توكيل محام صديق قد يضر أكثر مما ينفع

محاكمة سيناتور أميركي سابق تأخذ مسارا آخر بسبب «عدم التحضير الكافي» للقضية

TT

في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، مثُل إفراين غونزاليز الابن، السيناتور السابق عن ولاية نيويورك، مع المحامي الخاص به أمام محكمة المنطقة الفيدرالية في مانهاتن وأقر أنه مذنب في قضايا مؤامرة واحتيال عبر البريد. سأله القاضي: «هل تعترف أنك مذنب في كل من هذه الجرائم لأنك مذنب بالفعل؟» أجاب غونزاليز: «نعم، سيدي».

ولدى سؤاله ما إذا كان يشعر بالارتياح مع المحامي الخاص به، رد غونزاليز أنه بالفعل يشعر بالارتياح مع محاميه. لكن غونزاليز أقر بعد ذلك أنه لم يكن مذنبا، ولم يكن يشعر بالارتياح مع المحامي الخاص به، وهو موراي ريتشمان، صديقه المقرب لأكثر من 40 عاما.

والآن، ومع محام جديد، يطلب غونزاليز أن يتم السماح له بسحب اعترافه بأنه مذنب، وأن يخضع لمحاكمة. ويؤكد أن ريتشمان أخفق في التحضير لقضيته على النحو الكافي للمحاكمة، وأنه مارس الضغوط عليه ليعترف أنه مذنب. ومن المتوقع أن ينظر القاضي ويليام إتش بولي الثالث في القضية، لكن الأمر يشير بالفعل إلى الصعوبة التي يمكن أن تواجه المحامين في سياق الدفاع عن الأصدقاء، خاصة من دون الحصول على أتعاب. «إنني ملتزم بالدفاع عنه»، هكذا قال ريتشمان، 72 عاما، الذي وافق على التحدث بشأن صداقته مع غونزاليز، لكنه قال إنه لن يناقش تفاصيل الخلاف بينهما. وأضاف: «لقد كان رجلا طيبا. لا أستطيع أن أتفوه بأي شيء سيئ عنه. إنني فقط أشعر بخيبة أمل من أن الأمور وصلت إلى هذا الحد».

وامتنع غونزاليز، 61 عاما الذي أطلق سراحه بكفالة، عن التعليق من خلال محاميه الجديد. لكنه قال في شهادة خطية تدعم سحب اعترافه إنه على الرغم من أنه «لم يتردد مطلقا» في رغبته في إثبات براءته، «فإنه كان من الواضح لي أن ريتشمان بدا غير مهتم على الإطلاق بالتحضير للمحاكمة، وأراد مني أن أعترف أنني مذنب، ومارس الضغوط علي من أجل التوصل إلى هذه النتيجة».

ووصف ممثلو الادعاء الفيدرالي الرواية التي وردت في شهادة غونزاليز على أنها «زائفة بكل وضوح» و«تخدم المصلحة الذاتية».

وشأنهم شأن الأطباء، كثيرا ما يقدم المحامون المشورة للأصدقاء من دون أي مقابل مادي. لكن محاولة دمج الصداقة مع العلاقة بين المحامي والموكل قد يكون أمرا معقدا، نظرا لأنه يجب على المحامين الحفاظ على مسافة مهنية مع العملاء ليقدموا أحكاما سليمة ومشورة صريحة غير متحيزة. وقال ريتشمان: «من الصعب أن تمثل أحد الأصدقاء، لأن حدود الصداقة والمهنية تتداخل مع بعضها البعض، ولا يمكنك أن تدع ذلك يحدث. وفي بعض الأحيان، عليك أن تخبر الصديق عن شيء لا يريد سماعه».

لفترة طويلة دافع ريتشمان، الذي يمارس مهنة المحاماة منذ ما يقرب من نصف قرن، عن عملاء بارزين، بينهم ممثلون وأعضاء في عصابات إجرامية ونجوم موسيقى الراب وضباط شرطة وسياسيون. بل إنه حصل على لقب «لا تقلق موراي». ويوافق ريتشمان على أن عدم تقاضي أتعاب من موكليه قد يمثل مشكلة. وتوجد لافتة في المكتب الخاص به مكتوب عليها إحدى المقولات المفضلة لديه، وهي: ثلاثة أشياء تقود إلى لا شيء: أن تكون عنيدا أو مغفلا أو أحمق. واشتهر أنه يتجاوز هذا المبدأ عندما يكون الأمر متعلقا بالأصدقاء.

يُذكر أن غونزاليز، الذي تم انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي عام 1989، واجه عام 2006 تهم استغلال أكثر من 400 ألف دولار من أموال الولاية لدفع نفقات شخصية مثل إيجار شقة فاخرة في جمهورية الدومنيكان، وشراء مجوهرات وتذاكر لفريق اليانكي للبيسبول ودفع المصروفات الدراسية لابنته. وأقر في البداية أنه غير مذنب. وقال في شهادته المكتوبة إن ريتشمان وافق على تمثيله في المحكمة من دون أي أتعاب نظرا للعلاقة التي تربطهما «ونظرا لوضعي المالي المتأزم». لكنهما اختلفا بشأن الاستراتيجية. وكتب غونزاليز في شهادته أنه منذ البداية أصر على الخضوع للمحاكمة، لكن سرعان ما اتضح له أن ريتشمان لا يرغب في القيام بذلك.

