الصراع على توزيع الأراضي يصل إلى العائلات السياسية في الفلبين

خوض نجل أكينو سباق الرئاسة يسلط الضوء على معركة العائلة مع القضاء بسبب مزرعة ضخمة

عاملون يرتبون أكياس السكر في مزرعة هاسيندا لويزيتا (نيويورك تايمز)
TT

على غرار ما فعله والده من قبل، كان بوينافينتورا كالكويان يعمل في حقول قصب السكر بمزرعة هاسيندا لويزيتا التي تملكها عائلة الرئيسة السابقة كورازون سي أكينو. وقد خرج كالكويان، 58 عاما، من الصراع الدموي الممتد حول السيطرة على الأرض في حال أفضل من آخرين غيره.

خلال الأعوام القليلة الماضية، كان يسيطر بصورة غير قانونية على 3.7 فدان يزرع فيها الأرز والخضراوات. كان يقضي معظم وقته في تأمل حقوله من كوخ مؤقت كان سقفه المصنوع من القش مرقعا بالورق المقوى. وقد سمحت له النقود القليلة التي يجنيها من مبيعات الطماطم بشراء 50 بطة تسبح الآن في النهر الصغير الذي يقع على مقربة منه.

«لا أريد أبدا العودة إلى حقول القصب»، ذلك ما قاله، بينما كانت زوجته ماريا، 46 عاما، تستخدم دلوا واحدا لتجلب المياه من النهر لسقاية عدد من الصفوف غير المنتظمة من الطماطم. وأضاف: «مما لا شك فيه أن الوضع الحالي أفضل».

وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة أن برنامج توزيع الأراضي الذي يتم تطبيقه منذ عقدين كان ناجحا، فإن معظم المزارعين في الفيلبين ما زالوا لم يجنوا فوائد كبيرة. ما زال التفاوت في ملكية الأراضي، وهو مشكلة البلاد الأزلية، يعمل على تركيز القوة الاقتصادية والسياسية في أيدي العائلات الكبيرة المالكة للأراضي، ويشعل التمرد المسلح، بما في ذلك أطول حركة تمرد شيوعي شهدتها آسيا.

وقد عادت قضية توزيع الأراضي مجددا إلى دائرة الضوء، بعدما أعلن بنيغنو أكينو الثالث؛ ابن الرئيسة السابقة أكينو؛ عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في 10 مايو (أيار). وعلى الرغم من أن أكينو جعلت من إصلاح الأراضي إحدى أهم أولوياتها، فإنها سمحت للعائلات التي تملك الأراضي بأن تستغل برنامجها لتوزيع الأراضي. ويقول المنتقدون إنه ليس هناك مثال عظيم على إخفاق إصلاح الأراضي أكثر من وضع عائلة أكينو نفسها.

فخلال السنوات الخمس الماضية، كانت العائلة تقاتل في المحكمة العليا لإلغاء القرار الحكومي بتوزيع مزرعة هاسيندا لويزيتا التي تبلغ مساحتها عشرة آلاف فدان (هي ثاني أكبر قطعة أرض مملوكة للعائلات في الفيلبين وتبعد 80 ميلا عن مانيلا) على عشرة آلاف مزارع.

وفي عام 2004، قتل الجيش وقوات الشرطة سبعة من المحتجين خلال إضراب قام به الفلاحون الذي يناضلون من أجل الأرض ومن أجل تقاضي أجور أكبر. ومنذ ذلك الوقت، تمكنت شركة هاسيندا لويزيتا من زراعة 40% فقط من الأرض بقصب السكر، بينما استولى الأفراد على جزء من المساحة المتبقية وظل جزء من دون زراعة. وقد أعلن أكينو، 50 عاما، الذي يتعرض لانتقادات حادة نظرا لموقف عائلته، والمرشح الأول للانتخابات الرئاسية، مؤخرا أن عائلته ستنقل ملكية الأرض إلى المزارعين بعدما تتأكد من سداد الديون. وأضاف أكينو في حوار أجري معه في مانيلا: «ستصبح الأرض ملكهم حرة وخالصة».

لكن فرناندو كوجوانغكو، مسؤول العمليات الرئيسي في الشركة القابضة التي تملك المزرعة، وابن عم أكينو، قال إن ملكية عائلة كوجوانغكو لتلك المزرعة تعود إلى عام 1958 وإنه لا توجد أي نية للتخلي عن الأرض أو التخلي عن العمل في السكر.

وفي حوار أجري معه هنا قال كوجوانغكو، 47 عاما: «لا، لن نفعل ذلك. وأعتقد أن ذلك لن يكون قرارا مسؤولا، لأنني أشعر أن الاستمرار في ما بدأناه هو السبيل الوحيد للاستمرار. يجب أن تستمر مزارع السكر لأنها نوع العمل الذي يجب إدارته بطريقة المزارع». كما نفى الفكرة الشائعة بأن عمته، أكينو، جعلت من إصلاح الأراضي قضية مركزية بالنسبة لحكومتها. وتساءل: «هل هناك وثيقة يمكن اعتبارها وثيقة مركزية؟ ذلك ما كنت أسأله دائما لأعضاء مجلس الوزراء السابقين في وزارتها. هل كان هناك اجتماع أعلنت فيه أن تلك هي قضيتها الرئيسية؟».

