الطيار باومغارتنر لـ«الشرق الأوسط»: لست مجنونا وسأكسر حاجز الصوت بجسدي

القفزة تماثل هبوط أول إنسان على القمر وتفسح المجال للسياحة والاستكشافات الفضائية

الطيار النمساوي فيلكس باومغارتنر خلال التدريبات في مركز ناسا («الشرق الأوسط»)
TT

أعلن الطيار النمساوي فيلكس باومغارتنر الشهير بمغامراته في السباحة الفضائية عزمه على توسيع حدود استكشاف الفضاء بأن يصبح أول شخص يحطم سرعة الصوت بالجسم البشري.

خطط باومغارتنر التي يدعمها فريق من علماء وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» وبرعاية «ريد بل ستراتوس» ترتكز على الصعود في كبسولة يرفعها بالون هيليوم إلى الروافد العليا من الستراتوسفير بنحو يصل إلى 120 ألف قدم، على أن يكون محميا بسترة ضغط مماثلة للتي يرتديها رواد الفضاء، ليطلق قفزة السقوط الحر التي يمكن أن تتجاوز سرعتها أكثر من 690 ميلا في الساعة قبل القفز بالمظلة إلى الأرض.

وإذا نجحت هذه المهمة، ستنشئ «ريد بل ستراتوس» أربعة أرقام قياسية عالمية، والبيانات التي سيتم التقاطها من قِبل البعثة في العالم، من كبار العلماء حيث سيتم وضع واستكشاف معايير جديدة في مجال سلامة الطيران وتعزيز إمكانيات رحلة الإنسان إلى الفضاء. كما سيكسر الرقم القياسي الذي سجله الكولونيل الأميركي في سلاح الجو جوزيف كيتينغر، الذي أطلق قفزته الستراتوسفيرية عام 1960 من 102.800 قدم.

ويشتهر باومغارتنر الذي سيبلغ في 20 أبريل المقبل واحدا وأربعين عاما من عمره بمغامراته في السباحة الفضائية التي كان يهواها منذ كان صبيا في السادسة عشرة، وقبل أن يحقق حلمه في أن يصبح طيارا في الجيش النمساوي.

من المغامرات الفريدة لباومغارتنر عبوره القنال الإنجليزي بمظلة مجنحة، حيث قفز من طائرة فوق ميناء دوفر البريطاني، ليعبر بمظلته التي حلقت وحدها مسافة 33 كيلومترا قبل عملية سقوط حر نحو الأرض، حيث فتح مظلته فوق سماء كاليه الفرنسية.

وجاءت القفزة في الذكرى السنوية الـ94 لأول عبور للقنال الإنجليزي بطائرة، حققه لويس بليريوت.

وسبق ذلك تحقيقه للرقم القياسي العالمي لأعلى قفزة بالمظلة من مبنى عندما قفز من أبراج بتروناس في كوالالمبور عام 1999.

وفي عام 2007 حقق قفزة قياسية من الطابق الـ90 (390 مترا) لأعلى مبني في تايوان.

فيلكس باومغارتنر، الذي خص «الشرق الأوسط» بحديث عن تجربته الجديدة قال إنه يشعر «بحالة من الترقب وأيضا القلق لأننا سنخوض تجربة مع المجهول، ولا أحد يستطيع التنبؤ بدقة كيف سيكون رد فعل الجسم البشري في مرحلة القفز بسرعة تفوق سرعة الصوت، لكن علينا استكشاف ذلك».

ويدرك باومغارتنر أن كثيرين حاولوا كسر الرقم القياسي الذي سجله الكولونيل كيتينغر، ولقوا حتفهم، إلا أنه واثق من نجاح تجربته هذه المرة لوجود فريق كبير من العلماء وراءه منهم خبير «ريد بل ستراتوس» الطبي الدكتور جوناثان كلارك الذي شغل منصب طبيب جراح لست بعثات لمكوك الفضاء من قبل، والخبير التقني أرت تومسون مدير المشروع، وعلماء من وكالة «ناسا».

