منتديان ثقافيان سعوديان في باريس للدعوة إلى الحوار الحضاري

شارك فيهما الأمير خالد الفيصل والوزير خالد العنقري

TT

ما بين «المنتدى السعودي - الفرنسي لحوار الحضارات»، الذي بدأت فعالياته أمس في جامعة السوربون – بانتيون، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وندوة «دور مؤسسات المجتمع المدني في تقارب الثقافات»، التي عقدت في اليونسكو بحضور المديرة العامة إيرينا بوكوفا والأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة ورئيس مؤسسة الفكر العربي - شهدت باريس، في وقت واحد، نشاطين ثقافيين سعوديين ينمان عن رغبة بينة في تفعيل الحضور الثقافي السعودي في العاصمة الفرنسية استكمالا لمبادرة حوار الأديان والثقافات. وفي كلتا البادرتين، على الرغم من اختلاف زاوية التناول، هدف واحد، هو الترويج للحوار الثقافي ومعرفة الآخر، سبيلا لتعايش الحضارات وبحثا عن قيم مشتركة.

وفي اليونسكو قال الأمير خالد الفيصل في كلمته الافتتاحية: «إن السؤال المطروح في موضوع حوار الثقافات هو: من أين نبدأ لدفع هذا الحوار إلى أرض الواقع؟ والجواب أنه يتعين استجلاء مفهوم القيم والمبادئ المشتركة، بحيث تكون أساسا لتحالف الحضارات مع تحاشي افتعال التناقض بين التنوع الثقافي للأمم والقيم الإنسانية المشتركة».

وحث الأمير خالد الفيصل على أن تقرن ثقافة التسامح بثقافة احترام الأديان والثقافات، باعتبار أن التوتر مرده أحيانا للإساءة إلى أديان الآخرين. ومن جانب آخر، لاحظ دورا مهما لتراكم المواثيق الدولية التي تروج لحوار الثقافات، ومنها ما تم بمبادرة عربية. غير أنه نوه بشكل خاص إلى اتفاقية اليونسكو لحماية التنوع الثقافي التي تحمي الخصوصية الثقافية وتروج للقيم الإنسانية المشتركة.

وفي موضوع الندوة، شدد الأمير خالد الفيصل على دور المجتمع الأهلي وتفعيله، عن طريق تشجيع قيام مؤسسات العمل الثقافي الأهلي والتنسيق بين المؤسسات العربية المعنية لتوفير الجهد والمال. وكانت إيرينا بوكوفا قد نوهت إلى إسهام العرب ماضيا وحاضرا في التفاعل والغنى الحضاري والثقافي، وشددت على مشاركة المجتمع المدني من أجل قيام حوار بين الثقافات، وأشارت إلى مبادرتها بتأسيس مجموعة من المثقفين والكتاب الدوليين للتفكير في هذا الموضوع عملا بتوصية الأمم المتحدة، وخلصت إلى التنويه إلى دور مؤسسة الفكر العربي، وإلى الأنشطة التي تقوم بها. وتم على هامش الندوة توقيع اتفاقية تعاون ثقافي بين مؤسسة الفكر العربي ومنظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة.

وجاء منتدى السوربون، الذي حضره وزير التعليم العالي السعودي خالد العنقري، بمثابة النسخة الثانية للمنتدى الذي جرى في الرياض في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي. وكان منتظرا أن تشارك في افتتاح المنتدى وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي الفرنسية فاليري بيكريس. غير أن «ضرورات» المعركة الانتخابية التي تخوضها بيكريس رئيسة لائحة اليمين في منطقة باريس الكبرى، في إطار الانتخابات الإقليمية، حالت من دون حضورها الندوة التي شارك فيها، بالمقابل، مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الثقافية برنار بلوك، وأدارها جان كلود كوليار، رئيس جامعة السوربون – بانتيون، ومدير أكاديمية باريس باتريك جيرار. كذلك حضر وفد سعودي كبير شاركت فيه نساء إلى جانب أكاديميين وباحثين ومهتمين بالحوار بين الثقافات والحضارات. وقال خالد العنقري إن منتدى باريس يكمل المؤتمرات العالمية التي شهدتها مكة ومدريد ونيويورك، وهي تندرج في إطار مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الداعية إلى «تفعيل الحوار الحضاري بين الشعوب والابتعاد عن التعصب». ونوه العنقري إلى أن الحوار البعيد عن التعصب طريق سوي للوصول إلى «قاعدة صلبة لفهم الحضارات والثقافات، وسبيل إلى «التفاهم والتفاعل»، وهما أمران ضروريان لمستقبل يسوده السلام والأمن والرخاء. وأشار العنقري إلى أن الحوار الحضاري لا يعني التخلي عن الخصوصية الثقافية، معتبرا أن من شروط الحوار الناجح «التسامح الثقافي واحترام ثقافة الآخر والأخذ بالتعددية الثقافية». وكان العنقري عرض جهود السعودية في ميدان التعليم والتعليم العالي كمدخل لبناء «مجتمع المعرفة»، مشيرا إلى أن المملكة تكرس ربع ميزانيتها للتعليم وتجتهد في زيادة مبعوثيها من الطلاب والطالبات إلى الخارج، كبادرة انفتاح على العالم. ونوه العنقري إلى التعاون التعليمي والثقافي بين السعودية وفرنسا، وإلى المكان المتميز الذي تحتله الطالبات في التعليم الجامعي السعودي، حيث تبلغ نسبتهن 60 في المائة.

ومن جانبه، ركز برنار بلوك على أهمية توافر قيم مشتركة مثل الاحترام والتسامح والاعتراف بالآخر، مما يسهل تعايش الحضارات والثقافات والأمم، وهو ما أثنى عليه باتريك جيرار في حديثه عن «القيم المشتركة العالمية»، التي تسهل الإحاطة بها مسارات الحوار على أنواعها. وتفرعت أعمال المنتدى التي عرضها عبد الله الخطيب، الملحق الثقافي في السفارة السعودية، إلى خمسة محاور هي: صدام الحضارات.. حقيقة أم توهم، والثقافة والحضارة في العلاقات الدولية، والثقافة والهوية، وعالمية حوار الثقافات، وأخيرا، المالية الإسلامية وحوار الحضارات.