أميركا تريد الوصول لمن يدير الحكم وراء الستار في اليابان

دعوة الأمين العام للحزب الحاكم لزيارة واشنطن وسط تفاقم الخلافات

إتشيرو أوزاوا
TT

على الرغم من تعهد قادة اليابان الجدد بإحداث تحول في أسلوب حكم البلاد، فإنهم تركوا أمرا واحدا من دون تغيير.. رئيس الوزراء، مثلما هو الحال مع كثيرين قبله، يتلقى دعما من قبل زعيم، تغلفه هالة من الغموض، ويجري النظر إليه على نطاق واسع باعتباره المسؤول الفعلي عن إدارة شؤون البلاد.

والآن، في وقت تعاني العلاقات الأميركية - اليابانية حالة من الفوضى والاضطراب، يحاول مسؤولون أميركيون التواصل مباشرة مع هذا الزعيم، الذي يعد بمثابة القوة المحركة للأحداث خلف العرش. وطبقا لما ذكره مسؤولون يابانيون وأميركيون، يعكف دبلوماسيون في هدوء على التفاوض بشأن قيام إتشيرو أوزاوا، الأمين العام للحزب الديمقراطي الحاكم، وأحد مراكز القوى الكبرى، بزيارة واشنطن الشهر القادم.

اقترحت فكرة هذه الزيارة المحتملة، التي ربما تتضمن مقابلة مع الرئيس باراك أوباما، للمرة الأولى على أوزاوا في فبراير (شباط) الماضي، من جانب مساعد وزيرة الخارجية، كيرت كامبل، أثناء زيارة له لطوكيو، حسبما ذكر مسؤولون، طلبوا عدم كشف هويتهم، نظرا إلى أن المقترح لا يزال في طوره الأول. وأضاف المسؤولون أن الدعوة غير الرسمية كانت بمثابة خطوة من جانب واشنطن لتحسين مستوى الاتصال بالقيادة اليابانية الجديدة، التي أعلنت رغبتها في التمتع بقدر أكبر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة.

ووصف أحد المسؤولين المطلعين على هذه الخطوة، الأمر بأنه جزء من جهود أوسع لتشجيع مزيد من المشرعين من أعضاء الحزب الحاكم الياباني الجديد على زيارة واشنطن، والتقاء نظرائهم الأميركيين، وهي زيارات سبق لأعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي القيام بمثلها قبل فقدانهم السلطة الصيف الماضي.

إلا أن المقترح أثار بعض الانتقادات، باعتبار أنه يمكن النظر إليه كمحاولة للالتفاف على رئيس الوزراء، يوكيو هاتوياما، لصالح شخصية سياسية شوهت سمعتها الفضائح، ولا تتقلد منصبا وزاريا رسميا. من جهتهم، أعرب عدد من الخبراء السياسيين عن اعتقادهم أن مسألة تقدم إدارة أوباما بمثل هذا المقترح، وموافقة حكومة هاتوياما المحتملة عليه، تسلط الضوء على اعتقاد مشترك بين الجانبين أن الصعوبات الراهنة، مثل الخلاف حول قاعدة عسكرية أميركية في أوكيناوا، ناشئة في جزء منها عن مشكلة جوهرية، وهي انهيار قنوات التواصل بين البلدين. وأشار الخبراء إلى أن التغيير التاريخي الذي طرأ الصيف الماضي على الحكومة اليابانية أتى على قنوات اتصال قائمة بين الدولتين منذ عقود ماضية عدة. وعبر جون إيو، وهو بروفسور شؤون الحكم في المعهد الوطني لدراسات السياسة في طوكيو، عن اعتقاده أن «إيماءات مثل توجيه دعوة إلى أوزاوا تكشف حدوث انقطاع في الاتصالات. لقد تلاشت الهياكل القديمة لتبادل الحديث بين الجانبين، وسيتطلب الأمر بعض الوقت قبل أن تتمكن الولايات المتحدة واليابان من بناء هياكل أخرى جديدة».

قبل مجيء الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه هاتوياما، إلى السلطة، كان يجري تناول العلاقات الثنائية بين البلدين على امتداد عقود عدة من قبل مجموعة قليلة من الخبراء في الشؤون اليابانية داخل واشنطن، وأفراد يرتبطون بصلة معرفة بهم في أوساط الليبراليين الديمقراطيين، وداخل وزارة الشؤون الخارجية اليابانية، حسبما أوضح إيو وآخرون. ولم يتمكن الديمقراطيون من اكتساح الليبراليين الديمقراطيين فحسب، وإنما حاولوا أيضا الالتزام بتعهدات أطلقوها خلال الحملة الانتخابية، باقتطاع عملية صنع السياسيات بعيدا عن أيدي البيروقراطيين، ووضعها في أيدي مسؤولين سياسيين.

