«الإفراط في التدقيق» وراء تأخر النتائج.. ومراقبون يشيرون إلى التزوير

موظف في مفوضية الانتخابات: عمليات العد أشبه بصنع سيارة «رولز رويس» يدويا

موظف في مفوضية الانتخابات العراقية يعاين قوائم بنتائج الانتخابات في مركز العد والفرز في بغداد، أمس (أ.ف.ب)
TT

في مركز لفرز الأصوات الانتخابية في شرق بغداد، جلس اثنا عشر رجلا يمثلون أحزابا سياسية متنوعة على منصة داخل قاعة تدريبات رياضية في إحدى المدارس، الأحد، حيث عكفوا على مراقبة عملية الفرز. تطلبت العملية مجهودا هائلا، فبعد إغلاق صناديق التصويت في مراكز الاقتراع المحلية، جرى نقلها إلى المركز في حاويات بلاستيكية ضخمة. وقبل عد أي أصوات، جرى التحقق من الأسماء المذكورة على كل بطاقة انتخابية، اعتمادا على قاعدة بيانات كمبيوترية. وفور بدء عملية عد الأصوات، حرص المسؤولون الانتخابيون على تسجيل النتائج في 4 قوائم منفصلة. الملاحظ أن التكرار والإسهاب كان سمة مميزة لكل إجراء متبع في إطار هذه العملية.

في هذا السياق، أكد عباس صباح، أحد المسؤولين المعنيين بالانتخابات، أن «الناس يريدون منا الإسراع، لكن الأمر بالغ التعقيد. إنه أشبه بمحاولة صنع سيارة (رولز رويس) يدويا». مع استمرار الورود البطيء لأنباء حول نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، الأسبوع الماضي، وغياب احتمال ظهور أي فائزين واضحين في وقت قريب، تتفاقم على ما يبدو مشاعر الإحباط على الصعيد العام هنا. وعلى الصعيد غير المعلن، أعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم من أنه بسبب هذا التأخير، ربما تبدو النتيجة العادلة للانتخابات غير منصفة في نظر البعض. حتى الآن، لا يزال المسؤولون السياسيون يطلقون اتهامات علانية بالتزوير الانتخابي، بينها تسجيل أسماء وهمية في القوائم الانتخابية.

مع غياب النتائج النهائية للانتخابات، يتهدد خطر محتمل شهورا من الإعداد الحريص. يذكر أن كلا الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنفقتا ملايين الدولارات، بهدف ضمان نظرة الرأي العام للانتخابات باعتبارها شفافة وموثوقا بها. في هذا الإطار، قال مراقب غربي متخصص في القضايا الانتخابية: «من بين سبل بث الطمأنينة في نفوس من يخشون تزوير الانتخابات، جعل النتائج معلنة». وأضاف المسؤول أن الكثير من الضوابط التي أقرتها اللجنة العراقية الانتخابية العليا جديرة بالإشادة، مستطردا: «لكن، إذا حدثت مبالغة في تنفيذ هذه الضوابط، فإنها ستؤتي بنتائج عكس المرجوة، وتقلص مستوى الثقة العامة بسبب فرضها مزيدا من الإرجاء والتأخير». تتوافر حاليا نتائج أولية جزئية من كل محافظات العراق الـ18، وجميعها تشير إلى احتدام التنافس. إلا أن مسؤولين حذروا من أنه لم يجر فرز سوى نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي أكثر من 12 مليون صوت. في الجنوب، الذي تقطنه أغلبية شيعية، يبدو أن الائتلاف الذي يتزعمه نوري المالكي، رئيس الوزراء، وائتلافا آخر لأحزاب دينية شيعية يتقاسمان غالبية الأصوات. وأظهرت النتائج، المعلنة الأحد من البصرة، ثاني أكبر مدن العراق، تحقيق المالكي نتائج طيبة هناك. أما في معقل السنة العراقيين، شمال البلاد وغربها، يبدو ائتلاف إياد علاوي، الشيعي العلماني الذي أصبح بطلا في أوساط المرشحين السنة، مهيمنا على النتائج.