ويشير باومغارتنر إلى أن أصعب ما في القفز الحر من ارتفاع 120 ألف قدم هو الجلوس في سترة الضغط التي قال بعد 3 ساعات من التجارب بداخلها: «كان الأمر رهيبا؛ لا تسمع أي ضوضاء من الخارج، لذا فأنت وحيد مع نفسك تماما، ومن الصعوبة بمكان التعامل مع الشعور بالوحدة وأيضا الاختناق».

كانت نتائج القفزات الاختبارية جيدة، لكنها كشفت عن بعض القضايا المتعلقة بالحركة المحدودة ومجال الرؤية داخل السترة، فعلى سبيل المثال كان عليهم أن يصنعوا نظاما جديدا لنقل حقيبة الصدر على أحد الجانبين ليتمكن من رؤية منطقة الهبوط بالأسفل. وكان عليهم تعديل مقابض المظلة ليتمكن من التمييز بينهما.

ويقول باومغارتنر: «في واحدة من القفزات الاختبارية التي قمت بها، خلطت بينهما، لذا كنت أسحب المقبض الخطأ طول وقت الهبوط. والآن يمكنك أن تشير إلى الفرق بمجرد الإحساس». كما أن الفريق ثبت مرايا في القفازات الخاصة به ليتمكن من رؤية أفضل، «هذه هي التفاصيل التي قد تودي بحياتك إذا لم تولِ اهتماما كافيا بها».

* من أين جاءتك هذه الفكرة؟

- منذ سنوات وصلتني عروض من بعض الشركات تحمل نفس الفكرة، وقدموا لي دراسات لكنها كانت على الورق، لم أجد شيئا ملموسا لتحويل هذه الأفكار إلى واقع، ولم أشعر بجدية العروض، لذلك تجاهلت الأمر، وتكرر الأمر من شركات أخرى، حتى جاء العرض المناسب من شركاء يدركون أهمية الطيران والعمل بالفضاء هم «ريد بل ستراتوس» وطاقم باحثين في وكالة «ناسا» الفضائية. إن تجربة القفز وكسر حاجز الصوت بالجسم لن تكون فقط مجرد رقم قياسي في موسوعة غينيس أو حدث خارق ينتهي بمجرد الانتهاء منها، إنها تجربة ستماثل يوم نزول أول إنسان على القمر، وربما الأبحاث العلمية التي ستنتج عنها هي الأكثر استفادة.

* كثيرون وصفوا الفكرة بأنها ضرب من الجنون، هل فكرت في أن القفز من 120 ألف قدم بإمكانه أن يقضي على حياتك؟

- لا، إذا نظرت إلى جميع هذه التفاصيل، والمجهود المبذول في هذا المشروع، وإلى أي مدى سنجعله آمنا... فإن الأمر بعيد كل البعد عن كونه جنونا. لدينا فريق عمل من العلماء على أعلى مستوى وفي كل الفروع الطبية والتكنولوجية، أناس على درجة عالية من الاحترافية والثقافة، ولي أن أذكر مثال على ذلك وجود جوناثان كلارك الطبيب والعالم بوكالة «ناسا» للفضاء. يقف وراء هذا العمل مجموعة كبيرة من الباحثين وهم درسوا ووضعوا كل سبل الحماية والسلامة خلال القفزة، وأخذوا الاحتياطات الكافية في حال حدث أي خلل في سترة الضغط التي سأرتديها. بالنظر إلى كل هذا لا يمكن أن نصف التجربة بالجنون، نعم فكرت في حياتي والموت قد يأتي ونحن نائمون أو في أي وقت.

* هل تناقشت في هذا الأمر مع عائلتك؟

- نعم، وقد شعرت أمي بالضيق وأبدت خشيتها من الأمر، لكنها سرعان ما استجابت لرغبتي. لقد اعتادوا جميعا على هذه الأمور، فقبل سنوات عندما بدأت رياضة القفز بالمظلات وكان عمري وقتها 16 عاما، لم يكونوا سعداء بهذا الأمر، لكنهم اكتشفوا أنني أفعلها بالطريقة الآمنة. وحدث نفس الشيء عندما بدأت رياضة القفز من أماكن ثابتة، نعم هذه المرة الأمر أكثر من مجرد سباحة في الفضاء، لكن وسائل الأمان المتوفرة شجعتهم على قبول الفكرة.

