نجم الجلبي.. «الرجل الذي دفع أميركا نحو الحرب» يسطع مجددا بعد 7 سنوات من الغزو

مراقب عراقي: عندما أحس بتضاؤل الدور الأميركي راح يلعب بالورقة الإيرانية

أحمد الجلبي يراقب عاملا يجهز أطرافا صناعية (نيويورك تايمز)
TT

«سعيت، أكثر من أي شخص آخر، لإقناع الولايات المتحدة بالتخلص من صدام».. هكذا قال أحمد الجلبي بينما كان يجلس في مكان مظلم إلى جوار حمام سباحة فارغ. وقريبا، سوف ترحل القوات الأميركية التي قامت بذلك، وسوف يبقى الجلبي يثير الخلاف والحيرة كما فعل قبل بدء الحرب.

ترشح الجلبي في الانتخابات التي أقيمت أخيرا في العراق، ويأتي ائتلاف الأحزاب الشيعية الذي يتبعه والذي له علاقات مع رجل الدين الراديكالي مقتدى الصدر، في المرتبة الثالثة في عدد الأصوات. ومن المحتمل أن يحصل على مقعد في البرلمان، وهو ما لم يحققه خلال الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2005 عندما حصل حزب المؤتمر الوطني العراقي الذي يتبعه على 30 ألف صوت من بين 12 مليون صوت.

وبعيدا عن التوقعات الانتخابية، فقد تمكن الجلبي (65 عاما) من العودة إلى الساحة السياسية داخل العراق، بصورة غير مألوفة ومثيرة للجدل. وقد أثار دوره قبل الانتخابات البرلمانية في شطب قرابة 500 مرشح لهم علاقة بحزب البعث، الذي كان يتزعمه صدام حسين، مخاوف بشأن احتمال تزوير الانتخابات. كما أدى إلى مخاوف بين العرب السنة. ويقول الجلبي «يضاهي النظام البعثي داخل العراق النظام النازي داخل ألمانيا».

وعندما ظهر الجلبي أخيرا داخل مفوضية الانتخابات، خلال عملية فرز الأصوات التي زاد الغموض بشأنها، أثار مخاوف من حدوث تدخل سياسي بين مواطنين لديهم ما يدفعهم للاعتقاد بذلك. ويأتي ذلك على الرغم من أنه من حق الأحزاب السياسية أن يكون لها ممثلون حاضرون. وقال دبلوماسيون غربيون إنه لا يوجد ما يدعو للقلق من ظهور الجلبي.

لقد مضت ستة أعوام منذ أن استضاف الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الجلبي في خطاب حالة الاتحاد. وبعد خمسة أشهر من ذلك، اقتحم الأميركيون منزله، حيث كانوا يشتبهون في تجسسه لصالح إيران. وبعد ذلك، بدأت الحرب الطائفية ليقتل عشرات الآلاف من العراقيين.

وخلال عقود في المنفى بلندن، تمكن الجلبي من تكوين ثروة من قطاع العقارات والعمل المصرفي، وفي عام 1992 أدين غيابيا في الأردن في قضية احتيال مصرفية. وعاد إلى لندن خلال الحرب الطائفية، لكنه يقول إنه مضى أكثر من عام على ذهابه وعودته من هناك. ولد الجلبي في عائلة شيعية عراقية ثرية بارزة داخل بغداد، لكنه رحل في عام 1956، أي قبل أعوام من تولي صدام حسين مقاليد الأمور. وعاد في عام 2003، لكن سرعان ما ظهر خلاف بينه وبين الأميركيين ولا يزال العداء قائما. وفي فبراير (شباط)، قال الجنرال راي أوديرنو، القائد الأعلى الأميركي في العراق، إن الجلبي وشريكه في اللجنة التي شطبت مرشحين للانتخابات البرلمانية «تأثرا بصورة واضحة بإيران».

ويقول حازم النعيمي، أستاذ العلوم السياسية في بغداد، إن الجلبي «لديه موهبة غريبة جدا في تحقيق مكاسب على الساحة السياسية». ويضيف النعيمي «أحس بأن الدور الأميركي يتراجع داخل البلاد والشرق الأوسط، ومضى يلعب باستخدام أوراق أخرى، الأوراق الإيرانية».

ويقول الجلبي إن له علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران، لكنه أقر بأن العلاقات، في الوقت الحالي، مع الأميركيين «معلقة». ومع ذلك قال إنه لا تزال له صداقات مع اثنين من حلفائه المحافظين الجدد السابقين داخل إدارة بوش، وهما بول ولفويتز، وكيل وزير الدفاع السابق، وريتشارد بيرل، الذي كان رئيسا لمجلس سياسات الدفاع.

ولا يناقش الجلبي طموحاته السياسية، لكن قليلين هنا يشكون أنه يريد أن يصبح رئيسا للوزراء. وبنبرة ساخرة، استهزأ من التقارير الصحافية التي يقول إنها تصوره كرجل له «طموحات واسعة مصر على أن يصبح رئيسا للوزراء». وأضاف «لا يوجد شيء من ذلك».

وعلى الرغم من الأشياء المتناقضة المرتبطة به، حيث إنه حليف أميركي سابق ويتمتع بعلاقات حميمة حاليا مع إيران؛ علاوة على أنه شيعي علماني ثري تعلم في معهد ماساشوستس للتقنية، وحاليا يتصرف على غرار الأحزاب الإسلامية الراديكالية، فإنه بارع في لعب دور سمسار سلطة، مع أنه من غير الواضح مقدار الشعبية التي يتمتع بها بين الشعب العراقي. وتميل النتائج الأولية للانتخابات إلى تأكيد أنه تمكن من أن يحقق إنجازا من جديد.

ويقول أرام روستون، الذي كتب سيرة تناولت الجلبي تحت اسم «الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب»: «يتبين دوما خطأ من يقول إنه انتهى».

وعلى الرغم من أن ولاء الجلبي متغير بصورة مستمرة، فإنه يمكنه جذب ولاء عميق. ومن بين المستشارين القريبين منه فرانسيس بروك، وهو أميركي قابله عام 1991 من خلال أصدقاء بوكالة الاستخبارات المركزية، ويعيش داخل منزل في جورج تاون تمتلكه مؤسسة «الجلبي» السياسية.

ويقول النعيمي «إنه (الجلبي) سياسي ميكافيلي لا يحترم أي مبدأ أو آيديولوجية، والسياسة بالنسبة له تعني مساومات وصفقات».

واتهم الجلبي بالانتهازية عندما كون ائتلافا مع متطرفين شيعة، لكنه قال إنه لم يسع إلى ذلك. وأضاف «تحصل الساحة السياسية الطائفية على أصوات داخل العراق، لكن تفشل الحكومة الطائفية».

وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على الغزو، فإن الجلبي لا يزال يفخر بأنه ساعد على توفير مبررات للغزو. وبالطبع، سقطت الكثير، إن لم يكن معظم، هذه المبررات بعد أن تبين أن المعلومات الاستخباراتية حول برامج الأسلحة العراقية، والبعض منها قدمها حزب المؤتمر الوطني العراقي التابع للجلبي، كانت خاطئة تماما. ومع ذلك يقول الجلبي إن الحرب لها قيمتها، مشيرا إلى أن «العالم أصبح مكانا أكثر أمنا، وأعطتنا الولايات المتحدة هدية الديمقراطية».

* خدمة «نيويورك تايمز»