ماكوفسكي: التشدد الأميركي سيزيد من تشدد العرب

«الشرق الأوسط» تستطلع آراء خبراء ومسؤولين أميركيين سابقين * ووكر: ربما يسقط نتنياهو في الانتخابات المقبلة جراء الأزمة * ميلر: ليبدأ أوباما بمشكلة الحدود، ثم ينتقل إلى القدس * ليفي: قريبا جدا سيصلون لحل وسط يعلن فيه كل طرف انتصاره

يهودي ارثوذكسي يقف بالقرب من المسجد الاقصى في البلدة القديمة المحتلة أمس (أ.ب)
TT

في استطلاع لـ«الشرق الأوسط» لآراء خبراء أميركيين متخصصين في شؤون الشرق الأوسط، قالت الأغلبية إن إسرائيل أخطأت عندما أعلنت قرار البناء الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة أثناء زيارة نائب الرئيس بايدن، ولكن هذه الأغلبية انتقدت ما سمته تشدد واشنطن، غير أن آخرين قالوا إن إسرائيل يجب أن تعرف أن واشنطن لن تؤيدها تلقائيا في كل شيء تفعله.

قال ديفيد ماكوفسكي، مدير قسم عملية السلام في معهد الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة «على حق في أن تغضب» بسبب القرار الإسرائيلي، لكنه أكد أهمية التحالف مع إسرائيل.

وأضاف ماكوفسكي أن إسرائيل، إذا شعرت أن علاقتها مع الولايات المتحدة ضعيفة، لن تحس بأنها قوية، وبالتالي، لن تغامر لتحقيق السلام. وتابع القول إن لدى الرئيس باراك أوباما «أسبابا تجعله غير مرتاح لما حدث». ربما يشبه ما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما تقابل أوباما ونتنياهو في واشنطن، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه حكومته بناء تسعمائة وحدة سكنية في القدس الشرقية. وأن نتنياهو، في ذلك الوقت، وعد بتأسيس جهاز يراقب بناء المستوطنات، وإعلان ذلك، حتى لا يسبب حرجا جديدا. وعن تصريحات هيلاري كلينتون، والشروط التي قدمتها لنتنياهو، قال ماكوفسكي: «فعلت ذلك لاعتقادها بأن ذلك سيمنع العرب من الاشتراك في المفاوضات بعد أن كان السيناتور جورج ميتشل يستعد للسفر إلى المنطقة». لكنه أضاف: «في الجانب الآخر، يوجد خطر أن هذا الرد المتشدد سيجعل الفلسطينيين والعرب يتشددون هم أيضا، ويطلبون المزيد من إسرائيل».

وأشار ماكوفسكي إلى مقابلة أجرتها مؤخرا «الشرق الأوسط» مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، قال فيها إنه تشدد في التفاوض مع إسرائيل، واشترط وقف بناء المستوطنات لأن الرئيس أوباما كان فعل ذلك. يعني ذلك أن عباس لم يكن يريد أن يتفوق عليه أوباما في هذا المجال. لكن نتيجة هذه المساومات حسب ماكوفسكي أن «المفاوضات لم تحدث منذ أن صار أوباما رئيسا».

وفي الجانب الإسرائيلي، انتقد ماكوفسكي ايلي يشاي، وزير الداخلية من حزب شاس لليهود الشرقيين المتشددين، لأنه أعلن بناء المساكن بينما كان بايدن في إسرائيل. وقال ماكوفسكي إن الوزير يجب أن يستبدل. وأضاف: «فصل يشاي سيوضح أن إسرائيل تعرف أنها لا تستطيع ضمان تأييد الولايات المتحدة التلقائي لها».

وأما إدوارد ووكر، سفير أميركا السابق في إسرائيل ودول عربية أخرى، ويشغل الآن مدير معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فإنه لا يعتقد أن الأزمة الحالية بين البلدين ستتفاقم. ولا يعتقد أن السيناتور جوزيف ليبرمان سيستدعي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، و«يلقنها درسا». وقال: «ليست هذه مباراة بين اثنين، ولا حتى بين رأيين. يوجد موضوع أكبر وأهم، وهو السلام في الشرق الأوسط. لهذا، أعتقد أن العقول ستسود في النهاية». لكن ووكر يعتقد أن ما حدث يمكن أن يؤثر على العلاقات بين البلدين، وذلك لأن إدارة أوباما لم تخف غضبها، وأعلنته، وكررت إعلانه. وأعاد إلى الأذهان ما حدث خلال التسعينات عندما أغضب نتنياهو إدارة الرئيس كلينتون. ثم سقط نتنياهو في الانتخابات التالية. ورغم أن ووكر رفض تأكيد تكرار هذا الموقف هذه المرة فإنه لم يستبعده بقوله: «ربما. ربما».

