الإشارة إلى أن قرار الإدارة لا ينسحب على التشفير والبرامج الأخرى التي تزيد صعوبة تمكن السلطات من تعقب نشاطات الأفراد عبر شبكة الإنترنت. ولا تنتمي هذه الفئة من التقنيات إلى خدمات السوق العامة التي يمكن تحميلها مجانا من الإنترنت، حسبما أوضح المسؤول.

لكنه أضاف أن وزارة الخزانة ستوفر تراخيص إلى مقدمي مثل هذه الخدمات على أساس كل حالة على حدة، وستتبع بوجه عام نهجا إيجابيا حيالهم. من بين هذه الخدمات خدمة تعرف باسم «هايستاك» في انتظار تصريح من وزارة الخارجية. وبالتالي، من المحتمل أن تتلقى ترخيص من وزارة الخزانة.

جرى تطوير «هايستاك» من قِبل «مركز أبحاث الرقابة»، وهو منظمة غير هادفة إلى الربح مقرها سان فرانسيسكو. ويستخدم «هايستاك» صيغا رياضية لإخفاء تنقلات مستخدم شبكة الإنترنت عن أعين الجهات الرقابية الرسمية.

يُذكر أنه في ديسمبر (كانون الأول)، اقترح النائب جيمس موران مشروع قانون في مجلس النواب من شأنه «دعم التطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني من خلال تعزيز قدرته على الوصول إلى الإنترنت وخدمات الاتصال». كما دعا مشروع القانون الولايات المتحدة لتوفير أدوات أمام الإيرانيين من شأنها مساعدتهم في الالتفاف على القيود الحكومية المفروضة على الإنترنت.

من جهتها، صرحت وزارة الخارجية بأنها تعمل في 40 دولة لمساعدة شعوبها على التغلب على مثل هذه العوائق. إلا أن نقادا اتهموا الوزارة بالعمل ببطء في إنفاق 15 مليون دولار خصصها الكونغرس عام 2008 لتعزيز مثل هذه البرامج.

واشتكى أنصار إحدى الخدمات (غلوبال إنترنت فريدوم كونسرتيوم) من عدم تلقيها التمويل اللازم لارتباطها بـ«فالون غونغ»، فئة تندد بها الحكومة الصينية.

في الوقت الذي يبدو فيه القرار المتعلق بخدمات الإنترنت متعارضا مع التحرك نحو فرض مزيد من العقوبات على ايران، حسبما أوضح المسؤول، فإنه شرح أنها تأتي في إطار استراتيجية عامة لإجبار الحكومة الإيرانية على تغيير سلوكها.

* خدمة «نيويورك تايمز»