مدير «سي آي إيه» يراهن على «بريديتور» ويعتبرها قانونية في باكستان وأفغانستان

على الرغم من انتقادات لقتل مدنيين في الشريط القبلي بالغارات الجوية

TT

في صباح يوم 5 أغسطس (آب) الماضي، وصلت إلى ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) معلومات عن إمكانية قتل بيت الله محسود، زعيم منظمة «طالبان» باكستان. كان بانيتا قد غادر مكتبه في ضاحية لانغلي، عبر نهر بوتوماك من واشنطن العاصمة، إلى البيت الأبيض حيث كان يحضر اجتماعا مع الرئيس باراك أوباما. خلال الاجتماع، وصلت رسالة هاتفية إلى بانيتا بأن يغادر قاعة الاجتماع ليتلقى رسالة مهمة. وفي ركن خارج القاعة، تسلم بانيتا رسالة عاجلة بأن طائرة «بريديتور» (طائرة من دون طيار)، تحمل صواريخ شاهدت محسود فوق منزل في شمال شرق باكستان، بالقرب من الحدود مع أفغانستان. كان بانيتا يعرف أن طائرات وعملاء «سي آي أيه»، بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية، يبحثون عن محسود بسبب دوره القيادي في «طالبان»، وبسبب دوره في اغتيال بنازير بوتو، رئيسة وزراء باكستان السابقة. وكان بانيتا يعرف، حسب معلومات أميركية وباكستانية، أن محسود يعاني مرضا في الكلى، ويتعالج بسائل يحقن في الأوردة. وأنه، في ذلك اليوم بالذات، سيزور منزل أهل زوجته. كانت قيادة «سي آي أيه» المتقدمة في خوست في أفغانستان، قرب الحدود مع باكستان، التي تشرف على عمليات «بريديتور»، حسب أوامر الرئيس باراك أوباما والمدير بانيتا، تحاول تحاشي قتل المدنيين وهي تستهدف قادة «طالبان» و«القاعدة». لهذا، في ذلك اليوم، عندما وصلت إلى بانيتا معلومات من أفغانستان، عن طريق مكتبه، بأن محسود في سيارة، في طريقة إلى منزل أهل زوجته، زادت فرص قتله هو وحده. لكن، بعد فترة قصيرة، وصلت إلى بانيتا معلومات بأن محسود صعد إلى سطح المنزل، وأن زوجته تقوم بتدليكه لتخفيف تأثير المرض عليه. وأن كاميرات طائرة «بريديتور» تراقبهما، وتنتظر أوامر بإطلاق صاروخ «هيل فايار» عليهما أو لا. وأمر بانيتا بقتلهما. وقتلا.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» التي نقلت الخبر، إن هذا يوضح أن بانيتا «فاجأ الجميع بتشدده في الحرب ضد الإرهاب».

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن بانيتا، خلال ثلاثين سنة في العمل السياسي في واشنطن، لم يعرف عنه التشدد السياسي، ناهيك عن التشدد العسكري. في منتصف السبعينات، جاء بانيتا إلى واشنطن عضوا في الكونغرس من ولاية كاليفورنيا. وكان من المعتدلين في الحزب الديمقراطي. وفي منتصف التسعينات، اختاره الرئيس كلينتون مديرا للموظفين في البيت الأبيض. وخلال سنوات الرئيس بوش الابن، عاد إلى كاليفورنيا، حيث أسس مركز أبحاث سياسية. وفي السنة الماضية، اختاره الرئيس أوباما مديرا لـ«سي آي أيه». وكان الاختيار مفاجأة، لأن بانيتا سياسي أكثر منه استخباراتي، ولأنه لم يشترك في أي حرب، غير أنه، لفترة قصيرة في الستينات، عمل في الاستخبارات العسكرية. وكانت المفاجأة الثانية هي تشدده في منصبه الجديد، وخاصة في الحرب ضد الإرهاب، وخاصة في تعقب قادة «طالبان» و«القاعدة» في باكستان وأفغانستان. وكانت المفاجأة الثالثة هي حرصه على ألا يعرف الشعب الأميركي أي تفاصيل عن هذه العلميات.

وأمس، قال في مقابلة مع «واشنطن بوست»، إن عمليات طائرات «بريديتور» وصواريخ «هيل فايار» جزء من الحرب الأميركية ضد الإرهاب والإرهابيين. وإنها قانونية لأن الكونغرس وافق عليها منذ أيام الرئيس بوش الابن. وأنها قانونية في باكستان وأفغانستان بسبب موافقة الحكومتين عليها، وتعاون الاستخباراتيين في البلدين معها. غير أن بانيتا قال إن اتخاذ قرارات القتل ليس سهلا. وقال: «كل مرة أقرر فيها مسألة حياة أو موت، أحس أن هذا ليس موضوعا سهلا. هذا قرار صعب». وأضاف: «لكن، أحس بالراحة وأنا أقرر هذه القرارات، لأني أعرف أني أحارب ناسا يهددون أمن وطني، ويريدون الهجوم علينا في أي وقت». فعلا، بعد أربعة أشهر من اغتيال محسود، قتل سبعة من ضباط «سي آي أيه» في موقع سري في شرق أفغانستان، بالقرب من الحدود مع باكستان. هذه هي العملية التي نفذها في خوست الطبيب الأردني حومام البلوي. في صباح اليوم التالي، قبل بداية الاجتماع اليومي في مكتبه، دعا بانيتا الحاضرين إلى دقيقة صمت حزنا على ما حدث. ثم قال: «نحن في حرب. لا نقدر على أن نتردد. نحن نفعل الشيء الصحيح. وسنكون أكثر تشددا. وسنهزمهم».

غير أن منظمات حقوق الإنسان الأميركية بدأت، مؤخرا، بانتقاد عمليات «بريديتور». ويقود الحملة الاتحاد الأميركي للحقوق المدنية (آي سي إل يو)، الذي قاد حملات قانونية كثيرة منذ هجوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001 للدفاع عن المعتقلين بتهمة الإرهاب، ولتحدي قرارات حكومية عن تعذيب المعتقلين. وصلت بعض القضايا إلى المحكمة العليا التي تفسر الدستور، وفي كل القضايا تقريبا، حكمت المحكمة بعدم دستورية الاعتقال اللانهائي، والحرمان من محامين، والحرمان من محاكمة مدنية. وأمس قال جميل جعفر، مسؤول قضايا الأمن الوطني في «آي سي إل يو»: «يثير استعمال الحكومة الأميركية طائرات من دون طيار لقتل الناس أسئلة معقدة. ليست هذه الأسئلة فقط قانونية، لكنها، أيضا، أخلاقية». وأضاف: «تجب مناقشة علنية لهذه الموضوعات. ولا يجب أن تقرر وراء أبواب مغلقة».