بطرس غالي: إذا انتقدنا انتهاك حقوق الإنسان في أميركا.. فعلينا قبول انتقاداتهم

رئيس مجلس حقوق الإنسان المصري في حوار مع «الشرق الأوسط»: مشاكل الأقباط لن تحلها قبلات الشيخ والبطريرك

بطرس غالي («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكن قضايا حقوق الإنسان مطروحة في مصر في أي وقت، مثلما يحدث حاليا.. فلا يمضي يوم دون أن تكون هناك قضية حقوقية متفجرة إعلاميا أو سياسيا أو قانونيا.. بدءا من ملف المعتقلين، والتعذيب في أماكن الاحتجاز، انتهاءً بالحقوق المدنية والسياسية، مرورا بقضايا الأقباط والمرأة.. لكن المجلس المصري لحقوق الإنسان يلاحظ أن اهتمام المواطن المصري البسيط (قليل الحيلة)، إنما ينصب على الحقوق الأساسية مثل الحق في السكن، والحق في العمل والحق في التعليم والصحة.. بينما تبقى القضايا السياسية، مثل مباشرة الحقوق السياسية وحرية تكوين الأحزاب وحرية إصدار الصحف رهن اهتمام النخبة ممثلة في الجمعيات الأهلية والمثقفين والكتاب.. «الشرق الأوسط» حملت الملفات الحقوقية ووضعتها على مكتب الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس المصري لحقوق الإنسان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي بادرنا قائلا: «لن يستطيع أحد في أي مكان في العالم، الوقوف في وجه حقوق الإنسان».. وبالتالي.. على كافة الدول والجهات التعاطي مع من يتناول هذا الملف الحقوقي دون حساسية، ودون النظر إلى اعتبار ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية.. مؤكدا حق كل دولة في انتقاد الأوضاع الحقوقية، في دولة أخرى.

وحول الوضع الحقوقي في مصر طالب غالي بإنهاء حالة الطوارئ، وما يترتب عليها من تفعيل العمل بقانون الطوارئ، ودعا إلى انتشار ثقافة حقوق الإنسان كمدخل أساسي لحل العديد من القضايا المجتمعية، المتخم بها جسد المصريين مثل قضايا الأقباط والمرأة، وأشار إلى أن التمييز الديني ضد طائفة بعينها، يعد إحدى سمات العالم الثالث، بمعنى أنها مرادف للجهل والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.. وتحدث عن كيفية حل المعادلة بين طبيعة المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان كمجلس استشاري حكومي، ودور المجلس المناهض للممارسات الحكومية المناوئة لحقوق الإنسان، وفيما يلي نص الحوار:

* ما تقييمك لأوضاع حقوق الإنسان في مصر؟

- الأوضاع الحقوقية في مصر تتحرك للأمام بالمقارنة مع الأوضاع في سنوات سابقة كان الحديث فيها عن حقوق الإنسان من المحرمات.. صحيح ليس كل المأمول يحدث.. لكننا نتحرك ونكسب أرضية جديدة.. كل يوم نقطع خطوات حثيثة على الطريق.. لك أن ترى مدى انتشار ثقافة حقوق الإنسان في مصر حاليا.... فالكل يتحدث عنها ويناقشها.. لقد أصبحت قاسما مشتركا في أغلب أحاديث العامة.. وعلى مستوى الإعلام لا تخلو صحيفة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية من حديث ما يوميا يتناول حقوق الإنسان.. وكذلك لا تمر جلسة لمثقفين أو مهتمين بالشأن العام من دون أن يتعرضوا لموضوع ذي صلة بحقوق الإنسان.. أليس هذا تقدما؟.. أعتقد أن انتشار ثقافة حقوق الإنسان بهذا الشكل خلال ست سنوات في حد ذاته إنجاز.. وبالمناسبة مجلسنا استشاري، وبالتالي لا نملك سلطة تمكننا من تحقيق كل الآمال التي نطمح إليها.. وبحكم كوننا مؤسسة جديدة فقد أولينا بعض الاهتمام لمسألة التأسيس وإعداد اللوائح الداخلية للمجلس وتشكيل لجانه ووحداته واستحداث فروع له في بعض المحافظات البعيدة عن العاصمة وكذلك سعينا لعقد شراكات مع مؤسسات حقوقية في الداخل والخارج.. ووضع رؤية حقوقية استراتيجية للمستقبل.. كل هذا استنزف جزءا من وقتنا واهتماماتنا..

* هل هناك معايير تحكم علاقتكم بالحكومة والأجهزة الحكومية؟.

- أولا الحكومة لا تتدخل في عملنا.. وبالطبع هناك نظام متبع.. وهو أن نبعث إلى الحكومة وأجهزتها المختلفة بالشكاوى الحقوقية التي تصلنا، وننتظر الرد عليها.. وقد أنشأنا آلية دائمة ومنظمة لتلقي شكاوى المواطنين والتعامل معها والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والجهات المعنية في الدولة بهدف إيجاد حلول لها.. كما تنوعت مصادر تلقي الشكاوى لدينا حيث أنشأنا خطا ساخنا لتلقي الشكاوى بالمجان.. بالإضافة لاستحداث فكرة مكاتب الشكاوى المتنقلة في الأماكن النائية.. وعبر هذه الوسائل تلقينا 52 ألف شكوى في السنوات الست الماضية.

