فرنسا: دورة ثانية من الانتخابات.. والهزيمة المحققة لليمين تدفعه إلى تغيير سياسته

20 وزيرا مهزوما.. والتعديل الحكومي مطروح مجددا

مؤيدون لحزب شعب الحرية (يمين الوسط) الذي يقوده رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني يتظاهرون في وسط روما أمس دعما للحزب قبل الانتخابات الإقليمية المقررة في 28 و29 من الشهر الحالي. وجاء هذا بعد استطلاع للرأي أظهر تراجع التأييد الشعبي للحزب (إ.ب.أ)
TT

يتوجه الناخبون الفرنسيون مجددا اليوم إلى مراكز الاقتراع في الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية، التي يبدو أنها محسومة سلفا لصالح اليسار الذي نجح في تشكيل لوائح موحدة في عشرين منطقة من أصل 22 منطقة (باستثناء أقاليم ما وراء البحار). وحسب آخر استطلاعات للرأي، فإن لوائح اليسار مرشحة للفوز في 21 منطقة من أصل 22. وما زال الغموض سيد الموقف في منطقة الألزاس (شرق فرنسا) التي قد تكون الإقليم الوحيد الذي سينجح اليمين الحاكم في الاحتفاظ به.

وتفيد استطلاعات الرأي أن لوائح اليسار الاشتراكي والشيوعي والخضر ستحصد ما نسبته الإجمالية 56 في المائة من الأصوات، بينما ستحصد لوائح اليمين البرلماني 36 في المائة، مما يشكل فارقا ساحقا بين الطرفين هو الأكبر منذ تأسيس الجمهورية الخامسة. وكان اليمين حصل في الدورة الأولى على 27 في المائة من الأصوات، مما اعتبر نسبة متدنية جدا خصوصا أنه ذهب إلى المعركة متحدا، بينما لوائح اليسار والخضر كانت متفرقة.

غير أن السؤال الذي توقف عنده المراقبون يتناول نسبة الذين سيقاطعون صناديق الاقتراع، لأنها ستؤثر بلا شك على النتيجة، علما بأن ناخبي اليمين التقليدي هم من قاطعوا بشكل رئيسي الدورة الأولى. وكانت نسبة الامتناع عن التصويت الأحد الماضي بلغت 53.67 في المائة، وهي أعلى نسبة في تاريخ الانتخابات الإقليمية. وبحسب استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة «لو باريزيان» ونشر الجمعة الماضي، فإن هذه النسبة قد تصل إلى 55 في المائة.

وبينما دأب الرئيس ساركوزي على تأكيد أن نتائج الانتخابات لن تؤثر على «الخط السياسي» الذي تسير عليه الحكومة، وأنه لا نتائج متوقعة لها على المؤسسات بفضل الأكثرية النيابية التي تدعم الحكومة والرئاسة في البرلمان، فإن الكثيرين يتساءلون عما سيقوم به ساركوزي لاستعادة المبادرة السياسية وتغيير ميزان القوى، علما بأن فوز اليسار في انتخابات اليوم سيمكنه من الولوج إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2012 من موقع قوي. وبعد أن استبعد الرئيس الفرنسي تغيير الحكومة بسبب النتائج السيئة المنتظرة لليمين، فإن الكثيرين يرون أنه سيكون «مضطرا» إلى تعديل وزاري من أجل «استيعاب» الصدمة. لكن المشكلة أن رئيس الحكومة فرنسوا فيون أكثر شعبية من ساركوزي، بل إن الفرنسيين يرون فيه مرشحا أفضل من ساركوزي لانتخابات الرئاسة القادمة. ولذا فإن التخلي عن فيون سيكون صعبا. وما يدفع باتجاه التعديل الحكومي أن أكثر من نصف أعضاء الحكومة (عشرون من أصل 39 وزيرا) كانوا مرشحين للانتخابات الإقليمية وسيخرجون مهزومين منها، مما سيضعف موقعهم وسلطتهم، ومنهم وزراء رئيسيون مثل فاليري بيكريس وزيرة الثقافة، وكزافيه دراكوس وزير العمل والشؤون الاجتماعية، ولوك شاتيل وزير التربية، وبريس هورتفو وزير الداخلية، وبرون لو مير وزير الزراعة.

ويراهن اليمين الحاكم الذي يعاني من انتخابات مثلثة (مع اليمين المتطرف) في 12 إقليما على تعبئة استثنائية لجمهوره التقليدي الذي سعى إلى دغدغة مشاعره عبر إثارة المواضيع التقليدية مثل الأمن والهجرة والنقاب والهوية الوطنية، مما دفع سكرتير عام الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، إلى انتقاد قادة اليمين بما فيهم رئيس الحكومة فيون، الذي أعلن وفاة رجل شرطة في اعتداء عليه في أحد الأحياء الساخنة، مما تبين لاحقا أنه خطأ. وقالت أوبري إن اليمين «أصابه الهلع»، ولا يعرف كيف يتفادى الكارثة السياسية المحققة.

ولم تتردد شخصيات فاعلة في أوساط اليمين، مثل رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه في الدعوة إلى إعادة النظر في السياسة المتبعة حتى الآن. وواضح أن الهزيمة السياسية ستضعف سلطة وهيمنة الرئيس ساركوزي على الحكومة واليمين على السواء، خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ذلك أن ما يهم نواب اليمين بالدرجة الأولى هو توفير ظروف إعادة انتخابهم في عام 2012، مما يفترض السعي مجددا إلى اكتساب تأييد ناخبيهم التقليديين. ويؤخذ على ساركوزي تكاثر الإصلاحات، ومنها ما هو غير مفهوم أو غير مطبق، كما تؤخذ عليه طريقته في إدارة شؤون البلاد. غير أن المأخذ الرئيسي هو تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مما عكس انخفاضا في القدرة الشرائية للمواطنين وازديادا كبيرا في نسب البطالة التي بلغت 10 في المائة. وكان ساركوزي جاء إلى الرئاسة من أجل الإصلاح وشعاره «اعمل أكثر واربح أكثر». والحال أن الواقع بعيد كل البعد عن فحوى الشعار المذكور، وهو ما يشعر به المواطنون كل يوم.