وحول إمكانية أن تنفذ إسرائيل شروط كلينتون ومنها إلغاء القرار، وتسهيل الحياة في الأراضي المحتلة، والتقارب مع الفلسطينيين، قال ووكر: «هذه شروط معقولة. وأعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يقدر على تنفيذها. وإذا نفذها، سيدفع عملية السلام إلى الأمام، وهذا هو ما يهمنا». وتفهم ووكر ضرورة أن يأخذ الصديق القوي بالاعتبار الصديق الذي يخاف على أمنه. فقال: «كل هذا مفهوم. وكل الحديث عن الصداقة والعلاقات التاريخية مفهوم. لكن، يوجد هدف مهم، وهو تحقيق السلام في الشرق الأوسط».

واستبعد دانيال ليفي مدير مبادرة السلام في معهد «سنشري» (القرن) في واشنطن، أن تصل المشكلة بين البلدين، مرحلة وقف المساعدات العسكرية، أو حتى التهديد بوقفها. وقال: «هذا موضوع أكبر من العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إنه موضوع تاريخي وأخلاقي. ماذا يفعل الصديق مع صديقه عندما يختلفان؟ خاصة إذا كان الصديق هو الأهم والأقوى والأعلى. ليس فقط في الحي، أو في المدرسة، أو في المدينة، ولكن على مستوى العالم والتاريخ». وأضاف: «حتى إذا كانت هذه مشكلة بين أميركا وحليفتها تايوان. لا تقدر أميركا، ولا يجب، تاريخيا وأخلاقيا أن تستغل المشكلة لتهدد وتتوعد، ناهيك عن أن تعاقب».

وعن المواجهة المستمرة بين كلينتون، والسيناتور ليبرمان (يهودي كان ديمقراطيا وأصبح جمهوريا)، قال ليفي: «أنت تعيش في واشنطن، وتغطي السياسة والسياسيين. لا بد أن تعرف أن السياسة هي فن الممكن. صحيح، أمس، كررت هيلاري لهجتها المتشددة، وكرر ليبرمان دعوته لحل المشكلة في هدوء، داخل العائلة»، كما قال. ولكن «إذا سألتني هل سيستدعي ليبرمان هيلاري إلى جلسة استجواب في الكونغرس، ويلقنها درسا؟ فإن ردي هو أنا لا أعتقد. اكتب عن لساني، قريبا جدا، بعد الهيجان، سيصل السياسيون المحترفون والعقلانيون والمخضرمون لحل وسط، ويعلن كل جانب أنه انتصر». وتابع القول: «هذه هي السياسة في واشنطن». وقال ليفي إنه بنفس المنطق الذي يحتم على أميركا ألا تضغط أكثر على صديق يعتمد عليها كثيرا، «ربما اعتماد حياة أو موت»، يتحتم على إسرائيل أن تضع ذلك في الاعتبار.

وقال أرون ميلر، مستشار سابق بوزارة الخارجية والآن خبير في معهد ويلسون في واشنطن: «لا تزال إسرائيل دولة صغيرة، تحس بأنها تعيش على حافة السكين. وكل أميركي لا يفهم هذه الحقيقة لا يفهم شيئا». وأضاف أن الجهود الأميركية السابقة التي شملت إسرائيل وضعت اعتبارات لهذه الحقيقة. وأن ذلك ساهم مرات كثيرة، في الوصول إلى حلول لبعض المشاكل. وأشار إلى جهود الرئيس السابق جيمي كارتر، ووزيري الخارجية الأميركيين السابقين: هنري كيسنجر وجيمس بيكر. ونقل هؤلاء إلى الإسرائيليين أن هناك ثمنا لرفض طلب دولة عظمى. ونجحوا في الوصول إلى نتائج مرضية للأميركيين وللإسرائيليين وللعرب. وتابع القول: «لا بأس من التشدد مع إسرائيل، ولكن في موضوع كبير وبهدف الوصول إلى اتفاقية شاملة. لكن، سيفشل التشدد في موضوع مثل بناء مساكن في القدس الشرقية».

وعلى هذا الأساس، انتقد ميلر أوباما لأنه أعلن في السنة الماضية، في خطاب من القاهرة أن على إسرائيل تجميد البناء الاستيطاني. وقال: «لم يكن أوباما متشددا، ولا كان مطمئنا. طلب شيئا غير واقعي. ثم تراجع عندما رفض نتنياهو. أي زعيم إسرائيلي كان سيرفض».

وأضاف ميلر: «إذا كان (أوباما) حقا يريد التقدم في مفاوضات السلام، وإقناع الإسرائيليين باتخاذ خطوات يقدرون عليها، فليبدأ بمشكلة الحدود. وإذا نجح، ينتقل إلى مشكلة القدس واللاجئين».