نتنياهو يتحدى.. وواشنطن تضع 4 طلبات لا تنازل فيها

سفير إسرائيل في واشنطن: هذه أشد أزمة منذ 35 سنة * الفلسطينيون: لا مفاوضات مع استمرار الاستيطان

بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، لدى استقباله الرئيس البرازيلي، لويس إيغناسيو لولا دا سيلفا، أمس، في القدس (أ.ب)
TT

كشفت مصادر مقربة من الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عقد جلسة مشاورات مع مساعديه، تم فيها البحث في إمكانية إلغاء زيارته المقررة الأسبوع المقبل إلى الولايات المتحدة خوفا من رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما أو نائبه جو بايدن، استقباله في البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، وهو مؤرخ في الأصل، إن الأزمة الحالية بين إسرائيل والولايات المتحدة تعتبر أخطر أزمة دبلوماسية بين البلدين منذ 35 عاما.

وفي سياق ذلك، أطلق نتنياهو تصريحات تؤكد نيته استمرار بناء المستوطنات في القدس كما فعلت إسرائيل خلال 42 عاما، أي منذ احتلالها عام 1967.

وأجرى المستشار الرئيسي لنتنياهو في الموضوع الفلسطيني، يتسحاق مولخو، المقرر أن يرأس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع الفلسطينيين، ومستشاره السياسي رون درامر، اتصالات وأحاديث ماراثونية طوال يومي أمس وأول من أمس مع مسؤولين أميركيين للاتفاق حول الخطوات التي تطلبها واشنطن لتسوية هذه الأزمة.

وحسب مصادر إسرائيلية عليمة، فإن الإدارة الأميركية تقدمت بأربعة طلبات إلى الحكومة الإسرائيلية، وقالت إنها لا تتنازل عن أي منها في سبيل تسوية الأزمة، وهي: أولا إجراء تحقيق جاد حول إقرار المشروع الإسرائيلي ببناء 1600 وحدة سكن في حي شعفاط في القدس الشرقية المحتلة، والإعلان عنه في عز زيارة بايدن نائب الرئيس في إسرائيل، والخروج باستنتاجات واضحة إن كان هذا قرارا بيروقراطيا أو قرارا مقصودا. ثانيا إلغاء هذا القرار بشكل رسمي. ثالثا القيام بخطوات تدل على نيات حسنة تجاه الفلسطينيين وتساعد على استئناف المفاوضات معهم خلال يومين، أي قبل وصول المبعوث الرئاسي جورج ميتشل إلى إسرائيل اليوم الثلاثاء.

وعندما سأل المستشاران الإسرائيليان عن أي خطوات تتحدث واشنطن، جاء الجواب: «إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، والانسحاب من مناطق فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، وإزالة المزيد من الحواجز العسكرية، وتخفيف الحصار بشكل حقيقي عن قطاع غزة».

رابعا الإعلان رسميا باسم الحكومة الإسرائيلية أن المفاوضات التي سيجري استئنافها مع الفلسطينيين، حتى لو كانت غير مباشرة، ستتناول القضايا الجوهرية وليس فقط القضايا الإجرائية. واعتبر الإسرائيليون هذه المطالب «مُذِلّة». وغامر نتنياهو أمس بالردّ عليها بمواقف متطرفة. فقال خلال اجتماع لكتلة الليكود البرلمانية أمس، إن حكومته ستواصل البناء في القدس مثلما فعلت كل حكومات إسرائيل طوال 42 عاما. وإنه سيستأنف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية في سبتمبر (أيلول) المقبل، أي بعد انتهاء فترة التجميد الجزئي للاستيطان.

