أوباما يبعث برسالة للإيرانيين بمناسبة عيد النيروز: عرض الحوار قائم.. وحكامكم عزلوا أنفسهم

قال لقادة إيران: نعرف ماذا ترفضون.. لكن قولوا لنا ماذا تريدون؟

الرئيس الاميركي خلال خطابه المتلفز للشعب الايراني
TT

في تبدل نسبي في لهجة الخطاب الأميركي حيال إيران وبعد عام من إعلانه «بداية جديدة» مع طهران، انتهز الرئيس الأميركي باراك أوباما فرصة السنة الفارسية الجديدة ليؤكد أن الباب يبقى مفتوحا للحوار مع إيران، لكنه توجه إلى الشعب الإيراني أكثر من القادة في طهران. وقال أوباما في كلمته للإيرانيين: «على الرغم من استمرار وجود خلافات مع الحكومة الإيرانية، نبقى على التزامنا بمستقبل أفضل للشعب الإيراني»، مؤكدا أنه سيعمل على توفير شبكة الإنترنت للإيرانيين «من دون خوف من الرقابة»، وانتقد حكام إيران لأنهم «عزلوا أنفسهم».

كما جدد الرئيس الأميركي عرض إدارته بإجراء حوار مع طهران بعد عام من فشل عرضه الأول. ولكن بينما اقتبس أوباما في عرضه الأول العام الماضي مقتطفات من شعر الشيرازي، الشاعر الإيراني المعروف، فإنه هذا العام قال في كلمته التي وجهها للإيرانيين على شريط فيديو بمناسبة رأس السنة الفارسية أو «النيروز»، إن «واشنطن ستسعى لفرض عقوبات قوية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي». وتابع أوباما: «خلال السنة الماضية، اختارت الحكومة الإيرانية أن تعزل نفسها. اختارت سياسة انهزامية، وهي التركيز على الماضي، بدلا من الالتزام ببناء مستقبل أفضل». وأضاف: «إننا ندرك شكاواكم من الماضي، وبالمثل نحن لدينا شكاوانا. لكن نحن مستعدون للتحرك نحو المستقبل. نحن نعرف ماذا ترفضون. لكن قولوا لنا ماذا تريدون؟»، مستطردا: «لأسباب يعلمونها هم فقط، لا يستطيع قادة إيران الإجابة عن هذا السؤال». وتابع أوباما في الرسالة، التي شملت ترجمة باللغة الفارسية: «إننا نعمل مع المجتمع الدولي لتحميل الحكومة الإيرانية المسؤولية، لأنها ترفض الوفاء بتعهداتها الدولية. ولكن عرضنا بإجراء اتصالات دبلوماسية شاملة وحوار ما زال قائما».

وخلال أول عام له في الرئاسة، احتفل أوباما بعيد النيروز برسالة غير مسبوقة في ذلك الوقت للإيرانيين، حيث عرض على إيران «بداية جديدة» من الحوار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة. ولكن طهران رفضت لفتة أوباما وتدهورت العلاقات بشكل أكبر عندما شنت السلطات الإيرانية حملة على المحتجين المعارضين بعد انتخابات متنازع على نتائجها في يونيو (حزيران) الماضي، مما أثار إدانة أميركية، ثم تدهورت العلاقات أكثر وأكثر بعد فشل إيران في الموافقة على العرض النووي من الغرب، الذي سيتضمن إرسال طهران لليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها للخارج مقابل حصولها على الوقود النووي للاستخدام في مفاعلات الأبحاث.

وأكد أوباما أن واشنطن ملتزمة بمستقبل أفضل للإيرانيين على الرغم من الخلافات الأميركية مع الحكومة الإيرانية. وأضاف: «حتى مع استمرار وجود خلافات مع الحكومة الإيرانية، فإننا سنواصل التزامنا بمستقبل أكثر تفاؤلا للشعب الإيراني».

وشدد أوباما على أن الولايات المتحدة تريد زيادة فرص التبادل التعليمي للطلاب الإيرانيين للدراسة في الكليات والجامعات الأميركية، بالإضافة إلى العمل على زيادة حرية الوصول إلى تكنولوجيا الإنترنت حتى يمكن للإيرانيين الاتصال مع الآخرين ومع العالم من دون خوف من الرقابة.

وكانت واشنطن قررت مطلع الشهر الجاري السماح بتصدير المعدات المرتبطة بالإنترنت من أجل استخدام الشبكة والعمل عليها في إيران لضمان اتصال الإيرانيين فيما بينهم اتصالا لا تعرقله الحكومة. ويستخدم مؤيدو المعارضة في إيران مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب» التي تملكها «غوغل» في جهودهم للاتصال فيما بينهم بعد النزاع على نتائج الانتخابات الرئاسية. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قامت بخطوة غير اعتيادية خلال المظاهرات في يونيو الماضي، وذلك بطلبها من موقع «تويتر» إرجاء عملية صيانة لأن مؤيدي المعارضة الإيرانية يستخدمونه.