* متى تتوقع القيام بهذه المغامرة؟

- رغم وجود بعض العقبات خلال التجارب حاليا، فإننا نحاول التغلب عليها سريعا حتى نستطيع القيام بالقفزة خلال هذا العام كما هو مخطط من قبل. لم نعلن اليوم المحدد لإجراء القفزة لأننا ما زلنا نعالج بعض المشكلات التقنية.

* ما احتياطات السلامة التي تتخذونها؟

- لا شك أن السلامة تأتي في مقدمة الأمور التي يهتم بها فريق العمل، حتى يمكن لهذه التجربة أن تتم على أكمل وجه كما نرغب.

أولا لدينا سترة الضغط، ونحن نعمل على تحسين قابليتها للتعامل مع ارتفاعات تفوق 65 ألف قدم، حيث لا بد من الأخذ في الاعتبار أن سوائل جسم الإنسان قد تصل إلى نقطة الغليان في حالة الهبوط السريع من مثل هذه الارتفاعات، لذلك فأنت تحتاج إلى نوع خاص من سترات الضغط لا أي سترة.

كما أن هذه السترات أيضا تزودك بنسبة الأكسجين اللازمة وأيضا تحافظ على حرارة الجسم، حتى في حالة حدوث أي خلل في السترة خلال عملية الهبوط ستظل محافظة على توازن نشاط الجسم بشكل طبيعي. كما يوجد مظلتان للطوارئ تفتحان تلقائيا في حال حدوث الدوران الحلزوني الذي قد يحدث عند الهبوط بالسرعة الفائقة المرتبطة بالتسارع الزمني بسبب الجاذبية الأرضية، لأن مهارة الإنسان في مثل هذه الحالة لن تساعد على وقف الدوران.

* وماذا عن التنفس قبل القفز؟

- نحتاج ساعتين من «التنفس المسبق» للأكسجين لإخراج النيتروجين من الدم والصعود والقفز، لأن الوجود لفترة طويلة داخل سترة الضغط يمثل عبئا كبيرا. خضت تجربة وكانت أطول فترة قضيتها في السترة مع إغلاق الجزء الأمامي المتحرك من الخوذة هي ثلاث ساعات، ولأكون صادقا كان الأمر رهيبا!

* هل تشعر بخطورة هذه التجربة؟

- دائما ما أشعر بالخطورة حيث يمكن أن تتعرض لشيء غير متوقع، أو أن يحدث خطأ طارئ، فوقوع خطأ واحد يمثل كارثة حقيقية. القلق يأتي من أنك ستكون حيث لا يجب أن يكون بشر، فعندما تقفز من ارتفاع 120 ألف قدم ستصل سرعة الهبوط في الثواني الأولى إلى نحو 659 ميل في الساعة، ثم تزداد لتصل إلى نحو ألف ميل عندما تقترب أكثر من الجاذبية. مجرد التفكير في هذه السرعة تشعر بالقلق والذعر. خلاصة القول أنك عندما تواجه المجهول لا بد أن تشعر بالقلق.

* ما الأفكار التي تتوقع أن تراودك خلال القفزة؟

- لا أعلم ما سوف يدور بخاطري في تلك اللحظة لأنني لم أقفز بعد، لكن أدرك أنني سوف أكون في كامل تركيزي على إتمام المهمة بنجاح، وهو ما قد لا يعطيني مساحة للتفكير في أشياء أخرى. من المفروض أن تضع كل اهتمامك في ما حولك فقط.

* هل قمت بتجارب لهذه القفزة؟

- قم باختبارين من ارتفاع 25 ألف قدم، وسننتقل إلى ارتفاعات أعلى حتى نصل إلى القفزة النهائية، التي نأمل أن تكون خلال العام الحالي. كانت نتائج القفزات الاختبارية جيدة، لكنها كشفت عن بعض القضايا المتعلقة بالحركة المحدودة داخل سترة الضغط ومجال الرؤية داخلها، فعلى سبيل المثال، كان عليهم أن يصنعوا نظاما جديدا لنقل حقيبة الصدر على أحد الجانبين لأتمكن من رؤية منطقة الهبوط بالأسفل. وكان عليهم تعديل مقابض المظلة للتمكن من التمييز بينهما، ففي واحدة من القفزات الاختبارية التي قمت بها خلطت بينهما، لذا كنت أسحب المقبض الخطأ طول وقت الهبوط. لكن تم تصيح الأمر بوضع اختلافات بينها حيث يمكنك أن تشير إلى الفرق بمجرد الإحساس. كما أن الفريق ثبّت مرايا في القفازات الخاصة به ليتمكن من رؤية أفضل. هذه هي التفاصيل التي قد تودي بحياتك إذا لم تولِ اهتماما كافيا بها.

