الانتخابات الإقليمية الفرنسية: ساركوزي أول الخاسرين والاشتراكيون صاروا القوة الأولى

اليمين المتطرف يحدث المفاجأة.. ويحصد أكثر من 11% من الأصوات

TT

23.5 مليون ناخب فرنسي من أصل 44 مليونا فضلوا البقاء في بيوتهم على التوجه إلى صناديق الاقتراع، أول من أمس، في الدورة الأولى من الانتخابات الإقليمية الفرنسية ليحققوا بذلك أعلى رقم للمقاطعين في تاريخ هذه الانتخابات، حيث زادت نسبتهم على 53 في المائة. وهؤلاء الذين شكلوا الحزب الأكبر الفائز يمسكون في أيديهم بمصير بعض المناطق التي يمكن أن تميل الأحد القادم يسارا أو يمينا بحسب قدرة الأحزاب المتنافسة على إقناعهم بالاقتراع يوم الأحد القادم، وألا يتصرفوا بالطريقة نفسها التي تصرفوا بها أول من أمس. ويجمع المراقبون على أن المقاطعين عبروا عن استيائهم أو خيبتهم من السياسة التي يتبعها اليمين الحاكم.

أما المنتصر الآخر فهو بلا شك الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي حصد نسبة 29.5 في المائة من الأصوات ليتحول بذلك إلى أقوى قوة سياسية موجودة على الساحة الفرنسية، سابقا بذلك حزب اتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم الذي لم يحصل إلا على 26.3 ف المائة من الأصوات، وهو أقل بكثير من نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس ساركوزي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2007، وأقل مما حصل عليه اليمين في الانتخابات الأوروبية صيف العام الماضي. ومع حلوله في المرتبة الأولى يوم الأحد، يتجه الحزب الاشتراكي، عبر التحالف مع لوائح الخضر واليسار بشكل عام إلى تحقيق انتصار واسع في الجولة الثانية يوم الأحد القادم، قد ينعكس بالسيطرة على كل المناطق الـ22 في فرنسا (من غير أقاليم ما وراء البحار)، إذ تظهر العملية الحسابية البسيطة أن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم أنه «استنفد» مخزون أصواته، لأنه خاض الدورة الأولى في لوائح موحدة مع حلفائه، بينما فضل الاشتراكيون الذهاب بمفردهم إلى المعركة من غير الخضر والتشكيلات اليسارية الأخرى. وإذا جمعنا أصوات كل هذه التشكيلات يتضح أن اليسار مؤهل للسيطرة على كل المناطق الفرنسية.

وما يزيد من قوته أن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف قد أخرج رأسه مجددا من الرمال، إذ حصل على 11.6 في المائة من الأصوات على المستوى الفرنسي ككل. وأهمية هذه النسبة أنها تتيح لهذا الحزب أن يتنافس في الدورة الثانية في المناطق التي وصل فيها إلى 10 في المائة. وقال رئيسه جان ماري لوبن إنه «مصر» على التنافس، حيث إن ذلك متاح، مما يعني أنه سيضع اليمين الكلاسيكي في حالة حرج إذ سيحرمه في 12 منطقة على الأقل من الأصوات التي كان يمكن أن تصب على لوائحه.

ويبدو أن لوبن، الذي حقق أكثر من عشرين في المائة في منطقة جبال الألب والشاطئ اللازوردي، استفاد من ضعف اليمين الكلاسيكي ومن ارتداد المحازبين الذين كانت أغوتهم في السابق خطابات ساركوزي المركزة على مواضيع حساسة مثل الهجرة وانعدام الأمن. ويرى آخرون أن النقاش الذي أطلقه وزير الهجرة أريك بيسون عن الهوية الوطنية وما أثاره من مشاعر عدائية ضد المهاجرين والإسلام بشكل عام، قد أفاد الجبهة الوطنية باعتبار أنها تعيش تقليديا على هذا النوع من الخطاب. واضح أن الجدل على المساجد والإسلام بشكل عام قد أعاد هذا الحزب اليميني المتطرف الذي كان في طور الزوال إلى الواجهة.

وآخر المنتصرين هو حزب الخضر الذي حصل على 12.5 في المائة من الأصوات وفرض نفسه كثالث حزب سياسي مؤثر على الساحة الفرنسية. وتؤهل هذه النسبة الخضر لفرض شروطه لدى تشكيل اللوائح الموحدة، إن كانت لجهة المناصب التي سيطالب بها، أو البرنامج الذي ستدافع عنه اللوائح الموحدة.

أما في معسكر الخاسرين، فإن الرئيس ساركوزي «يتربع» على المرتبة الأولى. وقد سعى رئيس الحكومة فرنسوا فيون والوزراء وساسة اليمين بشكل عام إلى التأكيد أن نتائج الاقتراع ليست تعبيرا لا عن هزيمة رئيس الجمهورية ولا معاقبة له على السياسة التي يتبعها بسبب نسبة المقاطعة المرتفعة. غير أن هذه الحجة، رغم ما تحمله من حقيقة، لا تكفي لتجاهل اللطمة السياسية التي تلقاها ساركوزي في منتصف ولايته. وعلى الرغم من أن قصر الإليزيه أكد أن الرئيس سيحافظ على خطه السياسي، فإنه من الواضح أن موقعه سيضعف ولن يكون في استطاعته الاستمرار في قيادة البلاد وفرض إرادته على الحزب والحكومة والنواب كما فعل حتى الآن. لكن المؤسسات الفرنسية تحميه من التقلبات السريعة بفضل الأكثرية النيابية التي تتمتع بها حكومته في البرلمان بمجلسيه. ولكن، على الرغم من ذلك، لا يستطيع تجاهل النتائج التي أسفرت عنها الدورة الأولى.

وبسبب تداخل هذه العوامل، فإن ساركوزي يلج الجزء الثاني من رئاسته وهو في موقع ضعف، بينما نجح الحزب الاشتراكي في لملمة صفوفه وإعادة فرض نفسه كقوة سياسية جدية. واستفاد الرئيس الفرنسي حتى الآن من انقسامات اليسار والاشتراكيين على وجه الخصوص. غير أن هؤلاء، في حال نجاحهم في التغلب على انقساماتهم والاتفاق على شخصية محترمة يرشحونها لرئاسة الجمهورية، فإن إعادة انتخاب ساركوزي لن تكون أبدا نزيهة مضمونة النتائج، مما من شأنه أن يفتح اللعبة السياسية على كل المفاجآت.

يبقى أنه إذا كانت لهذه الانتخابات من نتيجة إيجابية لساركوزي، فإنها قد خلصته من فرنسوا بايرو، زعيم حزب الحركة الديمقراطية الذي حل في المرتبة السادسة وفشل في الوصول إلى عتبة الـ5 في المائة من الأصوات التي كانت ستمكنه من تشكيل لوائح مشتركة مع أحزاب أخرى. وكان بايرو، الذي جعل من انتقاد ساركوزي سبيلا للبقاء في الساحة السياسية، قد عرف ساعة المجد في الانتخابات الرئاسية الماضية التي حل فيها في المرتبة الثالثة. وليس من المستبعد أن تضمحل حركته بعد الضربة القاصمة التي لحقت به الأحد الماضي.