ويرى محللون أن المشكلة تكمن في أن بضع نقاط اتصال جديدة، ظهرت لتحل محل القديمة. ونشأ عن ذلك نقص في المعلومات، أثار قلقا عارما في واشنطن الخريف الماضي، عندما شرعت طوكيو في الدعوة إلى تغيير اتفاق عام 2006 لنقل قاعدة قوات المارينز الجوية في أوكيناوا.

بوجه عام، غالبا ما جاءت تعليقات الوزراء متناقضة ومتعارضة، مما يعكس غياب إجماع في الآراء داخل حكومة تفتقر إلى الخبرة، حسبما ذكر محللون، ففي الوقت الذي أبدى هاتوياما رغبته في الإبقاء على التحالف الأمني بين البلدين، غالبا ما تلاشى صوته في خضم الجلبة المحيطة به. وكان من بين النتائج التي ترتبت على ذلك اقتراف الأميركيين خطأ في قراءة طوكيو باعتبارها تسعى للتحرك بدرجة أكبر بكثير بعيدا عن واشنطن عما ترغب طوكيو بالفعل، حسبما يعتقد المحللون.

وسعيا لعلاج الموقف، حرص القادة اليابانيون على بعث رسائل أوضح إلى واشنطن مؤخرا. على سبيل المثال، خلال خطاباته والمقابلات الإعلامية معه، شدد وزير الخارجية الياباني، كاتسيويا أوكادا، على أنه في الوقت الذي ربما تبدي الحكومة الجديدة انفتاحا أكبر في نقاشاتها، فإن رغبتها في استمرار قوات المارينز وقاعدتهم الجوية في اليابان تبقى قوية. وقال أوكادا في تصريحات أدلى بها في يناير (كانون الثاني) الماضي: «أصبحنا أكثر صراحة عن حكومات يابانية سابقة، وربما يصعب تفهم ذلك على من اعتادوا التعامل مع اليابان من قبل. لكن هذا هو السبيل الطبيعي الذي تنتهجه الأنظمة الديمقراطية في التفاعل مع بعضها بعض، على ما أعتقد».

باقتراحها زيارة أوزاوا لواشنطن، تحاول إدارة أوباما التواصل مع واحد من أكثر الشخصيات السياسية اليابانية المثيرة للجدل، فهو شخصية بارزة، شكلت العقل المدبر وراء هزيمة الليبراليين الديمقراطيين، لكن يجري النظر إليه في الوقت ذاته باعتباره لا يزال مستمرا في سياسات مالية ملوثة، في ظل سيطرته على الشؤون المالية للحزب. وكانت لأوزاوا تعاملات واسعة النطاق مع مسؤولين أميركيين، منها ما يمكن الإشادة به، وأخرى عرضة للنقد.

لكن بعض المحللين يحذرون من أن خطوة دعوة أوزاوا لزيارة واشنطن ربما تبعث برسالة خاطئة، فمن خلال الإشارة إلى أن إدارة أوباما تعتبر أوزاوا مركز القوة الحقيقي في اليابان، يمكن لهذه الدعوة تقويض سلطة هاتوياما الذي يواجه بالفعل انتقادات متزايدة على الصعيد الداخلي بسبب ضعف قيادته. وربما يجري النظر إلى واشنطن أيضا باعتبارها تتخذ صف شخصية سياسية تفتقر إلى الشعبية، وسبق أن تعرضت لانتقادات إعلامية في اليابان باعتبارها آخر معاقل السياسات المريبة للنظام السياسي القديم.

وربما يرى البعض في زيارة أوزاوا محاولة من جانب واشنطن للدخول في تنافس تافه مع الصين، حسبما حذر غيرالد كيرتيس، بروفسور السياسيات اليابانية في جامعة كولومبيا. وقال كيرتيس إن المسؤولين الأميركيين يواجهون مخاطرة الظهور بمظهر الراغبين في تكرار أوزاوا زيارته لبكين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما اصطحب معه أكثر من 140 من المشرعين الديمقراطيين لمقابلة الرئيس الصيني، هو جنتاو.

وأشار كيرتيس، وكذلك محللون أميركيون آخرون، إلى أن إدارة أوباما أخطأت بظهورها بمظهر المصر على التزام الحكومة اليابانية الجديدة بالاتفاق القائم بين البلدين، موضحين أن هذا التوجه العنيف أتى بنتائج عكس المرجوة، بإثارته الغضب في الأوساط اليابانية تجاه فشل واشنطن في الاعتراف بحق الحكومة اليابانية الجديدة في تغيير سياسات بلادها. وبدا النهج الأميركي أيضا متجاهلا محاولات طوكيو التخلي عن نظام إدارة البلاد الذي تغلفه السرية، والذي اتسمت به حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتساءل كيرتيس: «كيف يسهم ذلك في تعزيز المحاسبة والمساءلة في اليابان إذا كنا نبرم اتفاقا مع رجل قوي يقبع خلف العرش؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»