وتابع أوباما أن الولايات المتحدة تريد «مستقبلا يمكن فيه للإيرانيين ممارسة حقوقهم والمشاركة بشكل كامل في الاقتصاد العالمي وإثراء العالم من خلال المبادلات التعليمية والثقافية فيما وراء حدود إيران. هذا هو المستقبل الذي نسعى إليه. هذا هو ما تصبو إليه أميركا».

ولم يستبعد أوباما أي خيارات في التعامل مع إيران خامس أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، ولكن المسؤولين الأميركيين أوضحوا مرارا أن خيارهم المفضل هو الدبلوماسية في ضوء صعوبة فرض تنفيذ عقوبات وخطر أن يؤدي عمل عسكري إلى صراع أوسع.

وأسف أوباما لرد الفعل الإيراني على عرضه بالتحاور، وأكد أن الولايات المتحدة تعتقد أن لإيران الحق في «طاقة نووية سلمية» إذا أوفت بالالتزامات الدولية. وقال: «لقد رفضتم اقتراحات صادقة من المجتمع الدولي.. وردا على اليد المبسوطة التي مدت إليكم مد القادة الإيرانيون يدا مضمومة».

يذكر أنه بعد الرسالة التي أطلقها أوباما في 2009 في عيد النيروز، التقى مسؤولون إيرانيون وأميركيون في لاهاي في المؤتمر الدولي حول أفغانستان. وعلى الرغم من أنه لم يتم البناء على العلاقات الأميركية الإيرانية، وافق مجلس النواب الأميركي هذا العام بأغلبية كبيرة على قرار هو الأول من نوعه يرجو فيه للشعب الإيراني والإيرانيين الأميركيين «عاما جديدا مزدهرا». ويوم الجمعة الماضي قدم عضو الكونغرس جون كيري، أمنياته للإيرانيين الأميركيين، وقال في بيان إن «عيد النيروز يرمز إلى التجدد والأمل». وأضاف كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: «علينا جميعا أن نأمل في لحظة الإنسانية المشتركة التي تربط بعضنا بعضا. نرجو أن يكون هذا العام عام سلام وازدهار بالنسبة إليكم». بينما قال مسؤول أميركي في جلسة خاصة إن الرئيس أوباما ما زال حريصا «على ألا يقف في صف أي من الأطراف في النزاع السياسي الداخلي للقيادة الإيرانية».

وتسبب استمرار إيران في مساعيها لتخصيب اليورانيوم وعدم وجود مبادرات أميركية مباشرة للعمل على تحقيق رسالة أوباما، في الوضع الحالي حيث يقوم مسؤولون أميركيون بجولات في العالم سعيا لحشد التأييد لفرض مزيد من العقوبات على إيران.

ونجح مسؤولون أميركيون إلى حد كبير في إقناع روسيا، شريكة إيران النووية، بدعم فرض عقوبات على طهران، إلا أن الصين التي تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، لا تزال مصممة على معارضتها لذلك. ويلقي مسؤولون إيرانيون باللوم على واشنطن في عدم عملها على متابعة رسالة أوباما والقيام بخطوات مثل تخفيف العقوبات الحالية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبراست الثلاثاء الماضي: «إذا كان الأميركيون يرجون للإيرانيين حقا عيد نيروز سعيدا، فإن عليهم التوقف عن التآمر ضد الشعب الإيراني والتوقف عن نصب الأفخاخ للمواطنين الإيرانيين، وعليهم أن يفرجوا عن مواطنين إيرانيين يحتجزونهم حتى يتمكنوا من قضاء نيروز سعيد مع عائلاتهم». وتقول إيران إن 11 من مواطنيها لا يزالون محتجزين في السجون الأميركية، بما فيهم عالم نووي فقد العام الماضي في السعودية. كما أعربت واشنطن في الأشهر الأخيرة عن خيبة أملها، وقالت إن الإيرانيين لم يردوا على مساعي أوباما الدبلوماسية بالمثل.

وجمدت الجهود الدبلوماسية بين واشنطن وطهران بعد كشف إيران في سبتمبر (أيلول) الماضي عن مفاعل نووي ثان لتخصيب اليورانيوم. وبينما تؤكد طهران أنها كشفت للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المفاعل الجديد في الوقت المناسب، فإن الدول الكبرى تتهم إيران بالتأخر في الكشف عنه. وكان أوباما من أوائل المنتقدين لبناء تلك المنشأة.