صدام أوباما مع إسرائيل ينطوي على منافع.. ومخاطر

العسكريون لا يريدون محاباة إسرائيل.. والسياسيون في الكونغرس منقسمون في الرأي

TT

يحمل الدخول في صراع مع إسرائيل بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما، مخاطر داخلية وخارجية واضحة. إلا أنه في الوقت ذاته، ربما يثمر نفعا بالنسبة للإدارة يستحق الثمن الذي ستتكبده، ألا وهو تعزيز مصداقية أوباما كصانع سلام بمنطقة الشرق الأوسط من خلال إظهار أمام الإسرائيليين والفلسطينيين المتشككين بأمره عزمه على دفع الجانبين نحو اتفاق.

وتجلت المخاطر الداخلية، أول من أمس عندما ناشد أكثر من عشرين عضوا في الكونغرس، ينتمي الكثير منهم إلى الحزب الديمقراطي، أوباما بإنهاء التوترات القائمة مع الحكومة الإسرائيلية جراء الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس المحتلة خلال زيارة نائب الرئيس جو بايدن.

من جهة ثانية اشتكى إريك كانتور، زعيم المعارضة الجمهورية في الكونغرس، لرام إيمانويل، رئيس شؤون الموظفين في البيت الأبيض، من استغلال الإدارة لحوادث دبلوماسية تافهة لفرض وجهات نظر على دولة صديقة وفية لواشنطن. وحثت سارة بالين، المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري، في بيان، أوباما على «الضغط على زر إعادة التشغيل في علاقاته مع إسرائيل الحليفة».

ولكن رغم كل الذعر في الكونغرس، تبدو إدارة أوباما رابطة الجأش بوجه عام. وظهرت بعض المؤشرات الأولية توحي بأنها شرعت بالفعل في اتخاذ خطوات لتخفيف حدة التوترات.

على سبيل المثال، تحدث بايدن وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هاتفيا، الليلة قبل الماضية، حسبما أعلن أحد مسؤولي الإدارة. ولم يتضح القضايا التي تطرق إليها الاثنان. وأعادت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، في الوقت نفسه التأكيد على متانة العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، مقللة من شأن الحديث الدائر حول وجود أزمة بين البلدين. وقالت: «لست مقتنعة بهذا القول. لقد شاركت بهذا الأمر فترة ليست طويلة ولكنها كافية. ونحن ملتزمون بأمن إسرائيل. وهناك رابطة وثيقة يستحيل تفكيك عراها بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك بين الشعبين الأميركي والإسرائيلي». لكن كلينتون سيبقي على الضغوط على نتنياهو لإظهار التزامه بالمفاوضات مع الفلسطينيين.

وقال مسؤول بارز بالإدارة طلب عدم ذكر اسمه، إن تعنيف كلينتون القاسي لنتنياهو، كان مهما «لإثبات أننا نعني ما نقول عندما نشارك في هذه المفاوضات». وأوضح المسؤول أن «الإعلان عن بناء الوحدات السكنية قوض الثقة في وقت تحاول فيه واشنطن إطلاق المفاوضات غير المباشرة». وأضاف: «شعرنا أننا بحاجة للتصدي لذلك».

على الجانب الإسرائيلي، كانت هناك أيضا جهود لتهدئة الأجواء، حيث أصدر مايكل بي. أورين، السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، الذي تناقلت الكثير من وسائل الإعلام تصريحا نسب إليه حول أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة تواجه أسوأ أزمة منذ 35 عاما، بيانا قال فيه إن تصريحه «تعرض لتشويه فج». وأضاف «إنني على ثقة بأننا سنتغلب على خلافاتنا في غضون وقت وجيز».

الواضح أن اتخاذ موقف حازم تجاه إسرائيل يساعد الإدارة على إزالة الانطباع الذي خلفه رفض نتنياهو بالصيف الماضي، طلب أوباما بتجميد إسرائيل جميع أعمال البناء الاستيطاني. وعندما قابل نتنياهو المطلب بعرض تجميد جزئي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية لمدة 10 شهور، أشادت كلينتون بالعرض واعتبرته «غير مسبوق». وأثار هذا الموقف استياء الفلسطينيين ودفع الكثير في العالم العربي للتساؤل حول ما إذا كان أوباما سيفي قط بوعده في خطابه في القاهرة باتخاذ توجه جديد نحو العالم المسلم. ويساور مسؤولون أميركيون القلق من أن هذه الفجوة في مصداقية الرئيس ربما تعوق حملته لحشد التأييد من جانب الدول الخليجية لفرض عقوبات جديدة ضد إيران بسبب برنامجها النووي.

من جهته، قال ديفيد جيه. روثكوبف، المسؤول السابق بإدارة كلينتون والمتخصص بمجال السياسة الخارجية: «بعد تسعة شهور بعد خطاب القاهرة، يتساءل الناس: أين هو الوفاء بالوعود؟.. حتى الآن، لم تنجح جهود التعاون في أي مكان. وربما يوفر الوضع الراهن فرصة لإحياء جهود التعاون».

لكن روثكوبف، مثلما الحال مع آخرين، يرى أن الأمر ينطوي على مخاطر بقدر ما يحمل منافع، فأشار إلى أن حدة الرد الأميركي على نتنياهو يمكن أن تثير الشكوك حول قدرة واشنطن على إدارة علاقتها بإسرائيل. وأوضح أن «مكانة الإدارة في المنطقة تضررت جراء عجزها عن إدارة علاقة من المفترض أنها قادرة على إدارتها».

وأعرب محللون آخرون عن اعتقادهم بأن واشنطن لا ينبغي أن تستغل غضبها حيال قضية محددة لممارسة ضغوط فيما يخص نطاقا واسعا من القضايا الصعبة مع إسرائيل. من بين هؤلاء ديفيد ماكوفسكي، زميل «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، الذي قال: «أعتقد أنه لا ينبغي التعامل مع هذه القضية كشجرة عيد الميلاد، التي يعلق عليها جميع مواد الزينة. ينبغي أن تنتهي المسألة برمتها من حيث بدأت، بمعنى أن لدينا مشكلة مع هذه الوحدات، إذن علينا السعي لإيجاد حل بشأنها». غير أن حتى أشد حلفاء إسرائيل بالكونغرس قالوا إن الخلاف ربما يركز الأذهان على الجائزة الكبرى. على سبيل المثال، قال النائب غاري إل. أكرمان، عن الحزب الديمقراطي من نيويورك: «إنها فرصة لإدارة أوباما لكي يقول لشركائنا الإسرائيليين والفلسطينيين: نحن بحاجة لنرى سلاما. لا ينبغي إهدار الفرصة التي تحملها الأزمات، وما نواجهه الآن أزمة صغيرة ينبغي استغلالها». وتتردد أصداء هذه الرسالة في تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية، الذي أخبر لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ أن عدم إحراز تقدم في الشرق الأوسط يشكل تحديا بالغا للمصالح الأميركية. وقال: «هذا الصراع يؤجج مشاعر الكراهية للولايات المتحدة جراء النظرة التفضيلية لإسرائيل».

* خدمة «نيويورك تايمز»