* كيف ترى هذه الشكاوى.. وهل لكم أي ملاحظات عليها، وما مدى تعاطي الأجهزة الحكومية معكم؟

- إن الملاحظة الأولى على هذه الشكاوى، أن النسبة الأكبر منها تتعلق بمخالفات تمس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن مثل الحق في السكن والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي مثل طلبات الحصول على معاش، بالإضافة لشكاوى تتعلق بـ(المستحقات المالية والنقل التعسفي والاضطهاد وسوء المعاملة.. الخ)، وقد شكل هذا النوع من الحقوق نسبة 69.6% من الشكاوى التي يتلقاها المجلس عام 2008، فيما جاءت الشكاوى الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية في المرتبة الثانية بنسبة 15.8%.. وفي كل الأحوال نقدم هذه الشكاوى إلى المؤسسات والأجهزة الحكومية في الدولة.. ونتلقى ردودا على عدد كبير من المشاكل.. ومستوى الردود يتحسن بشكل عام.. وبعض هذه الردود مقنعة، والبعض الآخر رد روتيني، وأحيانا لا نتلقى ردا.

* كيف تفسر تركيز المصريين على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع الاهتمام بالحقوق السياسية؟

- من جانبي أرى أن التركيز على الحقوق الأساسية للمواطن (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) يعكس معاناة المواطن الحقيقية في حياته، حيث إنك قبل أن تتحدث عن الحقوق المدنية مع المواطن لا بد من توفير الحقوق الأساسية له، إذ كيف يشارك جائع في الحياة السياسية.. ومن ناحية أخرى أرى أن كثرة الشكاوى التي يتلقاها المجلس، وتنوعها إنما تمثل تشخيصا مهما ومفيدا لحالة حقوق الإنسان في مصر، وهو تشخيص يجب أخذه في الاعتبار بشأن أية استراتيجية لدعم وتعزيز حقوق الإنسان في البلاد.

* لكن بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي تتخذ حقوق الإنسان «تكئة» للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكذلك بعض المنظمات الحقوقية الدولية (هيومان رايتس ووتش) على سبيل المثال.. وعلى الأقل حكومتنا تعتبر سؤال هذه الجهات (دول ومنظمات) ومطالبتها بمعالجة وضع ما، تدخلا في الشؤون الداخلية لنا.. ما تعليقك؟.

- حقوق الإنسان مسألة عالمية ولم تعد شأنا داخليا.. وبالتالي فإن انتهاك هذه الحقوق في أي مكان بالعالم يعطي الحق لأي جهة في أي مكان آخر من العالم بانتقاد ذلك الانتهاك.. لذا أقول دائما.. إذا انتقدنا أي انتهاك لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية مثلا.. فعلينا أن نقبل انتقادهم لنا حين يرون أننا ننتهك حقوق الإنسان.. وعلى سبيل المثال أنا وجهت باسمي وصفتي كرئيس للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، انتقادات حقوقية للولايات المتحدة ومعتقل غوانتانامو وغيره، ولم يتبرموا مني لأني انتقدتهم.. وكذلك يمكنني انتقاد أي وضع حقوقي في أي مكان بالعالم، فلماذا نغضب حين ينتقدوننا.. الأهم من كل ذلك هو أن نتحاور معهم ونستمع إلى ملاحظاتهم ونرد عليها، لكن تجاهل انتقادهم لأي وضع عندنا وعدم استقبالهم.. أمر في حد ذاته يثير انتقادا أكثر، فضلا عن أن هذا (الجمود) يلقي ظلالا داكنة على الأوضاع عندنا.. في الوقت الذي يجب أن نحرص فيه على أن تكون الأمور أكثر شفافية.

* هل تعتقد أن إطلاع أميركا والغرب عموما على أمور داخلية في مصر شيء طبيعي أو موقف صحيح من سلطاتنا إذا سمحت به؟

- وهل المقاطعة هي الحل؟.. يا ابني.. ولماذا تقبلون وجود خبراء أجانب في العديد من المجالات، وعلى رأسها قطاع الرياضة وكرة القدم.. أيهما أخطر وأكثر تأثيرا؛ الخبير الجالس معنا ووسطنا يشاركنا خبزنا وعملنا، يدربنا ويعلمنا، نستمع منه وننفذ تعليماته، أم الخبير القادم في زيارة خاصة لعدة أيام يسأل فيها عن شيء ما ويعود؟.. النظرة بهذا الشكل معكوسة تماما.

