التيار الصدري يبرز كأقوى منافس شيعي للمالكي ويعقد المشهد السياسي العراقي

مقرب من رئيس الوزراء: إنهم يثيرون الفزع.. فتجاهلهم مشكلة وإشراكهم في الحكومة كذلك

مقتدى الصدر (أ.ب)
TT

بدا أتباع مقتدى الصدر، وهو رجل دين راديكالي قاد التمرد الشيعي ضد الاحتلال الأميركي، وكأنهم أموات بعثت فيهم الحياة من جديد خلال الانتخابات التي جرت الأحد قبل الماضي، متحدين توقعات بأنهم انتهوا، ومنذرين بتغير في توازن القوى داخل العراق.

ويظهر النجاح الواضح الذي تمكن التيار الصدري من تحقيقه خلال الانتخابات البرلمانية، التي عقدت في 7 مارس (آذار)، اتجاها مفاجئا في الساحة السياسية داخل العراق، فمن المحتمل أن يحتل الصدريون المركز الثاني بعد أتباع رئيس الوزراء نوري المالكي، كما حدث تراجع كبير في الدعم الذي تحظى به شخصيات كانت في المنفى وتعاونت مع الولايات المتحدة بعد غزو عام 2003.

وعلى الرغم من أن المنافسين استخفوا بحملة التيار الصدري الانتخابية، تظهر وثائق ومقابلات انضباطا لم يسبق له مثيل جعل الصدريين على وشك التمتع بأكبر نفوذ سياسي لهم داخل العراق. وتأتي هذه النتيجة لتكمل منحنى مفاجئا مرت به حركة شعبوية ورثت عباءة رجل دين تم اغتياله، وبعد ذلك انتهجت ثقافة عسكرية خلال حربها مع الجيش الأميركي عام 2004.

وبعد أعوام من الهزائم والتشتت وشكوك وصلت إلى رجال دين داخل التيار الصدري بخصوص مستقبل التيار خلال الانتخابات، تمكن الصدريون من الدخول في العملية السياسية مع المحافظة على معارضتهم لأي علاقات مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه من المتوقع ألا يتم تشكيل حكومة جديدة في العراق بعد الانتخابات بسهولة، فقد أضفت النتيجة المفاجئة التي حصل عليها الصدريون مع شعور متجدد بالثقة صعوبة أكبر على هذه العملية.

وتقول أسماء الموسوي، وهي نائبة من التيار الصدري: «مع زيادة تمثيلنا داخل البرلمان، يزداد نفوذنا، وسوف نلعب قريبا الدور الذي أسند إلينا».

وقد عبّر أحد المصلين خلال صلاة الجمعة عن ذلك بصورة أكثر وضوحا بقوله «هذا اليوم لنا»، وذلك وسط المئات من المناصرين تجمعوا أمام مكتب الحركة في حي متداع يحمل اسمها (مدينة الصدر). وتظهر في هذه المنطقة أسلاك الكهرباء متشابكة وكأنها خيوط عنكبوت، ويزداد الشعور بعدم الرضا بسبب الفقر والإحباط.

ويعتقد الخصوم والحلفاء أن التيار الصدري سوف يحصل على أكثر من 40 مقعدا. وفي جميع الاحتمالات، سوف يجعلهم ذلك يمثلون أغلبية صريحة في الائتلاف الوطني العراقي، وهو ائتلاف يسيطر عليه الشيعة ويعد منافسا بارزا للمالكي. وإذا عضدت الأرقام من ذلك، سوف يتمتع التيار الصدري بتكتل تقريبا في نفس حجم تكتل الأكراد، الذين يتمتعون بثقل هام في عملية تحديد الائتلافات الحاكمة منذ عام 2005.

وداخل بغداد وحدها، ينتمي ستة من بين اثني عشر مرشحا حصلوا على الأصوات إلى التيار الصدري، وكثير منهم شخصيات غير معروفة سياسيا. ويقول مسؤول غربي، اشترط عدم ذكر اسمه لدواع دبلوماسية معروفة: «لا يمكن إنكار وجودهم».

وقد كان هناك دافع لإهمال الصدريين في مرحلة ما بعد الغزو، وخلال الأشهر التي سادت فيها الفوضى خلال 2003، كان مسؤولون أميركيون يسخرون من الصدر، ويقولون إنه حدث خارج عن القانون، وكانوا غير مدركين للنفوذ الذي حظي به بفضل أبيه آية الله محمد صادق الصدر، الذي لا تزال صوره معلقة في مكاتب ومنازل أتباع التيار الصدري ودور العبادة التي يرتادون عليها. ويذكر أن محمد صادق الصدر اغتيل في 1999.

ونشأت هذه العداوة في اقتتال وقع مرتين داخل بغداد والنجف عام 2004. وبعد أربعة أعوام، قيل إن التيار كان مسؤولا عن بعض أسوأ المذابح العنصرية خلال الحرب، وتعرض الصدريون لهزيمة على يد الجيش العراقي بمساعدة أميركية قوية. ولكن، عاد التيار للظهور مجددا خلال الانتخابات المحلية العام الماضي. ويرى الكثير من المحللين في الوقت الحالي أن الصدريين جزء من التيار السياسي السائد، وأنهم قادرون على النزول إلى الشوارع وتكييف أنفسهم في صفوف المعارضة.