ووفقا لكوجوانغكو، فإنه في عام 1987، وعندما بدأت أكينو تنفيذ إعادة توزيع الأراضي، كانت تقديرات الحكومة تشير إلى أن 10% من السكان يسيطرون على 90% من الأراضي الزراعية في البلاد.

وقالت الحكومة إنها، وفقا لذلك البرنامج، قامت بتوزيع 10 ملايين فدان من الأراضي التي تخضع للملكية الخاصة، و7.4 مليون فدان من الأراضي العامة، مما يسمح لكل أسرة مزارعة بالاستحواذ على 7.4 فدان من خلال القروض المدعومة من الحكومة. وتقول الحكومة إن ملاك الأراضي الذين تركوا أراضيهم حصلوا على تعويضات، وبالنسبة لمالكي مزارع السكر كانت التعويضات تصل إلى 2000 دولار للفدان.

وخلال العام الماضي، مدت الحكومة البرنامج لتوزيع 2.5 مليون فدان من «الأراضي الإشكالية»؛ التي كانت السلطات غير قادرة على توزيعها «نظرا لمقاومة بعض ملاك الأراضي»، وفقا لما قاله ناصر بانجاندامان، وزير إصلاح الأراضي.

وقد وصف بانجاندامان البرنامج بالناجح، لكن معظم جماعات المزارعين، والأكاديميين، ورجال الأعمال كانوا يتشككون في الأرقام التي طرحتها الوزارة. من جهته، يقول رافييل ماريانو عضو البرلمان، والعضو بالحزب السياسي «أناكباويس»: «لم تقدم لنا الوزارة أبدا قائمة بالأراضي التي تم توزيعها».

ووفقا لمنتقدي البرنامج، فإن المشرعين الذين ينحدر معظمهم من عائلات مالكة لمساحات كبيرة من الأراضي وضعوا ثغرات في ذلك البرنامج. ويقول رونالد سيمبولان، أستاذ الدراسات التنموية والإدارة العامة بجامعة الفيلبين: «نظرا للثغرات الموجودة في المشروع، استطاع ملاك الأراضي أن يجدوا السبل والوسائل كافة التي تمكنهم من استعادة أراضيهم».

ووفقا لمنتقدي البرنامج، فإن كبرى الثغرات كانت تتعلق ببرنامج مشاركة الأسهم والأرباح الذي وافقت عليه أكينو تحت ضغط كبار ملاك الأراضي. وبدلا من إعادة توزيع أراضيهم، تم السماح لنحو 12 أسرة، بما فيها أسرتها، بتحويل المزارعين إلى مساهمين. لكن الحكومة اكتشفت في النهاية أن عائلة كوجوانغكو قد انتهكت الاتفاقية من خلال تخلفها عن مشاركة الأرباح مع المزارعين، وبالتالي فقد أمرت بتوزيع الأراضي، وفقا لبانجاندامان وزير إصلاح الأراضي.

ويقول كوجوانغكو إن ذلك الحكم كان يمثل هجوما ذا دوافع سياسية ضد أسرته؛ فقد «كانت عائلتي تعامل الفلاحين على نحو طيب وتوفر لهم الرعاية الصحية وتوفر لبعضهم منازل يقيمون فيها، كما تمنحهم قروضا من دون فوائد وتضمن لهم تقاضي الحد الأدنى من الأجور».

وقد صوت العمال بالمزرعة في هاسيندا لويزيتا لصالح برنامج الأسهم والمشاركة في الأرباح في عام 1989. ولكن نظرا للميكنة وتراجع صناعة السكر بشكل عام، انخفض مقدار العمل المتاح إلى حد كبير حتى إن المزارعين كانوا يعملون ليوم واحد فقط أسبوعيا في أواخر التسعينات، وفقا لما قاله المزارعون والمسؤولون في النقابة التجارية.

ومنذ إضراب عام 2004، لم يتمكن كثير من الناس من العودة إلى عملهم في مزارعهم حتى وإن كانوا يفتقرون إلى المال اللازم لشراء البذور والمخصبات الضرورية لزراعة المحاصيل على الأرض التي يحتلونها. وفي حي بوناوا، كان إسميرالدو ألكانتارا، 42 عاما، وهو واحد من عدد من رجال عاطلين عن العمل ومحبطين، يجمع الأغصان ويبيعها مقابل 30 سنتا للحزمة. ويقول ألكانتارا الذي يملك قطعة أرض مساحتها فدانان والذي توقف عن محاولة زراعتها: «إذا كان لدي الأرض ورأس المال فهذا أمر طيب. لكن بما أنني لا أملك المال، فإن العودة للعمل في المزرعة ستكون أفضل. لكن حتى ذلك لم أعد قادرا عليه».

* خدمة «نيويورك تايمز»