ويقول غونزاليز إن ريتشمان لم يعقد مقابلات مع شهود أساسيين بعدما عقد مقابلات مع عدد قليل من الشهود غير المهمين. كما اشتكى من أن ريتشمان لم يجر مراجعة شاملة للكثير من مواد الكشف التي جعلتها الحكومة متاحة أمام الدفاع. وقال غونزاليز في شهادته إنه نادرا ما ناقش القضية مع ريتشمان منذ خريف عام 2008 وحتى ربيع عام 2009. وأضاف أنه «شعر بأنه غير قادر» على أن يشتكي محاميه بسبب الصداقة التي تربطهما، ولأن ريتشمان لم يكن يتلقى أي أتعاب ولأنه (غونزاليز) لم يكن بمقدرته تحمل أتعاب محام جديد.

وفي مذكرة تعارض طلب غونزاليز سحب اعترافه، وصف مكتب محامي الولايات المتحدة هذه الشهادة على أنها «شبه مصطنعة، ومليئة بالادعاءات التي لا يمكن تصديقها» والتي تتعارض أيضا مع السجل. وقال ممثلو الادعاء، على سبيل المثال، إنه على عكس بيان غونزاليز، قام مساعدو ريتشمان «بزيارات متكررة» لمراجعة مواد الكشف في هذه القضية.

وفي 24 أبريل (نيسان) من العام الماضي، وهو الوقت الذي تصاعد فيه التوتر، طلب ريتشمان من القاضي بولي أن يعفيه من أن يكون محامي غونزاليز. وقال ريتشمان: «لقد كان هناك تباين كامل في وجهات النظر بشأن كيفية معالجة هذه القضية»، مضيفا أنه لم تكن هناك أي اتصالات بينه وبين موكله، وكان من الصعب الدفاع عنه في ظل هذه الظروف.

وشرح ريتشمان للقاضي أن الخلاف بينه وبين موكله كان متركزا في كيف ينظر كل طرف إلى الأدلة. وقال ريتشمان إن غونزاليز شعر أن الأدلة تثبت براءته، مضيفا: «بكل صراحة، إنني أرى أن الأدلة لا تثبت براءته». ورفض القاضي بولي طلب تغيير المحامي، ونصح غونزاليز أن يتعاون مع ريتشمان. وأضاف القاضي: «إنه محام ممتاز، حاول أن تنصت إلى مشورته».

وفي الشهر التالي، اعترف غونزاليز أنه مذنب، وكان ريتشمان بجانبه. ووجه القاضي بولي قائمة طويلة من الأسئلة هدفها ضمان أن غونزاليز يفهم حقوقه، وما يعني أن يقر أنه مذنب. كما قرأ غونزاليز وصفا قصيرا لجرائمه، والتي من المحتمل أن يتلقى بناء عليها حكما بالسجن يتراوح بين سبعة إلى تسعة أعوام.

وقال غونزاليز في شهادته إن ريتشمان التقى به في مطعم مجمع المحاكم قبل جلسة الاستماع، ومارس الضغوط عليه مرة أخرى. وكتب غونزاليز في شهادته: «لقد استسلمت لهذه الضغوط وقررت أن أعترف أنني مذنب قبل لحظات من بدء جلسة الاستماع». وفي مذكرتهم، رفض ممثلو الادعاء رواية غونزاليز للأحداث. وقالوا إنه اعترف أنه مذنب على نحو مفاجئ لأنه علم أنه إذا فعل ذلك، ستسقط الحكومة عنه إحدى التهم المهمة الموجهة ضده.

وفي بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، أي قبل أيام من جلسة الحكم، مثُل الرجلان مرة أخرى أمام القاضي. وقال ريتشمان: «نحن على طرفي نقيض». وأقر غونزاليز: «إننا لا نتفق على شيء». وقال ريتشمان إنه في «مصلحة العقل والعدالة» أن يعين القاضي مستشارا قانونيا جديدا. وفي هذه المرة وافق القاضي على ذلك.

وفي إحدى جلسات الاستماع التي عقدت في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما قال المحامي الجديد لانس كروفوت سويد إن غونزاليز قرر سحب اعترافه، قال القاضي بولي إن هذا الطلب كان «مذهلا إلى حد ما». وأضاف القاضي أنه قام باستجواب غونزاليز بشكل كامل خلال اعترافه أنه مذنب، وأن إقراره بالذنب «قد لا يكون أكثر من شيء متعمد وطوعي».

وقال غونزاليز في شهادته إن معظم ما قرأه في اعترافه كان «من نص مكتوب». وأضاف: «لا أفهم بشكل كامل مضمون كلماتي». وقال عندما سأله القاضي: «شعرت بالضغوط علي لأستمر في قول نعم».

وفيما يتعلق بريتشمان، قال إنه مصدوم على الرغم من أنه يأمل أن تتجدد الصداقة في المستقبل. وعلى الرغم من كل هذه التعقيدات، فإنه لن يستبعد أن يترافع في قضية تخص أحد أصدقائه في المستقبل. وقال: «إنك تفعل ذلك لأن هذه هي الصداقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»