* مشاكل الأقباط بمصر في ازدياد.. كيف يمكن معالجتها؟

- أولا التمييز على أساس ديني موجود في مناطق عديدة من العالم.. سواء بين أصحاب الديانة الواحدة ضد بعضهم البعض، أو من أصحاب دين ضد أصحاب دين آخر، وعلى سبيل المثال هناك حرب بين المسلمين والمسلمين في تشاد ودارفور (غرب السودان)، وهناك تمييز ضد الهندوس والمسلمين في الهند.. وكما أن التوتسي والهوتو في بوروندي قاتلا بعضهما كثيرا وكلاهما مسيحي كاثوليكي، لقد كان القتل يحدث داخل الكنائس.. وبالتالي فإن المشاكل التي تواجه طائفة دينية في مصر ليست بشيء جديد على العالم.. بالعكس فكما قلت يوجد تمييز ديني في العديد من الأماكن بالعالم.. ولكني أقول أيضا إن مشاكل المسيحيين في مصر تحتاج إلى حلول جذرية، فجلوس البطريرك مع الشيخ وتبادلهما الأحضان والقبلات في جلسة صلح لن يحل المشكلة.. ولعل الاستيعاب والمشاركة وتطبيق قواعد المواطنة وفقا لما جاء بالدستور يسهم بقدر كبير في حل المشكلة.. والأهم من ذلك هو أن يتثقف الناس بثقافة حقوق الإنسان ويطبقوا قواعدها.. بهذا يخف الاحتقان.

* ما هي طبيعة علاقة المجلس بالمنظمات المدنية والحقوقية في مصر وخارجها؟

- نتعاون مع جميع المنظمات الحقوقية في مصر والخارج ونجلس معهم ونتشاور حول كافة الأوضاع بشكل عام.. وأيضا حول أي وقائع تمس حقوق الإنسان في البلاد.

* ما هو موقفكم تحديدا من استمرار العمل بأحكام قانون الطوارئ؟

- المجلس القومي لحقوق الإنسان يطالب منذ سنوات بإنهاء إعلان حالة الطوارئ بمصر وما يترتب على ذلك من وقف العمل بأحكام قانون الطوارئ.

* لكن الحكومة تصر على وضع قانون لمكافحة الإرهاب يحل بديلا لقانون الطوارئ؟

- لا بد من إجراء حوار مجتمعي حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب المزمع صدوره حتى يخرج هذا القانون ملبيا لآمال وتطلعات المجتمع المصري، وحال عدم صدور قانون مكافحة الإرهاب، وبديلا عن الوضع الحالي نطالب بأن يقتصر إعلان حالة الطوارئ على أماكن ذات نطاق جغرافي محدد ولفترة زمنية معينة وفقا لما يبرره وبحق منطق الضرورة.

* العديد من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية تطالب بوقف التعذيب وتعتبر أن تعذيب السجناء في أقسام الشرطة سياسة مبرمجة.. ما موقفكم وتعليقكم على هذه القضية؟

- بالطبع ندين التعذيب.. بل ونطالب بتعديل نص المادتين 126 و129 من قانون العقوبات المصري بشأن جريمتي التعذيب واستعمال القسوة مع الناس، ولم نكتف بالمطالبة بل أعد المجلس تعديلا للمادتين المشار إليهما، ويكفل هذا التعديل توسيع نطاق التجريم وتشديد العقوبة وإجازة الادعاء بالحق المدني المباشر في مواجهة المتهمين بارتكاب هذه الجرائم.. كما نطالب بتحسين الظروف المعيشية والصحية فورا للسجناء والمعتقلين والمحتجزين واحترام كرامتهم الآدمية، والكشف عن أماكن احتجاز كل من تم اعتقاله أو القبض عليه، وتيسير الاتصال بذويهم والمدافعين عنهم، والنظر إلى ذلك كله على أنه حق دستوري وليس منَّة من أحد أو جهة.. مع تفعيل الإشراف القضائي وإشراف أعضاء النيابة العامة على السجون وأقسام الشرطة، ومختلف أماكن الاحتجاز والاعتقال، كما ندعو بالطبع للأخذ بنظام قاضي الإشراف على تنفيذ العقوبات، على أن يتم بالتزامن مع ذلك كله، معالجة ملف المعتقلين والإفراج عن الأشخاص الذين صدرت لصالحهم أحكام قضائية، وتعميم نظام الإفراج الشرطي بحيث يستفيد منه المحكوم عليهم بعقوبة السجن لارتكابهم جرائم سياسية.

* ما تقييمكم لعملية المشاركة السياسية في المجتمع المصري؟.

- أولا.. نطالب بتشريع جديد لتنظيم الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية على أساس نظام القائمة النسبية اتساقا مع التعديلات الدستورية الأخيرة تعزيزا للممارسة الديمقراطية ودعما للتعددية السياسية، مع تفعيل الإشراف القضائي على العملية الانتخابية واعتبار القضاء هو مرجعية الفصل في الطعون الانتخابية.. بالإضافة لكل ذلك لا بد من الإسراع بتنقية الجداول الانتخابية وتحديثها، والبحث في كيفية وإمكانية ممارسة المصريين في الخارج لحقهم الانتخابي.

* كيف ترى مسألة تخصيص عدد من مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) للمرأة، هل تعتقد أن ذلك يدعم المشاركة السياسية للمرأة.. بمعنى أدق هل يحل هذا الإجراء مشكلة النساء بمصر؟.

- تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان يدخل تحت مسألة التمييز الإيجابي، ونحن ندعم هذا التوجه لتحفيز المشاركة السياسية للمرأة.