أوباما يكسب الرهان وينجح في تمرير قانون الرعاية الصحية

أجرى اتصالات شخصية مع 92 عضوا بالكونغرس.. وخصومه الجمهوريون يواصلون التحدي

أوباما ونائبه بايدن بعد تقديم ملاحظات حول تمرير مشروع الرعاية الصحية، في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
TT

بعد أشهر شاقة من المفاوضات والمشادات مع المشرعين، حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما نصرا في الكونغرس لإصلاح نظام الرعاية الصحية، وهي القضية الداخلية الشائكة التي شغلت الساسة في واشنطن على مدار عقود وشغلت إدارة أوباما خلال العام الماضي. ومع موافقة مجلس النواب على مشروع القانون، يشهد القطاع الصحي الأميركي أكبر إصلاح وتوسيع لنطاق التأمين الصحي للأميركيين منذ عام 1965، كما أن القانون يسعى إلى تقليص التكاليف المتصاعدة للرعاية الصحية، للمرة الأولى في الولايات المتحدة.

واعتبر البيت الأبيض مصادقة مجلس النواب على مشروع القرار نصرا لأوباما الذي أعطى إصلاح نظام الرعاية الصحية كوعد انتخابي بارز، وخصص عامه الأول في الرئاسة لتمريره. وفي الساعة الحادية عشرة و47 دقيقة من مساء أول من أمس، ألقى أوباما خطابا للاحتفال بتصويت مجلس النواب لصالح القانون، قائلا: «الليلة، وبعد نحو 100 عام من الحديث والحيرة، وبعد عقود من المحاولات، وبعد عام من الجهد المستدام والنقاش، أعلن الكونغرس أخيرا أن عمال الولايات المتحدة وعائلاتها والشركات الصغيرة يستحقون الأمان في معرفة أنه، هنا، في هذا البلد، يجب ألا يهدد مرض أو حادث الأحلام التي عملوا على تحقيقها». وأضاف: «لقد أثبتنا أننا ما زلنا شعبا قادرا على القيام بأعمال كبيرة ومواجهة أكبر تحدياتنا، وأثبتنا أن هذه الحكومة، حكومة من الشعب وبإمرة الشعب، ما زالت تعمل للشعب». وردا على المنتقدين للقانون من الجمهوريين، الذين يعتبرونه لصالح الحزب الديمقراطي، قال أوباما: «التصويت الليلة ليس نصرا لأي حزب، بل هو انتصار للشعب الأميركي، وانتصار للعقلانية». وصوت مجلس النواب لصالح إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركية بـ219 صوتا، مقابل 212 صوتا معارضا. وبينما صوت 34 عضوا ديمقراطيا ضد القانون، كان ذلك العدد أقل من 39 نائبا صوتوا ضد مسودة سابقة لمشروع القرار العام الماضي، ولم يصوت أي عضو جمهوري لصالح القانون الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي نهاية العام الماضي. واعتبرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنه تم إقرار قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية «بفخر كبير»، مضيفة أنه يؤكد أن الرعاية الصحية للأميركيين بعد اليوم «حق وليست امتيازا».

بعد موافقة مجلس النواب، صار مشروع القانون بانتظار مصادقة الرئيس أوباما عليه ليصبح قانونا ساريا. ومساء أول من أمس تم التصويت على مشروعين، الأول: هو مشروع القرار الذي وافق عليه مجلس الشيوخ لإصلاح نظام الرعاية الصحية، والثاني: مشروع القانون الذي يشمل فقرات معينة من القانون الأول وينتظر مصادقة مجلس الشيوخ عليه. ومن المرتقب أن يواجه مشروع القانون الثاني بعض المصاعب في مجلس النواب خلال الأيام المقبلة مع معارضة بعض أعضاء مجلس النواب له، ضمن رغبة البعض في عدم إدخال مزيد من التعديلات على القانون التاريخي.

يذكر أن تمرير قرار إصلاح نظام الرعاية الصحية في مجلس النواب يعتبر خطوة تاريخية، ولكنها ليست الخطوة الأخيرة. وستشهد الأيام والأسابيع المقبلة مزيدا من التركيز على إصلاح نظام الرعاية الصحية، أولا لتمرير مجلس الشيوخ قانونا مرافقا لقانون إصلاح نظام الرعاية الصحية حول نقاط محددة في الرعاية الصحية وثانيا لتوضيح القانون وتبعاته للشعب الأميركي. ويهدف المشروع إلى توسيع الرعاية الصحية إلى 32 مليون أميركي لم تكن لديهم رعاية صحية من قبل، كما أن القانون يوجب على غالبية الأميركيين الحصول على تأمين صحي. ويخصص القانون 875 مليار دولار خلال العقد المقبل لتوسيع التأمين الصحي للأميركيين. وبحسب القانون، وبعد 6 أشهر من تطبيقه، ستمنع شركات التأمين الصحي من إلغاء التأمين للمرضى أو فرض سن معينة لمن يسمح له بالحصول على التأمين الصحي.

غير أن إقرار القانون الذي أخذ الحيز الأكبر من وقت وجهد الرئيس أوباما الاميركي خلال الأسابيع الماضية جاء على حساب وعوده بالعمل على توافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مع رفض أي عضو جمهوري في مجلس النواب التصويت لصالحه. ورغم وعود أوباما بالعمل على التوصل إلى حل توافقي يناسب الحزبين، اختار في النهاية الاعتماد على الديمقراطيين لتمرير قانونه. وحذر رئيس الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون باوهنر الديمقراطيين من أن تمرير هذا القرار يعني أنه «لا عودة إلى الوراء» في العمل التوافقي في الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومع البيت الأبيض، مضيفا «في الديمقراطية، يمكنكم تجاهل إرادة الشعب لفترة محددة فقط». وهناك أرقام متضاربة حول نسبة الأميركيين المؤيدين لقانون إصلاح نظام الرعاية الصحية، ولكن من المؤكد أنها ستكون قضية رئيسية في الانتخابات الدورية للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وحرص البيت الأبيض خلال الأيام الماضية على التركيز على دور أوباما في تمرير قرار إصلاح نظام الرعاية الصحية في مجلس النواب، معلنا أنه أجرى 92 اتصالا هاتفيا شخصيا مع أعضاء في الكونغرس خلال الأسبوع الماضي لحثهم على التصويت لصالح مشروع القرار. كما وزع المكتب الإعلامي للبيت الأبيض صورا لأوباما وهو يجري الاتصالات ويتشاور مع مستشاريه حول مشروع القانون خلال عطلة نهاية الأسبوع والأيام الماضية. وبسبب ذلك، تم إعلان تأجيل زيارة أوباما إلى إندونيسيا واستراليا التي كان من المرتقب أن يقوم بها هذا الأسبوع. وهذه هي المرة الثانية التي يؤجل فيها أوباما رحلة خارجية بهدف التركيز على أبرز تحد تشريعي له منذ توليه الرئاسة.

واعتبر الخبير في الشؤون الخارجية والبروفيسور في جامعة هارفرد ستفين والت أن التصويت لصالح قانون إصلاح الرعاية الصحية لن يقوي أوباما إلى درجة كبيرة، لأن القضية الأولية والأساسية له ما زالت ترتكز على إنعاش الاقتصاد الأميركي وخلق فرص العمل. وهذا ما أكده أوباما في خطابه أول من أمس، قائلا إن العمل الأكبر ما زال أمامه.