وخلال هذه الأعوام، تطورّت شخصية الصدر، الذي يدرس حاليا داخل إيران ليحصل على لقب آية الله. فخلال الأيام الأولى من الاحتلال، لم يكن يتمتع بثقة واضحة في النفس. وكانت عمامته السوداء تبدو مرتفعة قليلا عن جبهته، وكان يحني كتفيه تجاه منصة منخفضة. ولكن خلال مؤتمر صحافي هذا الشهر من إيران، تحدث الصدر بنبرة أكثرة قوة. وبدأ الشيب يظهر في لحية الصدر الذي يبلغ من العمر 36 عاما، وبدا واثقا من نفسه، وتحدث بعربية لبقة ولكنها بسيطة.

ويشتهر التيار الصدري بتصريحات موجزة يكتنفها الغموض بشأن النوايا، ولكنه شارك في السابق في حكومات، على الرغم من رفضه العلمية السياسية. وهذه المرة، وفي كلماته الأكثر وضوحا حتى الآن، أكد الصدر على الأصوات التي حصل عليها أتباعه. وقال: «سيكون ذلك بابا لتحرير العراق، وإخراج المحتل ومقدمة لشيء آخر هام ألا وهو خدمة الشعب العراقي».

وقد زاد نجاح التيار الصدري من حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد، وكثرت التخمينات بخصوص الائتلاف الذي سوف يشكل الحكومة المقبلة. وربما يكون المالكي هو الخاسر الأكبر. وعلى الرغم من أن الصدريين دعموا المالكي في الماضي، فإنهم يظهرون حاليا كراهية كبيرة للمالكي، حيث يحملونه المسؤولية عن الحملة التي استهدفتهم عام 2008.

ويقول سامي العسكري، وهو نائب وحليف للمالكي، عن الصدريين إنهم «يثيرون الفزع»، مضيفا أن «تجاهلهم مشكلة، وأخذهم معك إلى الحكومة مشكلة أخرى. لا يمكن التوقع بما سيقومون به، ولا يمكن لأحد أن يخمن خطوتهم القادمة». كما يبدو أنهم متأكدون من التفوق على القيادات الشيعية البارزة التي عادت من المنفى في 2003. ويشار إلى أنه في انتخابات مجالس المحافظات في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، حصل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي تتزعمه عائلة دينية أخرى بارزة، على أصوات أعلى من الصدريين. ولكن، يعتقد في الوقت الحالي أن أداء المجلس الأعلى كان ضعيفا، ومن المحتمل أن يجد نفسه مضطرا إلى ترك الائتلاف والانضمام إلى المالكي للحفاظ على هيبته.

وقد أظهر الصدريون أنهم يؤمنون بأن قيادة الائتلاف يجب أن تكون من نصيبهم. وقال أسعد الناصري، وهو قيادي في التيار الصدري، مخاطبا المصلين يوم الجمعة في معقلهم بالكوفة: «ستفرض النتائج على بعض الأحزاب إعادة النظر في الحجم الذي نستحقه». ومنذ عام 2003، رفض الصدريون أي تواصل مع الدبلوماسيين أو الجيش الأميركي. وقال مسؤول أميركي يوم الخميس: «ربما كان مفيدا لو غيروا من سياستهم».

ولا تعني خسارة أميركا بالضرورة مكسبا حصلت عليه إيران، وفي نموذج حي على النفوذ الإيراني هنا، طلبت إيران من التيار الصدري ضم المجلس الأعلى إلى تحالفهم الانتخابي على الرغم من أن الطرفين تقاتلا في الشوارع قبل أعوام قليلة. ولا يزال الطرفان يتناولان العداوة بينهما على الملأ. ولكن، يعتقد الكثير من السياسيين أن التيار الصدري، الذي كان ينظر إليه لمدة طويلة على أنه أكثر وطنية من الأحزاب الشيعية الدينية الأخرى، سوف يثبت أنه أقل إذعانا لإيران. وقال الدبلوماسي إن الصدر «ليس من بين العملاء البسطاء الذين يمكن أن تتعامل معهم إيران».

وربما كانت المفاجأة الأكبر في المهارة الفائقة التي أثبتها التيار الصدري في حشد الأتباع الشيعة الذين تبقى مناطقهم الفقيرة لأيام من دون مياه. وخلال صلاة الجمعة وباستخدام مطويات، حذّر المنظمون المصلين من الإدلاء بأصواتهم لصالح مرشحين علمانيين. وأكدوا على ألا يقوم الأتباع بتوزيع أصواتهم على مجموعة كبيرة من قوائم المرشحين. وقالت إحدى المطويات: «لا تنس، التصويت لمرشح واحد فقط».

* خدمة: «نيويورك تايمز».