وأثارت هذه التصريحات قلقا في صفوف عدد من الإسرائيليين، الذين قالوا إن هذا تصرف أعمى. وأشاروا إلى أن الكثير من القادة اليهود وأصدقائهم في الولايات المتحدة يتبنون موقف الرئيس أوباما ومساعديه من هذه الأزمة، ويوافقون على أن إسرائيل طعنت بنائب الرئيس الذي يعتبر من أهم أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، وأن الأمر يستحق علاجا جوهريا، وليس مزيدا من الاستفزاز. ويستصعب المؤيدون المتطرفون لإسرائيل الدفاع عنها في هذه الظروف. وقليلون هم الذين يدافعون عنها ويقولون إنها تصرفت ببراءة تجاه بايدن.

في ضوء ذلك، قام السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، مايكل أورن، بتوجيه القناصل الإسرائيليين في المدن الأميركية بحملة شرح للموقف الإسرائيلي في صفوف أصدقاء إسرائيل من أعضاء الكونغرس والصحافيين. والرسالة الإسرائيلية في هذا الشأن، هي أن القرار كان بائسا ولكنه لم يكن موجها ضد بايدن بشكل مقصود.

وكان أورن قد أرسل تقريرا إلى الحكومة الإسرائيلية يخالف فيه تقديراتها حول الأزمة، ويقول إنها «أخطر أزمة بين البلدين منذ 35 سنة».

يُذكر أن نتنياهو يستعد للسفر إلى واشنطن في الأسبوع المقبل، للمشاركة في مؤتمر «إيباك»، وهي تجمع المنظمات الأميركية اليهودية المناصرة لإسرائيل، والتي تضم في الأساس اليمين اليهودي. ولكن رئيس «إيباك» الجديد لي روزنبيرغ، يعتبر صديقا حميما للرئيس أوباما. ولا يسارع في الدفاع عن نتنياهو. وبما أن رؤساء حكومات إسرائيل اعتادوا لقاء الرئيس الأميركي في كل سنة يحضرون فيها إلى مؤتمر «إيباك»، ونتنياهو كان قد أعلن أن بايدن إن كان دعاه للقائه، فإن انفجار الأزمة الحالي جعل من مثل هذا اللقاء شبه مستحيل. ولذلك جاء البحث أمس في مكتبه حول إمكانية إلغاء زيارته وإرسال مندوب آخر عنه إلى واشنطن.

إلى ذلك، سارعت الرئاسة الفلسطينية إلى الرد على نتنياهو، وأعلن المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة أن «أي مفاوضات لن تجري مع استمرار الاستيطان».

وقال أبو ردينة لوكالة الصحافة الفرنسية: «لن تجري أي مفاوضات مع استمرار الاستيطان»، وأضاف أن «هذه السياسة لن تخلق المناخ المناسب لاستئناف عملية السلام». وزاد أبو ردينة: «على الإدارة الأميركية واللجنة الرباعية الدولية التي ستجتمع قريبا أن تتخذ خطوات تمنع إسرائيل من الاستمرار في هذه السياسة الاستيطانية. سياسة نتنياهو وحكومته ستوقع المنطقة في مشكلات كبيرة».

ومن جهته، شدد مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد قريع (أبو علاء) أمس على ضرورة جعل ملف القدس النقطة الأولى في أي مفاوضات قادمة مع إسرائيل.

وقال قريع في مؤتمر صحافي عقده في مكتبه في أبو ديس المحاذية للقدس الشرقية: «في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة والممنهجة على مدينة القدس التي تهدف إلى إخراجها من أي حل واستكمال عملية ضمها بشكل نهائي، يجب أن تكون القدس أولا لتحديد مصيرها في أي مفاوضات قادمة على أساس الشرعية الدولية». وشدد على أنه «لن يكون هناك حل من دون القدس، وواهم من يعتقد أنه من الممكن الوصول إلى حل من دون تحديد مصير القدس وفقا للشرعية الدولية». واعتبر أن القدس «تتعرض لحملة شرسة وممنهجة تقودها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وزادت وتيرتها الآن بشكل غير مسبوق بهدف تغيير واقعها الجغرافي والديموغرافي وتغيير معالمها الثقافية والحضارية والتاريخية والدينية، وطمس هويتها العربية الفلسطينية الإسلامية والمسيحية».

إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أمس أن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات و«إجراءاتها الاستفزازية يقوض فرص تحقيق السلام» في الشرق الأوسط. ونقل بيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية عن جودة قوله خلال استقباله وزير الخارجية القبرصي ماركوس كبريانو، أن «استمرار إسرائيل في إجراءاتها الاستفزازية والمرفوضة دوليا يقوض فرص تحقيق السلام ويزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة».

وبدورها، أكدت كاثرين أشتون ممثلة الاتحاد الأوروبي السامية لشؤون السياسة الخارجية والأمن أمس أن حل الصراع العربي - الإسرائيلي سيمهد الطريق لوجود عهد جديد للشرق الأوسط مما سيفتح الطريق أمام إمكانات عدة للتكامل الإقليمي والتعاون الدولي.

وقالت أشتون، في كلمة ألقتها بمقر الجامعة العربية بالعاصمة المصرية، إن الهدف من زيارتها للمنطقة هو إظهار الاهتمام الذي يوليه الاتحاد الأوروبي لحل النزاع العربي - الإسرائيلي، وهو أمر هام بالنسبة إلى المصالح الأوروبية، وضروري لحل المشكلات الأخرى في المنطقة. وأضافت أن «تلك المنطقة ليست في حاجة إلى مزيد من النزاعات، بل هي في حاجة إلى سلام يستند إلى القانون، نريد سلاما الآن لأن أي تأخر من شأنه أن يجعل تحقيق السلام أكثر صعوبة».

وكان أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر قد اجتمع أمس مع أشتون أكثر من ساعة ونصف، خرج بعده أبو الغيط ليؤكد رفض مصر الكامل للإجراءات والتصرفات الإسرائيلية التي جرت مؤخرا في الأراضي الفلسطينية، وقال إن «الإجراءات الإسرائيلية تقترب من العبث ونرفضها بالكامل».

ومن جهتها، وجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس انتقادات حادة وغير معتادة إلى إسرائيل، وقالت ميركل عقب اجتماع مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري: «تعرضت مسألة المحادثات عن قرب بين الفلسطينيين وإسرائيل لضربة شديدة».

وأوضحت أنها أبلغت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي أن القرار يمكن أن يعرقل عملية السلام في الشرق الأوسط. وشددت ميركل على ضرورة بذل جميع الجهود من أجل إتمام مفاوضات السلام غير المباشرة المخطط لها بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأضافت: «آمل أن تكون الإشارات القادمة من إسرائيل في المستقبل بنّاءة ولا تتواصل الإشارات السلبية بشكل يعرقل إتمام مثل هذه المفاوضات». وأكدت: «نرى أن هناك نافذة زمنية ليست أبدية».

ومن ناحيته، ذكر الرئيس الحريري في المؤتمر أنه لا يرى تقدما في عملية السلام، وعبر عن قناعته بأن «التطرف السياسي» يهدم كل ما يتحقق على صعيد عملية السلام في الشرق الأوسط. لكنه أكد أنه لم يفقد الإيمان بالدبلوماسية.

وعلى صعيد ذي صلة، ذكر مسؤولون أن زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط لا تزال تكتنفها الشكوك حتى أمس، وذلك قبل يوم من الموعد المتوقع لوصوله للاشتراك في مفاوضات السلام غير المباشرة التي يترقبها الجميع منذ فترة طويلة.

وجاء هذا الغموض الذي يكتنف الزيارة في ظل أزمة خطيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل سببها إعلان الأخيرة في الأسبوع الماضي اعتزامها بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية.

وبينما قال مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون إنه سيصل إلى المنطقة اليوم، صرح كورت هوير المتحدث باسم السفارة الأميركية في تل أبيب بأنه لم يتم الانتهاء من تفاصيل الزيارة حتى بعد ظهر أمس. وقال لوكالة الأنباء الألمانية: «ليس هناك أي جدول زمني ولم يتقرر أي شيء في هذا الشأن».