الملاحظ أن الأحزاب الكردية، مثلما كان متوقعا، أبقت على سيطرتها داخل المناطق الكردية. إلا أنه داخل مدينة كركوك، المتنازع عليها بين العرب والأكراد، يبدو أن ائتلاف علاوي يبلي بلاء حسنا على نحو يثير الدهشة، حسبما تشير النتائج الأولى المعلنة.

حال استمرار هذه التوجهات الأولى، فمن غير المحتمل أن يخرج حزب معين من الانتخابات بفوز واضح. ومن الممكن أن يتحول كل مقعد تسيطر عليه الأحزاب المختلفة داخل البرلمان، البالغ عدد إجمالي مقاعده 325، إلى أداة تفاوض بالغة الأهمية، نظرا إلى أن موافقة المشرعين بأغلبية الثلثين ربما تكون لها أهمية محورية في تشكيل حكومة جديدة.

من بين التساؤلات الكثيرة التي من المحتمل أن تظهر إجابتها في غضون الأسابيع والشهور المقبلة، علاوة على ما إذا كان الرأي العام العراقي سيقبل نتائج الانتخابات باعتبارها منصفة، ما إذا كان بعض السياسيين العراقيين سيقبلون الهزيمة الانتخابية.

من جهتهم، أوضح مسؤولون تابعون للأمم المتحدة أنه لم تظهر حتى الآن دلائل واضحة على وقوع تجاوزات واسعة النطاق في الانتخابات. وترمي الإجراءات الدقيقة لضمان الشفافية والحيلولة دون وقوع تجاوزات، وتتحمل هذه الإجراءات جزءا من اللوم عن بطء وتيرة عملية عد الأصوات. وقد تمكن المراقبون من الاطلاع على خطوات هذه العملية المعقدة جميعها، بما في ذلك ممثلون عن كل حزب سياسي.

داخل مركز عد الأصوات في شرق بغداد، ومع مراقبة كل فرد للآخرين جميعا، من الصعب على أي شخص محاولة التلاعب في النتائج. حتى الآن، جرى عد قرابة 30.000 صوت داخل المركز، وتم تجاهل نحو 800 صوت غير مناسبين، حسبما أعلن صباح، المسؤول الانتخابي، قائلا: «يحاول الناس خداعنا، ويحاولون التصويت مرتين». في أعقاب التحقق من أسماء الناخبين، اعتمادا على قاعدة بيانات، جرى وضع علامات مميزة على الصناديق الانتخابية بشريط أخضر اللون، وجلس مئات الرجال والنساء، ممن يعملون في نوبات تمتد الواحدة منها إلى اثنتي عشرة ساعة منذ 7 مارس (آذار)، على طاولات ممتدة لعد الأصوات وفرزها. من ناحيته، قال مكي الكراس، مراقب من أحد الأحزاب السياسية، إن مسؤولي الانتخابات أنصتوا إلى الشكاوى، لكنهم أبدوا قدرا مفرطا من التساهل. وأشار، على سبيل المثال، إلى أنه لم يسمح بوضع الصناديق الانتخابية على الطاولات، لمنع العاملين من إضافة أصوات إليها، وقال: «عندما شاهدنا صندوقا على طاولة، أخبرنا المسؤولين، وعنفوا هم بدورهم الموظفين. لكن كان ينبغي أن يفصلوهم من العمل». في بلاد لا تزال الخدمات الأساسية بها، مثل الكهرباء وجمع القمامة، في حالة متردية، فإن مسألة إدخال جميع المعلومات الواردة من أكثر من 500.000 مركز اقتراع في قاعدة بيانات واحدة مركزية - وتنفيذ هذه المهمة مرتين للحيلولة دون وقوع تزوير - انطوى على تحديات كبرى. لكن كلما طال أمد عملية عد الأصوات، زادت مخاوف العراقيين من خروج الأمور عن السيطرة.

في هذا السياق، أكد علي غزال، 28 عاما، عامل في بغداد، أن «التأخير أمر خاطئ، لأنه سيمنح الأحزاب السياسية فرصة أكبر للتدخل. يمكن أن تبدأ الأزمة كفقاعة ضئيلة، ويمنحها التأخير فرصة للتفاقم. ونحن كعراقيين نخشى من إمكان أن يصل الأمر إلى نقطة الانفجار على مستوى الشارع العراقي. وسيكون الخاسر الأكبر، كالعادة، الشعب العراقي».

* خدمة «نيويورك تايمز»