جدل حول اعتقال أفغان في الحرب على الإرهاب إلى أجل غير مسمى

نظام اعتقال مضطرب لم يقدم سوى مزيد من المتمردين

TT

سافر شيوخ العشائر في أفغانستان لساعات طويلة من أجل الوصول إلى قاعدة عسكرية أفغانية تذروها الرياح في ضواحي العاصمة للتوقيع بأسمائهم على ورقة تسمح لهم بأن يعيدوا أبناء عشائرهم من المعتقل الأميركي إلى ديارهم.

وفي الوقت الذي قرأ فيه أحد الجنرالات الأفغان الوثيقة بصوت مرتفع، ضرب القائد داوود زازاي، أحد كبار قادة العشائر البشتونية من مقاطعة بكتيا الذي كان قد حارب ضد السوفيات، على رجليه ليجذب الانتباه. وإلى جانب قادة العشائر الآخرين، لم يرض زازاي عن أحد البنود في الوثيقة، الذي يقول إن المعتقلين تم احتجازهم على نحو معقول بناء على معلومات استخباراتية.

وقال زازاي، ضاربا على رجله مرة أخرى: «لا أستطيع أن أوقع على هذا. لا أعرف شيئا عن هذه المعلومات الاستخباراتية؛ لم نر هذه المعلومات. صحيح أننا أميون، لكننا لسنا عميانا».

«من الذي أثبت أن هؤلاء الرجال كانوا مذنبين؟» لم يجب أحد عن هذا السؤال لأن القائد زازاي تحدث عن جوهر النقاش القانوني الذي امتد لما يقرب من عقد من الزمان في الولايات المتحدة، وهو: هل تمتلك الولايات المتحدة الحق القانوني لتحتجز إلى أجل غير مسمى أشخاصا تم القبض عليهم من ميدان المعركة، من دون أي تهمة أو محاكمة؟ وكشف سؤاله أيضا عن خلاف جوهري بين الأفغان والجيش الأميركي بشأن ما إذا كان الأشخاص تم اعتقالهم على نحو عادل أم لا.

وهذا هو الفصل الأخير من الجهود الأميركية الملتوية والرامية إلى إصلاح الأضرار التي سببها خلال الأعوام التسعة الماضية نظام اعتقال مضطرب ومزدحم لم يقد إلى شيء سوى إلى مزيد من المتمردين بدلا من أن يصلح الآخرين. وكانت هذه المشكلات متشابهة مع حملة الاعتقالات الضخمة التي استهدفت المتمردين المشتبه بهم في العراق.

والآن في أفغانستان، يجري تسليم المعتقلين الذين لم يعودوا يشكلون مصدر تهديد إلى شيوخ العشائر المحلية على أساس أنه من مسؤولية المجتمع المحلي ضمان أنهم سيلتزمون بالقوانين.

يأتي إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص، الذي تم خلال مراسم عقدت مؤخرا بمقر الكتيبة رقم 201 في الجيش الأفغاني، وكذلك إطلاق سراح من 70 إلى 80 معتقلا أو تسليمهم إلى الجيش الأفغاني في وقت سابق من العام الحالي، كجزء من جهود جديدة تهدف إلى الإفراج عن المعتقلين الذين يعتقد أنهم لم يعودوا يشكلون أي تهديد وشيك للحكومة الأفغانية أو القوات الدولية.

في إطار هذا البرنامج، الذي جرى تحديثه في الفترة الأخيرة على أيدي نائب الأدميرال روبرت إس. هاروورد والبريجادير جنرال مارك إس. مارتينز، تتم في الوقت الحالي مراجعة إدارية تلقائية هدفها التسريع من عملية إطلاق السراح، وتسمح للمرة الأولى للمعتقلين بأن يجادلوا لصالح عملية إطلاق السراح.

وبمجرد أن وافق المجلس الخاص بالمراجعة على إطلاق سراح المعتقلين، طلب الجيش الأفغاني، بالتعاون مع الأميركيين، من المعتقلين أن يتعهدوا بأن يظلوا بعيدين عن التمرد وعن طالبان وعن تنظيم القاعدة. وطُلب من شيوخ العشائر التوقيع على تعهد مماثل بأنهم سيساعدون هؤلاء الأشخاص على تحقيق ذلك. وجرى استخدام برامج مماثلة بنجاح كبير في العراق، وهذا البرنامج الجديد في أفغانستان نابع من هذه التجربة. ويوجد الآن ما يقرب من 800 معتقل في منشأة الاعتقال التي يديرها الأميركيون في باروان، وهي مركز الاعتقال الجديد الذي جرى افتتاحه في نهاية عام 2009 ليحل محل منشأة الاحتجاز سيئة السمعة في قاعدة باغرام الجوية، التي يرتبط اسمها بالانتهاكات التي أسفرت عن مصرع اثنين من المعتقلين على الأقل. ويشكل الأفغان الغالبية العظمى من المعتقلين، لكن هناك نحو 32 معتقلا من الأجانب، وفقا لمسؤول أميركي بارز. وتهدف الخطة الأميركية إلى تسليم قيادة مركز الاعتقال لوزارة الدفاع الأفغانية بحلول يناير (كانون الثاني) عام 2011، لكن الأميركيين سيظلون مشتركين في عمليات الاعتقال إلى حد كبير. وخلال الأشهر المقبلة، يأمل الأميركيون في استخدام عملية المراجعة في الإفراج عن أكبر عدد ممكن من المعتقلين إذا كانوا لا يشكلون أي مصدر تهديد، أو تسليم الأشخاص الذين من الممكن محاكمتهم على جرائم بموجب القانون الأفغاني إلى سلطات الحجز الأفغانية.

لكن كما أظهرت المراسم الأخيرة، يكمن وراء الخطب الرسمية مستودع من الاستياء بشأن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الاعتقالات منذ عام 2001. وفي مقابلات، قال معتقلون سابقون وأسرهم إن الأميركيين كانوا مضلَّلين من جانب العملاء الذين كانوا؛ إما يضمرون أحقادا شخصية ضد المعتقلين، أو تلقوا الأموال من آخرين لتقديم معلومات للأميركيين من شأنها الزج بهم في السجون.

وقال حجي عزيز الله، 54 عاما، أحد شيوخ قبيلة عندر في غزاني الذي أتى ليوقع من أجل الإفراج عن اثنين من المعتقلين، إن «المعلومات التي لديكم بشأن هؤلاء الرجال كانت خاطئة في المقام الأول. إننا على ثقة بأنهم لم يتورطوا مع المتمردين. وإذا كانوا كذلك، لَما جئنا إلى هنا لنوقع من أجل الإفراج عنهم».

وقال أحد المعتقلين، باشا خان، وهو خباز أمي من مقاطعة كونار يبلغ من العمر 29 عاما، إنه لا يعرف حتى الآن السبب وراء اعتقاله، ناهيك باحتجازه لثلاثة أعوام. وأصر على أنه بريء، وقال: «تلقى الجواسيس الأموال وباعوني للأميركيين. لقد عاملَنا الأميركيون معاملة حسنة، لكن كما تعرف، السجن مشكلة كبيرة، حيث تكون بعيدا عن أسرتك وأقربائك».

*خدمة «نيويورك تايمز»