كما قمنا بتجربة غرفة الضغط مرات كثيرة وهي تتيح لك تعرُّف الأجواء التي ستواجهها في الفضاء قبل القفز. وقمنا بتجربة سترة الضغط نفسها على كيفية التحرك داخلها، خصوصا أن الضغط يكون تأثيره سلبيا على العينين مباشرة، مما يجعل مواجهة الأمور داخل السترة أمرا في غاية الصعوبة.

إضافة إلى ذلك فإن السترة في حد ذاتها غير مريحة ويجب التدريب للاعتياد عليها.

ورغم هذه الصعوبات والمخاطر المحيطة بالتجربة فإني أمتلك الثقة الكاملة في نجاحها، لأن فريق العمل يضم أفضل خبراء في مجال الفضاء.

* هل سيكون بينك وبين فريق العمل اتصال في أثناء القفزة؟

- بالتأكيد، فلدينا مركز اتصالات على الأرض حيث يوجد بيننا الرجل الذي سبق أن قام بتجربة مشابهة في ستينات القرن الماضي وهو كولونيل سلاح الجو الأميركي المتقاعد جوزيف كيتينعر، الذي أطلق قفزته من 102.800 قدم، وكانت سببا في فتح الباب لاستكشاف الفضاء، كما يوجد معنا فريق طبي لمراقبة متغيرات الجسم وما يحدث ثانية بثانية. فكل شخص موجود بالمحطة الأرضية سيكون على دراية مباشرة بكل ما يحدث في الفضاء، وهذا أمر في غاية الأهمية، لأن مجرد تعرُّف أي خلل في اللحظات الأولى من الممكن إصلاحه فورا، فكما قلنا عوامل السلامة تأتي في المقدمة.

* ما الغرض الذي تهدف إليه من وراء القيام بهذه القفزة؟

- سوف أحقق شيئين: الأول تحقيق أرقام قياسية، فإذا نجحنا فإني سأكون أول من يقفز من هذه النقطة الشاهقة الارتفاع، وأول شخص يكسر حاجز الصوت بجسده. أما الثاني فتقديم معلومات علمية قيمة ستفيد في أبحاث الفضاء.

* هذا يعني أن التجربة ستفيد في مجالات السياحة الفضائية! - نعم، ستقدم معلومات هامة عن كل ما يتعلق بأحوال الإنسان خارج نطاق الغلاف الجوي. إنها أبحاث ستفيد في مجال السياحة الفضائية.

كثير من الناس يتساءلون عن فائدة السفر إلى القمر، فليس إلى ذلك حاجة، ولكن في الحقيقة إن السباحة في الفضاء قد تفيد كثيرا في الحصول على معلومات جيدة للبشر، سواء بالنسبة إلى الأقمار الاصطناعية أو النظم الملاحية. وستفيد أيضا في مجال سلامة الطيران وتعزيز إمكانيات رحلة الإنسان إلى الفضاء.

* في حال نجاح التجربة ما الذي سوف تقدمه بعد؟

- إذا نجحت هذه التجربة سأكون قد وصلت إلى كامل طموحي، خصوصا أنني قد بلغت الواحدة والأربعين من عمري، وهذه هي النقطة الأعلى التي لا يمكن التفكير في الوصول إلى ما أبعد منها. عندما كنت صغيرا كان لدي حلمان: أن أسبح في الفضاء، وأن أصبح طيارا، وقد حققت الأمنية الأولى وأنا في السادسة عشرة، وأصبحت طيارا وأنا في بداية العشرينات. لذا لا أعتقد أنني سوف أقوم بتجارب مماثلة، سأظل أترقب نتائج قفزتي وفوائدها على البشر.